| | | | القوام
| | محمد | |
بقلم : غريب المنسى ........................
الأستاذ عبد القادر من جيل أكتوبر موظف فى سنترال المركز وأوشك على انتهاء عمره الوظيفى , ينتابه بين حين وآخر نوبة تفكير غاضب وهى نوبة تصيب معظم من تقدم بهم العمر وتمر أمام أعينهم حركة التاريخ وهم غير قادرين على تصحيحه وفى نفس الوقت غير قادرين على مجاراة مساره, فالرجل ولد فى قرية تبعد عن المركز حوالى عشرة كيلو مترات كان فى طفولته يقطعها مشيا على الأقدام يوميا ذهابا وعودة ليتحصل على شهادة متوسطة فى أواخر ستينات القرن المنصرم.فى هذه الايام الخوالى كات تعداد القرية لايتعدى ألفين روح والآن وصل عدد سكان القرية الى مايقرب العشرة الآف نسمة معظمهم مسلح بالكمبيوتر والتابلت والأى باد والأى فون بعدما كانت وسيلة الاتصال الوحيدة بالعالم الخارجى فى زمنه تليفون العمدة وتليفون الحاج عبد المرضى أغنى أغنياء القرية بمقاييس سنة سبعين .
بعد أن أنهى عبد القادر تعليمه المتوسط تم تجنيده وبسرعة ليشترك فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وعاد الى القرية بعد انتهاء الحرب ليشاهد بالتصوير البطىء التجريف الممنهج لأخلاق القرية, فالمساحة الخضراء تقلصت أمام التوسع الخرسانى الرأسى والأفقى وازداد عدد المتعلمين من أبناء القرية ولكنه لاحظ أن من تعلم من القرية تعليم عالى هجر القرية الى المدينة ولم تعد تربطه بالقرية الا مناسبات الافراح والعزاء , هذا اذا كانت زوجته خريجة قرية مثله , أما اذا كانت زوجته من بنات المدن فهو يعود فقط للزيارة اذا ماتت أمه أو أبوه. فبعض القرويين على دين زوجاتهم أو هكذا لاحظ الأستاذ عبد القادر.
منذ أن وعى عبد القادر على الدنيا كان بالقرية مسجدين فقط الأول فى الناحية البحرية والآخر فى الناحية القبلية يؤم هاذين المسجدين شيخان كفيفان من أبناء القرية اعتمدتهم الأوقاف لمجرد أنهم يحفظون القرآن ولم يكن فى هذه الأيام تعطش للتفسير فشروط الاسلام خمسة يعرفها القاصى والدانى !! والمسجد كان يؤذن للصلوات الخمس وعدد المصلين كان محدود للغاية نظرا لتواجد معظم الناس فى الحقول وكانت صلاة الجمعة بخطبتها المكررة والمحفوظة عن ظهر قلب هى المناسبة الوحيدة التى يتجمع فيها مسلمى القرية , أما اليوم فعدد المساجد وصل الى حوالى ثمانية مساجد معظمها ان لم يكن كلها مساجد تأسست بمجهودات فردية , وتدريجيا تحول السروال واللحية الطويلة التى تكاد أن تقترب من الخصيتان وقص الشارب والتفسير واعادة التفسير والافتاء هى من معالم الاسلام فى القرية بل فى كل القرى المجاورة .. لا لا .. بل فى كل المحافظة والمحافظات المجاورة.
الاستاذ عبد القادر قوى الملاحظة وقوة ملاحظته كانت السبب فى اصطياده لثلاث دبابات للعدو فى معركة المزرعة الصينية والتى أصابت ديان واليعازر وحاييم بارليف بالفزع من صلابة الجندى المصرى الذى تصوره سيهرب من مواجهتم , وقد لاحظ الرجل أن القرية وعلى الرغم من النهضة الدينية مازالت تعيش فى مرحلة الانفصام عن الواقع ففى الوقت الذى يزداد فيه عدد الشيوخ والمفسرين يزداد أيضا عدد الزنادقة واللصوص والنصابين والحشاشين والمبرشمين والسكارى فى القرية حتى أنه اكتشف أن هناك شبكة دعارة فى القرية يديرها بعض عمال البناء والسباكة الذين نزحوا الى القرية من المدينة واقاموا فى شقة بالايجار فى القرية .. فالقرية الآن تجد فيها لافتات شقق للايجار تماما كالمدينة وفيها الحانة وغرزة الحشيش ومتعهد بيع المخدرات والمسكرات .
كانت القرية فى الماضى القريب مؤسسة اجتماعية شاملة معروف أغنياؤها وفقراؤها ومعروف من هم أبناؤها وكل صلات نسبهم ولكن الآن لجأ كل المغضوب عليهم اجتماعيا والغير معترف بهم ضمنيا من اهل القرية الى التدين , فالدين هى الوسيلة الوحيدة التى تكسر كل نظريات القرية الاجتماعية وتدمر السلم الاروستقراطى القروى البسيط .. وعن طريق الدين تسلق الى قمة الهرم الاجتماعى فى القرية من كان أبوه بائعا للفجل وأمه كانت ندابة القرية .. وهنا اختلط الحابل بالنابل فلم يعد عبد القادر وأبناء جيله قادرين على التفريق بين من هو شيخ صالح وشيخ متسلق ليدارى عوراته الاجتماعية. وتدريجيا تحول الشيوخ من مجرد شيوخ على باب الله الى أباطرة تفسير وتكفير وعلماء بحقائق الغيب وماوراء النجوم وما تخفيه الصدور وأصبحوا عصابة كبيرة ليس على مستوى القرية فحسب بل الدولة وان اغضبت أحدهم فى المنوفية تداعى له سائر الأعضاء فى الشرقية والبحيرة وكفر الشيخ بالسهر والحمى والمغص والفتوى والتهديد والوعيد!!
فى يوم من الأيام جاء الى عبد القادر شيخ شهير من شيوخ المركز عائدا لتوه من الخليج بعباءة سندسية وسيارة هوندا بعد أن أتم بناء شقة فى دار أبيه وبعد أن أوهم الناس أنه ذو علم عليم وأنه طبقا لنظرية بن عبد الوهاب دمر الله قبره هو الوحيد الذى يفتى فى أمور النكاح والعدة وتعدد الزوجات وأنواع الزيجات .. هذا الشيخ بمقاييس علم النفس لايختلف كثيراعن القواد ولكنه يعمل فى الدعارة بغطاء دينى يصعب والحال كذلك القبض عليه وايداعه فى السجن .. فكل فتوى لديه لها سند شرعى وأصبح الدين بفضله هو وجماعته دينا أرضيا بكل ماتحمله الكلمة من معنى.
هذا الشيخ القواد عرفيا تقدم الى عبد القادر طالبا الزواج من ابنته الوحيدة الدكتورة هناء مادحا نفسه بانه قوام قوام وتصور عبد القادر أن عريس الغفلة هذا يقوم اناء الليل وأطراف النهار وأنه شيخ لا يشق له غبار فاسطواناته الدينية تباع بالآلاف وكل الشواهد تؤكد أنه رجل طموح ويبغى التقرب الى وجه الله وخدمة جمهور قريته , ووافق على الزواج الذى تم وبفتوى من هذا القوام على عجل اسوة بالسلف الصالح وغادر هو والعروس الى قريته التى تقع فى أطراف المركز.
ذهبت أم هناء لزيارة ابنتها يوم الصباحية وأخبرتها هناء أن الشيخ القوام لم يطئها بعد , وغادرت الأم متكدرة وعادت بعد اسبوع وكانت اجابة هناء على سؤال أمها بالنفى واستمر الحال على هذه الوتيرة عام كامل وهذا القوام عاجزا عن مجامعة زوجته متعللا بمشغولياته ومؤتمراته وتفسيراته وانه يواجه تحديات داخلية وخارجية , الأمر الذى دعى أم هناء الى اخبار أبو هناء عن حالة الشيخ القوام .
لجاء أبو هناء لاخوته وابناء عمومته للاستفسار عن حل لهذه المشكلة التى أوقع ابنته فيها واكتشف بعد التحريات فى علوم الكلام أن معنى كلمة قوام قوام تعنى عدم القيام , وهنا أصبحت المشكلة لها وجهان فمن الناحية الفعلية الشيخ اعترف بأنه قوام قوام عندما تقدم للزواج ومن الناحية الواقعية وافق الأب على هذه الزيجة لعدم فهم معنى قوام وضاعت هناء بسبب سوء الفهم والتلاعب بالكلام ...
السؤال الآن : ماذا تفعل لو كنت أبو هناء ؟ هل تستعيد ابنتك من هذا القوام القواد؟ أم تتركها معه هو وعصابته من المدعين اللذين يبيعون لنا الدين مغلف بالوعود .. وموعود معايا بالعذاب موعود ... ؟!!
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|