| | | | شاهد على العصر
| | السادات | |
بقلم : غريب المنسى ........................
كانت ليلة صيفية عليلة من ليالى مدينة الأسكندرية فى ربيع العام تسعة وسبعين عندما دعانى الرئيس السادات لزيارته على عجل فى قصر رأس التين وبدون ابداء الأسباب , فنحن عندما كنا نريد أن نتحدث فى أمر مهم يخص الأمن القومى كنا نتجنب الأحاديث فى التليفون أو الغرف المغلقة , وللحقيقة كان الرئيس السادات يفضل الحديث فى الهواء الطلق فى هكذا أمور حتى يتجنب الرصد والتصنت وبذلك كنا نلف حول القصر الرئاسى سيرا على الأقدام عدة مرات حتى ينتهى الرئيس من شرح أى موضوع بشىء من التفصيل, وكنت لتوى قد انتهيت من اجتماع مهم جدا مع الملك خالد ومدير مخابراته الشيخ كمال أدهم للتنسيق حول الدور السعودى الاسرائيلى فى لعبة الأمم. وكنت مجهد جدا وكدت أن أعتذر لولا أن الرئيس السادات بخفة دمه المعهودة وعدنى بعشاء جيد وشيشة وبأن النقاش سيكون فى حديقة القصر فى الوضع جالسا.
وفى طريقى للقاء الرئيس السادات خطر على بالى أن افاتحه فى موضوع التصعيد المفاجىء لمنصور حسن وزير الاعلام وتكليفه بمهمات خاصة حيث أن النائب مبارك كان قلقا جدا من هذا التصعيد وهو الذى طلب منى أن أفاتح الرئيس السادات فى هذا الموضوع حتى يطمئن الى أنه مازال محل ثقة الرئيس السادات.
دخلت على الرئيس السادات فى حجرة الملكة السابقة نارمين ووجدته بالبيجاما ويقراء القرآن بصوت رخيم , فالرجل كان بسيط جدا وكان يعتبرنى فردا من أفراد أسرته ومحل ثقته وكان يبوح لى ببعض الأسرار التى لايمكن أبدأ أن يقولها حتى لرئيس وزراؤه , وبعد أن تناولت العشاء وهو عبارة عن طاجن بامية باللحم الضانى وخبز مستورد من استراليا مع عصير الأناناس وجدت نفسى فى حالة نفسية جيدة وطلبت من الرئيس أن يجهز لنا الشيشة ويلحق بى فى حديقة القصر حتى نحبس الأنفاس ونحن نناقش الموضوع الذى دعانى لأجله.
- أفريقيا ياغريب .. أنا مش عارف حنحل مشكلة مياه النيل ازاى ؟ اسرائيل توغلت فى أفريقيا وكمان عشرة أو عشرين سنة سنجد أنفسنا محاصرين مائيا .. هل تتخيل ياغريب مصر فيها أزمة مياه؟
لفت نظرى أن الرئيس السادات كان لديه احساس سياسى حساس يرى المشكلة قبل أن تكون مشكلة وهذا يدل على ذكاء عبقرى مرتبط بصفاء ذهنى وقد كنت أنا من ضمن القلائل اللذين توقعوا مشكلة حصار اسرائيل لمصر مائيا ولذلك عندما فاتحنى فى الموضوع نسيت موضوع النائب الخائف على منصبه وشرحت للرئيس عدة خطوات ضرورية ومهمة لابد من اتخاذها فى القارة الأفريقية حت نضمن ولاء دول حوض النيل لمصر وحتى نضمن التعاون الاقتصادى المشترك لدول حوض النيل وكنت قد أعددت حزمة من المساعدات الاقتصادية والتعليمية والتسهيلات التجارية والجمركية لتقديمها لقادة هذه الدول فى الوقت المناسب .. وقد حان الآن !! فالرئيس السادات قد سلمنى فى هذه الليلة ملف مياه النيل وهو من أهم ملفات الأمن القومى .
وفى اليوم التالى اتصلت بمدير جهاز المخابرات أمين هويدى وطلبت منه معلومات تفصيلية عن كل دولة من دول حوض النيل واتجاهات كل رئيس منهم وذوقه فى الهدايا والملابس حتى أننى طلبت من صديقى هويدى أن يستعين برجاله فى أفريقيا حتى نعرف اتجاهات أذواق زوجات الرؤساء الأفارقة حتى نستطيع أن نقدم لهم هدايا تتفق تماما مع قبولهم العام , وبعد اسبوع كنت فى طريقى لزيارة ثمانية دول أفريقية على رأس وفد مصرى كبير يشمل المهندس محمد أبراهيم استاذ علوم المياه السائلة والمجمدة والدكتور سيد فضل خبير المياه المتحركة والعلامة الدكتور أحمد جبريل وهو المصرى الوحيد الذى تنبأ بوجود مياه على سطح المريخ .
وكان استقبالا حافلا لنا فى أفريقيا , كان الاستقبال رسميا الى حد ما ولكن بعد أن قدمنا لهم الهدايا كان الوداع فى كل دولة افريقية يشبه وداع البابا بندكت عندما زار المكسيك , وأتذكر أنه فى طريق العودة من عاصمة بوركينيا فاسو الى مطار كوينى والذى يقع على بعد عشرة اميال غرب العاصمة دريانى وقفت الجماهير لتودعنا على طول الطريق وهم يهتفون باسم مصر ويرفعون أعلامها ويهتفون بحياة عبد الناصر.
وبعد أن عدت قدمت تقريرا مفصلا للرئيس السادات وبدأنا نعد العدة لتوثيق العلاقات الثنائية مع كل دولة من دول الحوض على حدة والعلاقات الأفريقية كلها فى شكل تحالف أفريقى على غرار الاتحاد الأوروبى وقد كان من رأى الرئيس السادات أن أواصل الدفع فى هذا الاتجاه حتى نضمن مستقبل أفضل لاولادنا وأحفادنا وقد كان رحمة الله عليه رجلا ذو احساس صادق. لكن القدر لم يمهله حتى ننتهى من مشروع الاتحاد الأفريقى , وجاء حسنى وتبخرت الاحلام الأفريقية وتجمدت الآمال لمدة ثلث قرن حاصرتنا فيه اسرائيل من كل الاتجاهات.
**** هذا جزء من كتابى القادم : تاريخ شهوده أموات
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|