ميركوزى
بقلم غريب المنسى
.......................
|
الاستاذة والتلميذ |
الشعوب الأوروبية كفرت بشعار القومية الأوروبية والتى تنادى به المستشارة الألمانية انجليا ميركل ونصه :"من البحر الأبيض الى المحيط الأطلنطى" أوروبا موحدة للسيطرة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على العالم !! , كما كفر العرب بشعار القومية العربية والذى نادى به جمال عبد الناصر. والسبب الرئيس لذلك الغضب الأوروبى سيطرة المانيا على منطقة اليورو وفرضها لشروط اصلاحية اقتصادية بالقوة على الدول الأوربية المتعثرة فى دفع ديونها ومنها ايطاليا واليونان تشبه الاحتلال الاقتصادى, فاليونان وايطاليا قريبا جدا وتحت ضغوط شعبية سيودعون منطقة اليورو ويعودون للدرخمة والليرة ففى عصرهم كانت الحياة أكثر لطفا وانشراحا.
نيكولا ساركوزي من المؤمنين بالقومية الأوروبية على حساب شعبه وكان هو الذراع الأيمن لميركل فى التسويق للخطط الاقتصادية الالمانية المجحفة فى حق دول أوروبا الفقير منها والمتعثر, فسياسات المانيا الاقتصادية ومطالبة أعضاء منطقة اليورو بالتقشف الشديد والذى يصل الى حد فرض وصايا اقتصادية ترجمها الشعب الأوروبى على أنها استعمار مقنع يهدف الى السيطرة على القرار الاقتصادى والسياسى لهذه الدول, وهذا هو سبب الغضب المباشر فى ايطاليا واليونان باعتبارهم من الدول الأوروبية التى تعانى من مشاكل اقتصادية أكثر حدة.
والشعب الفرنسى أيضا مضغوط اقتصاديا ومع ذلك كان سركوزى من المؤمنين بفكرة ميركل فى تطبيق نظم ائتمانية مجحفة على أوروبا بالكامل لدرجة أن وصفه الفرنسيون أنفسهم بأنه "مسيو ميركوزى" لأنه يسير خلف ميركل كالتلميذ , غير عابىء بالضغوط التى تواجه الشباب الأوروبى عموما والفرنسى تحديدا , فالبطالة وصلت الى أعلى معدلاتها بين الشباب ومستوى المعيشة انخفض الى حد فظيع ومع ذلك بدا للفرنسيون أن سراكوزى مؤمن بشعار قومى لايثمن ولايغنى من جوع على الأقل فى المدى المنظور, لذلك انتخبوا هولاند وهو بكل المقاييس رجل بلاخبرة وبلاحضور دولى ويعتبر أول رئيس فرنسى اشتراكى منذ العام 95.
مازالت ميركل مصممة على تنفيذ سياساتها الاقتصادية حيال أوروبا , فهى ترى أن هذه الاجراءات الاقتصادية العنيفة ستضع أوروبا على الطريق الصحيح للتعافى اقتصاديا وبالتالى ستدخل منطقة اليورو والمكونة من 17 دولة أوروبية الى حيز التفرد العالمى وستصبح قوة تضارع ان لم تتفوق على قوة الولايات المتحدة وهذا حلم المانى قديم بدأه أودلف هتلر وفشل, لكن الألمان مازالو مصممين على تنفيذ هذا الحلم بتوحيد أوروبا والقفز الى حيز التفرد بالقوة والمواجهة مع القوى العالمية ومن ضمنهم الولايات المتحدة.
الرئيس الفرنسى المنتخب هولاند رجل يبدو برجماتى من كل تصريحاته ومن خلال أراء معارفه عندما كان عمدة مدينة مغمور فى الشمال الفرنسى عندما كان متزوج من رئيسة الحزب الاشتراكى الفرنسى الأكثر شهرة ونفوذا منه ,والذى أنجب منها أربعة أولاد قبل أن ينفصل عنها ويتزوج من صحفية فى مجلة بيرى ماتش , فالرجل يرى أنه عندما تتعارض السياسات الاقتصادية مع مستوى معيشة المواطن ينبغى على الأوربيين ومنهم الفرنسيين أن لايؤمنوا بشعارات القومية البراقة, فكل شعب أوروبى له قومية خاصة به ولن يكون اليورو ومشاكله هى سبب تعاسة الشعب الفرنسى والأوروبى , ومن المنتظر أن يواجه ميركل برأيه هذا عندما يلتقيها لأول مرة فى خلال الأسابيع القادمة.
وكما نعرف جميعا أن فكرة القوميات لها ذراعين الذراع الأول هو الاقتصادى والسياسى والذراع الثانى هو الدينى , والشعوب دائما يمكن تخديرها بالدين عندما يخفق الذراع الاقتصادى والسياسى من اقناعها بالتضحية فى سبيل القومية, وكما تسلط علينا الأنظمة العربية رجال الدين فى الأوقات الحرجة لتمتص غضبنا وتهبط من عزيمتنا وتعمينا عن الطريق الصحيح , سيظهر على السطح البابا بندكت قريبا بعد طول صمت وترقب ليطمئن الشعوب الأوروبية وليحثهم على الصبر وتحمل الصعاب الاقتصادية من أجل قومية اليورو!! ولكن الفرق بين الشعوب العربية والأوروبية أن الأخيرة لاتؤمن بنصائح رجال الدين اطلاقا بجيوب خاوية.
سيجد البابا بندكت صعوبة بالغة فى اقناع الشعب اليونانى والايطالى وباقى شعوب أوروبا بضرورة الصبر وربط الأحزمة لأجل عيون القومية الأوروبية , ومن المتوقع أن تنهار فكرة الامبراطورية الرومانية الحديثة ليس بسبب ايدولوجى ولكن لسبب مفهوم جدا ومنطقى جدا الا وهو : لايمكن أن تقوم امبراطورية على بطون جائعة.