مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 خواطر حزينة

 

مبارك

بقلم : غريب المنسى
........................


كنا نتمنى أن تكون نهاية الرئيس مبارك نهاية مشرفة تتناسب مع خدمته الطويلة العسكرية والسياسية , وكنا نتمنى أن يقضى الرئيس مبارك شيخوخته بين أولاده وأحفاده مشاركا فى الحياة السياسية كمراقب يسدى نصائحه كمستشار ذو خبرة كما يفعل الرؤساء المتقاعدين بقوة القانون فى الولايات المتحدة والغرب, ولكن جاءت نهاية مبارك مختلفة تماما حتى عما توقعه هو لنفسه وجاءت نهاية حزينة . لقد قال القضاء كلمته ولاتعليق على أحكام القضاء بالطبع, ولاراد لقضاء الله بكل تأكيد. ولكن هناك الكثير من الدروس المستفادة من هذه التراجيديا الانسانية تعلو على كل غرائز الانتقام والتشفى والشماته.

بدا الرئيس مبارك عند سماعه الحكم بالمؤبد مذهولا فالرجل خدم بلده وحتى وقت قريب كان لايوجد هناك انسان يستطيع أن يشكك فى انتمائه الوطنى وحبه لبلده , ولكن وجدت المحكمة من خلال القرائن أنه قصر تقصيرا شديدا فى مهامه الوظيفية يستحق معها المؤبد وهو الشيخ المريض ,ومع ذلك يرى الثوار أنه لابد من أن يعدم فى ميدان عام , وبين حكم المحكمة ونزوة الثورة بون شاسع من المفاهيم الخاطئة التى مازلنا نتعاطاها حتى أدمناها , وتحولنا الى أمة سادية تعشق العذاب وتتلذذ فى التعذيب.

الواضح أن مفهوم الوطنية وتحديد معناها الدقيق هو سر خلاف الشعب المصرى مع رئيسه المهزوم , فالوطنية كلمة مطاطة واضح جدا أن مفهوم مبارك لها يختلف عن مفهوم شعبه لها, وبالتالى فأن أول درس مستفاد من هذه المأساة الانسانية هو أنه ينبغى علينا كأمة أن نحدد بدقة معنى المفاهيم والشعارات المطاطة التى تحمل وجهات نظر مختلفة , علما بأنها كلمات وشعارات واضحة للفطرة السليمة , ولكن والذى حدث فعلا أنه تم تشكيلها سياسيا لتخدم وجهة نظر القوى فى المعادلة السياسية. وتم تفريغ الكلمات من معناها وأصبحنا جميعا فى خلاف لغوى وفلسفى وانسانى حولها: فحب الوطن والحرية والعادلة الاجتماعية والكرامة أصبحت كلمات مطاطة يفسرها السياسى بطريقة ويفسرها الثورى بطريقة مختلفة تماما ويفسرها القاضى فى المحكمة بطريقة مختلفة عن السياسى والثورى وبالتالى دخلنا جميعا فى سفسطائية تحديد المفاهيم الدارجة ومعنى الكلمات التى نشأنا جميعا معتقدين أنها تحمل معنى واحد واكتشفنا بالتجربة أنها تحمل معانى مختلفة حسب موقفك وحسب موقعك وحسب نيتك وضميرك.

معظم الجرائم النفسية التى تتم فى محيط الأسرة تنشأ من هذه البديهية البسيطة , فمفهوم الحب لدى الأب والأم يختلف عن مفهومه لدى الأطفال , فبعض الآباء يرى أن القسوة بدافع الحب هى الطريق الوحيد لدفع الطفل للانجاز ,فى حين يختلف علماء النفس مع هذا التعريف وأصبحت كلمة الحب الأبوى العفوى والبديهى تحتمل وجهات نظر مختلفة يحتاج الأمر فى النهاية الى وقوف الأب والأم والأطفال أمام قاضى الأسرة ليوضح لهم بالقانون أن كلمة الحب على عواهنها لن تحل المشكلة , ولكن فهم كل الأطراف لهذه الكلمة مهم, واتفاقهم على هذا المفهوم هو بالتأكيد الأهم.

ومعظم الجرائم السياسية تتم بهذا السبب البسيط : فالرئيس مبارك من وجهة نظره قدم كل ماأملاه عليه ضميره خلال خدمته الوطنية الطويلة وكانت قسوته على شعبه لها مايبررها من وجهة نظره , فالاستقرار يحتاج الى قسوة وضبط وربط واهتم الرجل بالاستقرار وهذا شىء مهم ولكنه مع الوقت ترك فئران السفينة تنخر فى القاع حتى أصبح الاستقرار من ضمن الشعارات الكاذبة والمطاطة , فماذا سيتسفيد المواطن البسيط من الاستقرار المرتبط بالجوع وعدم وجود عدالة اجتماعية, ومرة أخرى وجدنا نفسنا جميعا مختلفين فى تحديد معنى الاستقرار .. فالاستقرار من وجهة نظر مبارك يختلف تماما عنه من وجهة نظر المواطن الذى كفر بالاستقرار,لأن الاستقرار فى مفهومه ارتبط بالغبن الاجتماعى .

وكلمة ثورة فى حد ذاتها كلمة مطاطة تختلف باختلاف موقع الثورى ونيته وضميره وحالته النفسية, فهناك ثورى يرى أن وظيفته كثورى تشبع كل طاقاته وغروره وغريزته فى حب الظهور والحضور, وهناك ثورى يرى أن اعتراضه على شىء معين لايعنى أن كل الأشياء تحتاج الى تغيير , وهناك ثورى وهذا هو أخطرهم وهو الذى يؤمن بأنها ثورة حتى النصر !! نصر على من ولصالح من؟؟!! .. كلها معانى موجودة فى بطن الشاعر , وأصبحت الثورة ولأننا اختلفا جميعا على تحديد معناها بدقة هى الكلمة المرادفة للتسيب والعطلة والرجوع الى الخلف والهروب الى أعلى ابتغاء رحمة الله.

لا أخفى مشاعرى عندما أقول أنها نهاية حزينة للرئيس مبارك وللشعب المصرى ولايوجد منتصر فى هذه النهاية الدرامية , ولكن اذا أردنا أن نستفيد من هذه التراجيديا التى هبت علينا مع الربيع العربى المشبوه فأن أول الدروس المستفادة هى أن نحدد أولوياتنا بدقة وأن نتفق علي معانيها ,وأن تكون نخبتا الوطنية على مستوى المسؤولية التى القيت على عاتقنا جميعا , فليس هناك محتكر للثورة والوطنية , والوطن فى وضعه الحالى لايحتاج الى مزايدات .

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية