مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 صناعة الفتوى

سنحيا كراما

بقلم : غريب المنسى
........................


كانت الساعة تقترب من منتصف الليل عندما رن جرس التليفون فى قصر الشيخ الجليل وكان المتحدث على الطرف الآخر مستر "مايكل سيلسيبرج" رئيس تحرير جريدة الواشنطن كوست أكبر الجرائد الأمريكية المهتمة بالشرق الأوسط , كان الشيخ فى هذه اللحظة قد انتهى لتوه من أول دماغ مع مديحة التى لانعرف هل هى سكرتيرته أم واحدة مما ملكت يداه؟!! وكعادة الشيخ بعد أول رأس يصاب بالدوار ويحتاج الى كوب عصير برتقال طازج وأكوسجين صناعى من خلال خرطوم واصل بالسرير, وبينما هو فى السرير منكمش وعاريا كيوم ولدته أمه تولت مديحة الرد على التليفون نيابة عن الشيخ المرهق الذى يعاند الزمن ويتصرف وكأنه غضنفر فى السرير. كانت مديحة ممسكة بمنشفة صغيرة تنظف فمها من مخلفات الشيخ المنوية فالدماغ الأولى على مايبدو كانت تطبيق للوضع69 وهو فاصل مستمر من اللحس والمص فى الوضع المشقلب , وهو وضع لايقدر عليه فى الغرب الكافر الا الشباب فى الشريحة العمرية العشرينية .

- هذا منزل الشيخ الجليل؟
- أيوه هذا منزل الشيخ زفت..

فى الحقيقة كان مستر "مايكل سيلسيبرج" يحاول أن يؤكد على الشيخ الجليل موعد المقابلة بعد يومين ولاختلاف التوقيت مع واشنطن كان لابد له من ازعاج الشيخ ومديحة فى هذه اللحظات الحميمة ..

- آسف للازعاج .. هذا "مايكل سيلسيبرج" من الواشنطن كوست وأريد أن نؤكد على ميعادنا مع الشيخ الجليل , فطبقا للمكالمة السابقة نحن متفقين على أننا سنتقابل فى تمام الساعة الرابعة عصرا يوم الثلاثاء, هل تستطيعى أن تؤكدى معى هذا الموعد طالما أن الشيخ غير موجود فى هذا الوقت المتأخر؟
- غيرت مديحة بسرعة لهجتها : أوه هاى !! بكل تأكيد .. سيكون الشيخ الجليل جاهزا لهذه المقابلة ..
- شكرا جزيلا ..
- أوه جود باى .. وانتهت المكالمة.

فى صمت الغرفة جاء صوت الشيخ من السرير وكأنه يصارع عزرائيل ..
- مين يامديحة؟
- صحفى عاوز يقابلك بعد بكره العصر
- آه .. الأمريكى ؟
- ايوه بتاع الواشنطن مش عارفه ايه
- على بركة الله .. هو مولانا

وبدأت مديحة تغنى وتتراقص وهى عارية : أنا بنت مدارس ..  أنا حلوة خالص.. ويرد عليها الشيخ بصوته القادم من عالم الأموات : صح صح ...

******

للشيخ الجليل وجهان لعملة واحدة , وجه فى غرف النوم لاشباع غرائزه الحيوانية النهمة ووجه للميديا لاشباع "الأنا المتضخمة" وهو فى هذه الحالة يكون مسلحا بابتسامة توحى بعلمه الغزير فى دين واضح المعالم ولكنه خضع على مر العصور للتقويل والتفسير واعادة التفسير والسفسطائية.

والدين على فطرته يمكن لمدرس مرحلة ابتدائية شرحه فى حصة أو حصتين لتلاميذه الصغار ولكن لأن هذا الدين خضع للتقويل فهو دائما فى حاجة الى هؤلاء المتحذلقين للعب بالكلمات وتحويرها لخدمة الهدف المطلوب .. ولكل عصر من عصور الانهيار الأخلاقى والسياسى والدينى رجالاته , واليوم هو عصر الانحطاط الدينى ومن علامات هذا العصر هو أن التفسير الواحد ينطبق على الشىء ونقيضه فى ظاهرة حار فيها علماء الفلسفة وانتحر منها معظم علماء الرياضة التطبيقية , فالله خلق الأشياء على الفطرة فكيف يكون تفسير الشىء ونقيضه يخضع لنفس المعادلة الجدلية التى لاتستند الى أى منطق أو عقل .. وبنفس المنطق يتم تحريم وتحليل السرقة والزنا والميسر والخمور طبقا لموقع المفسر من الجرم ذاته على طريقة اذا كان الحشيش حراما فنحن نحرقه واذا كان حلالا فنحن ندخنه.

*******

استقبل الشيخ الجليل مستر "مايكل سيلسيبرج" فى مكتبه طبقا للموعد المحدد وبعد تبادل التحية التقليديه دعاه الشيخ الى غرفة صناعة الفتوى وهى غرفة تشبه الى حد ما غرف العمليات العسكرية , ففى صدر الغرفة خريطة للعالم بعرض الحائط مقسمة بدوائر ملونة الى الدول والقارات وأمامها مكتب وضع عليه تليفون مرتبط بمعظم أجهزة المخابرات العالمية ومؤسسات صنع القرار , وأمام الخريطة وعلى بعد مناسب وضع مكتب للفيديو كونفرانس يمكن التواصل بهذا النظام مع أى شخصية مهمة فى مرحلة اعداد الفتوى , وفى خلفية الحجرة وضعت مكتبة دينية فيها مالايقل عن ألف كتاب دينى يدعى الشيخ أنه قرأها !! ولكن هى فى أغلب الظن موضوعة لتضفى جوا علميا على المكان .

عملية صناعة الفتوى تخضع لنظام دولى صارم , فشيوخ تورا بورا يمكنهم اصدار الفتوى فى الحال لذلك فهم على لائحة الارهاب , أما شيوخ القصور لابد أن يصدرو الفتوى بعد تأنى وتدبر وتنسيق لذلك يطلق عليهم علماء هذه الأمة .. هكذا بدا الشيخ الجليل شرحه لمستر "مايكل سيلسيبرج" .

ان صناعة الفتوى لاتختلف عن صناعة محشى البدنجان , فلابد أن يكون هناك أولا بندنجان حتى نفكر أن نحشوه وهذا بالضرورة سيدفعنا للتساؤل عن دور الفلاح فى زراعة البندجان والارز والطماطم والتوابل , وربة البيت الماهرة التى ستحشوه والغاز الذى سيطهيه والأطباق التى سيقدم عليها والنجار الذى صنع الطاولة التى سنجلس عليها لتناوله .. هذا فضلا عن المقبلات والمشهيات والمياه والمشروبات وكل مايتصل بحلة محشى بندجان فى برد يناير. ومن هنا تأتى الحاجة الى صانع ماهر .. فليست كل من صنعت بندجان محشى يشار اليها بالبنان ؟! هناك قلة من النسوة مكشوف عنهن الحجاب قادرات على صنع المحشى بالمواصفات الشهية المطلوبة تماما كالمفسر الدينى , فليس كل من اعتلى المنبر صار خطيبا وليس كل من قال ياليل قال له الناس الله.

بدا مستر "مايكل سيلسيبرج" مبهورا بغرفة صناعة الفتوى وشرح الشيخ الجليل لفلسفة صناعة الفتوى .. ومد الشيخ يده لمستر "مايكل سيلسيبرج" وأعطاه ورقة مكتوب بها بعض اللوغرتيمات باللغة العربية وبدا فى شرح المراحل الدقيقة التى تمر بها الفتوى من مجرد فكرة الى فتوة مكتملة الحياة والأركان يبصقها على مليار بنى آدم .

- من لم يتبع فتواى فسيخرج من رحمة الله قالها الشيخ الجليل منفوشا .. وبدت الورقة فى يد مستر "مايكل سيلسيبرج" لغزا كبيرا حاول الشيخ أن يفك اسراره ..

- أولا : انظر للخريطة من أقصى الشمال : الأمريكتان مضبوط ؟
- نعم .. قالها مستر " سيلسيبرج" فاغرا فاه

- المكتوب على الدائرة الحمراء يامستر سيلسيبرج " لايجوز شرعا " وهذا معناه أننى لاأقترب من الأمريكتان وبالذات الشمالية فى أى فتوى .

أما أوروبا فمكتوب عليها " يجوز بحذر شديد جدا" وهذا معناه أننى اداعب أوروبا فى أى فتوى اذا ظهر هنا ضعط اسلامى لسبب ما ضد أى حماقة أوربية وممنوع منعا باتا من استخدام لفظ الغرب الكافر فى فتواى .. هذه لغة تورا بورا يامستر سيلسيبرج.

أما اسرائيل فمكتوب عليها " يجوز بحذر " وهذا معناه أننى عند صناعة أى فتوة عن مخالفات اسرائيل أكتفى بكلمة الصهاينة .

أما باقى العالم فيجوز فى حالة ذهاب المحظور وهذا معناه أنه لابد من التنسيق مع اجهزة المخابرات العالمية من خلال هذا التليفون .. وأشار بيده الى التليفون الموضوع أمام الخريطة.

هذه يامستر سيلسيبرج هى القواعد الأساسية فى صناعة الفتوى ولكن من الناحية العملية والواقعية أنا دائما أواجه بمشاكل محلية فدائما اسرائيل والأقصى والجولان وغزة والضفة وهذه كلها أمور موسمية تظهر وتغيب طبقا للأوضاع السياسية والاقتصادية هنا لذلك فأنا - وأعوذ بالله من أنا – جاهز لمواجهة هذه الأمور بفتاوى مسكنة .. حتى أراضى المسلمين وفى نفس الوقت لاأغضب اسرائيل. المسلمين يطلبون حلولا جذرية لمشاكلهم ولكننى أحاول أن أوازن بين المباح والمستباح وبين ماهو شرعى وماهو غير شرعى طبقا للخريطة الموجدة أمامى.

مثلا من ضمن المشكلات المزمنة الى تواجهنى هنا فى محل عملى هو اعتداء الصهاينة المستمر على المسجد الأقصى ومحاولة هدمه للبحث عن هيكل سليمان .. ساأحكى لك يامستر سيلسيبرج كيف أعالج هذه المشكلة كما لاعب السيرك.

- تفضل

- ينظر القوميين والاسلامين والليبراليين واليساريين وكل من يمشى على اثنين فى هذه الرقعة الجغرافية – مشيرا بيديه للخريطة على منطقة الشرق الأوسط - على أن الأقصى وأحد من المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها، كما قال رسول الله محمد " لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، والمسجد الأقصى. ولكننى بعد تفكير عميق توصلت وطبقا للأية الكريمة : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أن حماية الأقصى مهمة ربنا وليست مهمة الشيخ الجليل .

- الله أكبر .. تكبيرات !!
- لذلك دائما تجدنى أحذر بقوة الصهاينة من خطورة الاعتداء على الأقصى . فطبقا للخريطة والكود أنا لا أملك غير التحذير .. والتحذير فقط .

- وماذا عن سوريا ؟
- يامستر سيلسيبرج أنت تدفعنى لشرح سر المهنة فلكل مهنة أسرارها ؟
- وماهو سر المهنة ؟
- يامستر سيلسيبرج وحتى اظهر كأننى شيخ مجاهد لابد من الدعوة الى الجهاد وحتى لايشك الناس فى أمرى وبعد النظر الى الخريطة ومشاورة كافة المصادر والتأكد من أن دعوتى للجهاد فى سوريا لا تتعارض مع اللعيبة الكبار ولا مع الصهاينة أصدر فتواى بكل اطمئنان . يامستر سيلسيبرج يظن المسلمين أننى قادرا على حل كل مشاكلهم ولكن الأمر لايختلف كثيرا عن أى مهنة أو حرفة .. ومشاهير أى حرفة ليسوا بالضرورة أحسنهم !!
- ولكن أذكاهم ياشيخ؟؟

*****

ظهرت جريدة الواشنطن كوست بعد اسبوع تحمل عنوان عريض عن الشيخ الجليل كواحد من خمسة شيوخ مؤثرين على العالم !! وغنى يامديحة... أنا بنت مدارس .. أوف.. أح ...

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية