مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 البرادعى وعصر الخداع

 

عصر الخداع

 

بقلم : غريب المنسى
........................


قرأت كتاب الدكتور البرادعى " عصر الخداع" وهو كشف حساب الرجل وعن لسانه لماحدث بالفعل على مسرح التسلح النووى على مستوى العالم فى فترة توليه رئاسة الوكالة الدولية للطاقة النووية وهى منظمة كما نعرف متفرعة من الأمم المتحدة وتقريرها عن الانتاج النووى الغير سلمى والسلمى لكل دول العالم يرسل مباشرة لمجلس الأمن ليتخد قرارات رادعة فى معظم الأحيان ضد دول العالم الثالث التى تتطلع الى القنبلة النووية كسلاح استيراتيجى رادع.

والدكتور البرادعى خلفيته العلمية والدبلوماسية وضعته على الطريق الصحيح وجعلته مؤهل ليتولى رئاسة هذه المنظمة المهمة من العام سبعة وتسعين لمدة ثلاث دورات متوالية كل دورة مدتها أربعة أعوام , وهذا المنصب مهم جدا لأنه يجعل من شاغله الحارس والأمين على أمن العالم المجنون بصراع التسلح النووى سواء كان معلوما أو سريا , وقد حاز الدكتور البرادعى هو ومنظمته على جائزة نوبل للمجهود الخارق الذى بذلته الوكالة وكل العاملين بها ورئيسها فى الحد من التسلح النووى المحموم .

جاء كلام الدكتور البرادعى عن حرب العراق والذرائع الأمريكية الغير صحيحة لغزو العراق متناسق تماما مع ماذكره هانز بليكس الرئيس السابق لوكالة الدولية للطاقة النووية وأستاذ البرادعى فى مجال مكافحة التسلح النووى فى مذكراته والتى صدرت فى العام ألفين وأربعة, والتى اتهم فيها بليكس الولايات المتحدة بأنها كانت مبيته النية لغزو العراق وأن عملية أسلحة الدمار الشامل كانت خدعة وذريعة لأساس لها من الصحة.

وحتى نفهم دور البرادعى والمسؤلية المهمة التى كانت ملقاة على عاتقه ودوره المهم فى محاولة استقلال الوكالة عن الدول الخمسة المهمة فى مجلس الأمن والتى لها حق الفيتو على أى قرار لايتماشى مع توجهاتها , وهى نفس الدول أيضا التى تدفع النصيب الأكبر من مرتبات ومصاريف الوكالة , لايمكن فصل لبرادعى عن الواقع السياسى العالمى المحيط به , على الرغم من أن دور الوكالة فى مجال الطاقة النووية السليمة والغير سلمية فنيا من الناحية الرسمية الا أن الواقع الفعلى يجعل من مديرها مسيسا لدرجة ما , لأن السيستم العالمى المحيط بالوكالة وعملها يدفعه لأن يكون سياسيا لأنه يتعامل مع مسؤولين من مئة وتسعة وتمانين دولة وهى الدول الموقعة على اتفاقية عدم انتشار النووى بالاضافة الى ثلاث دول غير موقعة على الاتفاقية وهم الهند وباكستان واسرائيل.

قبل أن تظهر اعترافات البرادعى كان الرجل غير مفهوم من كل الأطراف فالعرب اعتبروه صنيعة أمريكية والغربيين اعتبروه متعاطفا مع العرب والفرس !! وبالذات فى كل محاولاته للصبر على ايران والعمل معها على ايجاد حل مناسب لبرنامجها النووى السلمى لايتعارض مع برتوكول الوكالة وفى نفس الوقت يكون حلا مقبولا من الأمريكان والغرب عموما , وهو لذلك دخل فى صراع تصريحات علنى مع الولايات المتحدة حتى يدفع عن نفسه شبهة التبعية لها.

صراع البرادعى الكلامى مع الولايات المتحدة حدث ربما لأنه كان قد وصل لمرحلة القرف من سياسة أمريكا المتخبطة والغير عادلة مع العالم الثالث عموما !! حدث ذلك طبعا فى فترة ولايته الآخيرة بعد أن شبع من نعيم الحياة, ولاسيما أنه كان قد حاز على جائزة نوبل والتى أهلته وحصنته ودفعته لأن يكون متحدثا عالميا صريحا عن الانسانية سواء كان فى الوكالة أو خارجها وبالتالى خرج البرادعى من الصندوق ليقول بكل شجاعة: أمريكا تتعامل بوجهين يارجال.

ومع ذلك مازال البعض يرى أن اكتشاف البرادعى لأمريكا جاء متأخرا قليلا .. ولكن أفضل أن تعترف متأخرا على الا تعترف على الاطلاق!! ويمكن لهذا السبب أن أمريكا لم تسانده سياسيا فى مصر عندما ذهب مبارك وكان هو أكثر المؤهلين علميا وسياسيا ودبلوماسيا والمعروف على المسرح العالمى بين كل المؤهلين لقيادة مصر .

يمكن تقسيم فترة البرادعى فى وكالة الطاقة النووية الى ثلاث مراحل كل مرحلة مرتبطة بمراحله الثلاث فى الوكالة خطط الرجل لكل مرحلة بذكاء عربى بديهى , ففى الأربع سنوات الأولى كان البرادعى يتعلم ويدرس وظيفته ويدرس صلاحياته ويدرس وضع العالم حوله وعلاقة كل دولة على حده مع الوكالة , وفى الأربعة التوالى وهى المرحلة الثانية وهى مرحلة غزو أمريكا للعراق كان الرجل يبنى علاقات سياسية ودبلوماسية مع قادة العالم ليؤسس علاقة قائمة على الثقة المتبادلة بين الوكالة ورئيسها والعالم , وبالتالى يمكن القول أنه فى هذه المرحلة اهتم بأن يعمل اسم لنفسه على المسرح العالمى وقد نجح فعلا فى أن يكون هو فعلا الشاويش محمد الحازم الأمين على مخزن النووى العالمى , وسهره وكده هذا مادفع الولايات المتحدة لأن توافق على الامداد له للمرة الثالثة وحتى عندما ظهرت عليه أعراض المعارضة لسياساتها الخارجية عموما وفيما يتعلق بالنووى خصوصا. أما فى المرحلة الثالثة والأخيرة وبعد أن أمن نفسه من خلال عمله المتواصل والدؤب فى المرحلتين السابقتين بدا الرجل معارضا صريحا للسياسات الأمريكية حتى يضمن لنفسه سوقا سياسيا بعد الخروج على المعاش معتنقا نفس المثل العربى الذى يعتنقه معظمنا وهو : " كتر من الفضايح .. أنا سايبها ورايح !! ".

خطة البرادعى منذ أن دخل الوكالة وحتى خروجه منها بنوبل هى خطة عربية كلاسيكية , فالعربى عندما يذهب للغرب يكون فى أول فترة مطيعا مؤدبا نموذجيا ومثالى وبعد أن يؤمن لنفسه الاقامة والجنسية يخطط بجدية للخروج من حيز غسيل الأطباق لأن يكون طباخا على أن يكون صاحب مطعم فى فترة وجيزة ,وبعد أن يصل الى مرحلة صاحب مطعم ومستقر اقتصاديا , يطلق زوجته الغربية على أساس اختلاف فى الخلفية الاجتماعية ويذهب الى بلده ليتزوج عربية حتى تكون صورته الاجتماعية مكتملة, وحتى لاتكون زوجته الغربية هى الشاهد الوحيد على ماضيه المؤلم والمتواضع.

تأكد لى هذا المنطق فى تفكير البرادعى من خلال كتابه وكلامه هو , لأنه كان يمكن له أن يعترض على سياسة الولايات المتحدة بغزو العراق بالاستقالة وحتى ينفى عن نفسه شبهة التآمر أو العجز , ولكنه للأسف كان فى المرحلة الثانية من خطته ومن ولايته أيضا وبالتالى فان ضعفه الانسانى منعه من الاستقالة حتى لايذهب أدراج الرياح , فتخيل مثلا من منا كان سيتذكر البرادعى لو أنه استقال عند غزو العراق بالمقارنة بين وضع البرادعى الآن كحائز على جائزة نوبل ورئيس سابق لهيئة الطاقة النووية لمدة ثلاث دورات وهى أقصى مايسمح به قانون الأمم المتحدة.

ولكن .. تبقى قصة نجاح البرادعى قصة نجاح كلاسيكية جيدة لموظف أممى تسلق السلم من أسفله وحتى وصل الى أعلى منصب فى مجاله , أما أن تكون قصة نجاحه مرتبطه بأنه كان رجلا أيدلوجيا معارضا لسياسات الولايات المتحدة فهذا لعمرى أكبر ضحك على الدقون.


 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية