| | | | دروس فى التحليل السياسى
| | الأسد | |
بقلم : غريب المنسى ........................
الفرق بين نجوم التحليل السياسى أمثال تشارلز دويج وكيث برادشير وديفيد تيم ونيكينس دانيال روث وغيرهم الكثير من الكتاب الحاصلين على أعلى جوائز التكريم الصحفى بمعايير جامعة كولومبيا للصحافة وبين معظم من يتناول التحليل السياسى فى برالعرب فرق بسيط جدا ولكنه يصنع الفرق بين محلل سياسى ممتاز وآخر متواضع المستوى , هذا الفرق هو أن الفصيل الأول يخوض فى الأسباب بينما الفصيل الثانى دائما يسهبون فى أعراض المشكلة !! وهذا بطبيعة الحال خلق أجيالا من العرب المتابعين سطحيين جدا محصوريين فى قوالب فكرية جامدة لايرون من خلالها البعد الثالث لآى مشكلة , ومن هنا نشأت حالة من القصور الفكرى والنظرى أدى الى مانحن فيه من عدم فهم أى مشكلة نمر بها من خلال قراءة أبعادها الصحيحة ودائما نبرر قصورنا بتحميل مشاكلنا على أمريكا واسرائيل والغرب بصفة دائمة وعلى أوردغان وحكام الخليج وكل من تصادف وكان اسمه مرتبط بمشكلة اليوم . وهذا لايعنى أن سياسات أمريكا واسرائيل والغرب والخليج سياسات صحيحة , ولكن ما أقصده هنا أن الاتوماتيكية فى تكييل الاتهامات سابقة التجهيز فى عقولنا لهم تبعدنا تماما عن التفكير الحيادى وبالتالى نخرج عن الموضوعية ونعجز عن فهم الحقيقة كما هى لا كما نحب أن نراها ونصدقها , وهذا ببساطة هروب من الواقع وانهزامية لأننا صنفنا أعداؤنا مسبقا بأنهم أقوياء لايقهرون وهذه أسهل طريقة للهروب للأمام .
سأضرب هنا مثالا سريعا عن الفرق بين الأعراض والأسباب قبل أن أوضح أمرا هاما فى موضوع سوريا لبعض القراء المنفعلين بلامبرر واللذين على مايبدو أنهم يتابعون عرب تايمز ويتهجمون بوقاحة على كتابها قبل أن يضعوا "مرهم البواسير" كما نصحهم الطبيب.
لنفترض أن أحمد يعانى من مشكلة مزمنة مع زوجته هالة التى تزوجها منذ عامين ذهبت على أثره هالة غاضبة الى منزل أسرتها وترفض العودة الى منزل الزوجيه وبالتالى نشأ خلاف بين العائلتين سوف يكون له نتائج وخيمة على السلم والمحبة المتوارثة بين العائلتين منذ عقود. تعالوا نرى كيف يحلل هذه المشكلة الكاتب الشرقى الذى لايفهم الا فى الأعراض والكاتب الغربى الذى يؤمن بالاسباب.
الكاتب الشرقى دائما يصطف فى جانب وكأنه جزء من المشكلة فاذا كان فى صف هالة مثلا يكون تحليله كالتالى : أحمد انسان مستهتر وبخيل وهالة لها كل الحقوق فى طلب الطلاق والحصول على الشقة وطرد احمد فى الشارع وكيف يجروء هذا المستهتر بالاستهزاء ببنات العائلات على هذا النحو !! ويستطرد فى تحليل المشكلة من جانب واحد ولايضع أدنى احتمال لامكانية التصالح أوأن لكل مشكلة قصتين ينبغى سماعهم وفهم أبعادهم قبل أن يتطرق الى التحليل والفلسفه.
أما الكاتب الغربى الذى درس وتعلم الموضوعية قبل أن يحصل على اجازة التحليل لابد له من أن يتقمص شخصية أحمد باعتباره رب الأسرة ويضع نفسه فى حذاؤه ويتخيل أن هالة هى زوجته فعلا وبالتالى يضع يده على مواطن القصور فى العلاقة والسبب الأساسى لغضب هالة والأسباب التى دفعت أحمد ليغضب هالة ومن هنا تبدأ الصورة تكتمل أمامه ومن السهل عليه هنا عند هذه النقطه أن يقترح حلولا عملية وليست حلولا خيالية ولأنه غاص فى الأسباب وليس الأعراض فاحتمالات الصلح بين هالة وأحمد تزداد عند المحلل الغربى بالقياس بالشرقى الذى حصر نفسه فى أعراض المشكلة وبالتالى تكون كل دفوعه فى اتجاه واحد وهو طلاق هالة من أحمد. وهذا بالضبط هو الفرق بيت التفكير المحدود والتفكير الغير مرتبط بقيود ويعتمد على عبور حدود الروتين لعلاج المشكلة .
نعود الآن لموضوع سوريا وبالقياس بهذا المثال البسيط لنكتشف أن معظم مشاهير كتابنا ابتعدوا عن الموضوعية وغاصوا فى الأعراض ولم يكلف أحدا منهم خاطره لبحث الأسباب وهذا هو مستواهم وأقصى مايستطيعون , لذلك فنحن فى أمس الحاجة لطرد معظمهم واعادة تأهيل من يصلح منهم والاهتمام بالجيل الجديد من الكتاب وتعليمهم أساليب التفكير المنطقى السليم من خلال تعليم جيد.
يكمن القصور فى فهم مشكلة سوريا فى أن نخبتنا المثقفة حصرت نفسها فى دفوع سفسطائية أساسها أن بشار ورث الحكم عن أبيه فى نظام جمهورى وأنه ديكتاتورى ولامانع أبدا لديهم من التشدق بحقوق الانسان هذا طبعا والسفينة السورية تواجه اعصارا شديدا جدا قد يغرق السفينة بشعبها !! وعلما بأن هذه الأبواق تعيش فى جمهوريات وممالك الموز , فهل يصح والحال كذلك أن نطالب بذهاب الربان فى منتصف العاصفة ؟ أم أنه من الموضوعية والعدل أن ننتظر حتى تهذأ النوة ونطالب الربان بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية؟ مخزى جدا أنه لم يكلف أحد منهم خاطره مجرد أن يتخيل نفسه فى مكان الكابتن ليرى بوضوح الصورة من الجانب الآخر !! فقط هو يريد أن يرى الصورة من خلال عيون الممول الذى مول أكبر حملة دعائية عدوانية فى القرن الواحد والعشرين. ليأتى موضوع الأسلحة الكيماوية لينهى تماما على أسطورة النخبة الواعية لدينا التى تنقل عن بعضها البعض اكليشهات ترددها بلاخجل تقريبا فى كل وسائلنا الاعلامية وكاننا أمة خلت من الخيال والموضوعية .
الأسلوب العلمى فى تقييم الربان فى منتصف الاعصار هو أن نعطيه درجات على درجة هدوئه ومرونته ودرجات على الطريقة التى يرى بها نفسه ويراه بها العالم ودرجات على طريقة خروجه من الزاوية التى وضعه فيها الاعصار اما أن نهاجمه لمجرد الهجوم فهذا لعمرى أكبر دجل وأكبر عملية تعدى على التفكير المستنير الغير مقيد بعورات التفكير العربى القوام.
كيف لهم من أن يتصدوا ليلا نهار لمشكلة سوريا بدون الاشارة الى اسرائيل ؟ وكيف لهم أن يتكلموا عن سوريا دون الاشارة الى المرتزقة اللذين قدموا اليها من قارات الدنيا الخمس مدفوعين ماديا وليس أيدولوجيا ؟ وكيف لهم أن يكتبوا عن سوريا بدون أن يتذكرو حكمة ماذا تفعل لو كنت مكانه ؟ الكلام سهل ولذيذ ورخيص ومدفوع الثمن ولكن نحن نكتب مايمليه علينا الضمير بدافع المشاركة فى الهم العام لذلك نرجوا الا تلومونا اذ نحن كسرنا التوابيت الجامدة وخرجنا قليلا عن المألوف فى التفكير النمطى , أحيانا نكون على خطأ فنحن لسنا معصومين من الخطأ ولانلزم أحدا برأينا ولكن من المنطق أن نستعرض كل السيناريوهات حتى وان كانت خيالية وخارج السرب حتى نغطى كل الجوانب فهذا واجب على من يتصدى للشأن العام , أما أن نكتب للمجاملة ومحاولة كسب تصفيق خاوى بتجنب الدخول فى الألغام فهذه مهمة المحدودين والمتمسحين بالأعتاب.
أول درس تعلمته عندما درست الكتابة البناءة- Creative Writing - هو أنه لاتوجد كتابة هادفة بدون خيال , فالخيال هو الفرق بين كاتب يكتب لمجرد رص الكلام وكاتب يعيش الموضوع بكل جوارحه واذا كان الحال كذلك فلابد أن يكون هناك قارىء موضوعى ذو خيال خصب أيضا لأنه بدون خيال سنعيش فى نفس الروتين والقوالب الجامدة والتى أوصلتنا الى هذا التحكم الغير مسبوق فى عقولنا من هذه النخبة المطبلة المأوزومة التى تتخذ من الكتابة وظيفة يخرجون بعدها للتقاعد.
سوو صفوفكم ...
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|