من المنصة الى الميدان مرورا بالخيال
| |
هيكل فى وضع الاستعداد للهجوم على مبارك ومن قبله السادات | |
بقلم : غريب المنسى
........................
"يقطع من هنا ويوصل من هناك" مات جلال عامر وترك لنا محمد حسنين هيكل , كان جلال عامر رحمه الله فليسوفا مباشرا خفيف الظل واضح المعالم يضع فكرته الساخرة المعجونة بالفلسفة أمامنا ويتركنا نفكر كل على طريقته وترك لنا من بعده محمد حسنين هيكل, الكاتب الشامت الذى لبس قميص المؤرخ لفترة عاشها معظمنا ومازلنا نتذكر أحداثها ومع ذلك تخونه الذاكرة دائما ونراه يبتعد عن الحقيقة ثم يقترب منها ثم يبتعد وأخيرا يزورها حتى يكون هو الوحيد الشاهد الأمين على العصر وكأننا حمير لانقرا ولانفهم ولانتذكر. لذلك نحن نضحك على طريقته فى اللف والدوران والصعود والهبوط .. ولكن شتان بين ضحك وضحك. ففى روايته الجديدة عن مبارك يبذل مجهودا كبيرا فى تعريف الماء بالماء, فكلنا يعرف أن مبارك كان شخصا فاسدا ولكن هيكل يتفنن فى وصف الفساد بدقة واضعا نفسه بصورة فجة داخل الحدث وكأنه كان محركا للأحداث وليس سامعا لها مثلى ومثلك.
مشكلة هيكل وهى مشكلة تجعل من كل رواياته وكتاباته محط شك هو أنه رجل يعانى من عقدة الأنا المتضخمة جدا وبالتالى لابد أن يكون هو فى منصف الحدث والا أصبح الحدث لاقيمة له على الاطلاق , والسبب الرئيسى لذلك المرض هو أن هيكل بدأ فى الكتابة فى عصر مغلق وكان هو الكاتب الوحيد المدلل فى هذا العصر فلم يجرؤ أحد على مناقشته فيما يقول , وعندما اختلف العصر وأصبح هيكل خارج دائرة الاحداث ,وأصبحت مصادر الأخبار متعددة مازال هيكل مريض بمرض "أنا هيكل وكل ماأقوله هو الصحيح " ومازال مصر على طريقته القديمة التى عفى عنها الزمن فى كتابة الأحداث ومعظمها مرتبط بالأنا المتضخمة عنذ ذلك العجوز البرجوازى.
وعلى الرغم من أن معظم شهود هيكل على أحداث قصصه من الأموات الا أنه يستعين ببعض الأحياء من حوارييه حتى يقنعنا بالمصداقية , فنراه يستعين بمصطفى الفقى وأسامة الباز عندما يريد تمرير خطأ تاريخى علما بأن شهوده الأحياء ليسوا بأى حال فوق مستوى الشبهات أيضا , فالفقى والباز لحم أكتافهم من خير مبارك بطريقة ما أو بأخرى وليس معنى أنهم لم يستفيدوا اقتصاديا من نظام مبارك أنهم كانوا مخلصين لذواتهم . فالفقى والباز من كبار المطبعين ومن عمالقة المنافقين ومن أأئمة الضحك على الذقون فى فترة تاريخية يمكن وصفها بأنها فترة قبيحة تركت لنا كل ماهو قبيح ودميم.
| |
هيكل البرجوازى فى مرحلة تحضير السكين لاغتيال خصومه السياسيين مع سيجار كوهيبيا محترم ثمنه حوالى 425 جنيه فقط | |
دائما يكون تأريخ هيكل بعد خراب مالطة , ونتساءل ويتساءل معنا نصف العقلاء أين كان هيكل عندما كانت مالطة فى طريقها للخراب؟ الاجابة تجدها عند هيكل ذاته : فهو اما راكبا طائرة فى رحلة أوروبية أو جالسا مع أحد اصدقاؤه من رؤساء الدول الأوربية أو فى عشاء عمل مع واحدا من كبار الناشرين اللذين يتهافتون عليه !! أو فى اجتماع مع مديرا لأحد أكبر أجهزة التجسس فى العالم ,وهذا هو سبب الانزعاج الدائم من هيكل الاروستقراطى الذى يكتب من برج عاجى لشعب مضطرب مشدود للأبهة والهيلمان الذى ينسجه هيكل حول نفسه وكأنه رجل كل العصور الذى شاهد كل شىء ولم يشارك فى أى شىء , فهيكل يكتب من أجل الأبهة والعظمة على طريقة نبلاء أوروبا فى بداية القرن التاسع عشر.
الفرق بين جلال عامر الفليسوف الساخر وهيكل الساخر أن الاول مات مستورا بينما هيكل مازال قادرا على صنع الملايين من كتاباته فهو الساخر الأشهر الذى يسخر منا والذى يكتب الأحداث بطريقة درامية مشوقة بغض النظر عن صحتها ومصداقيتها, فهو الاقرب الى الكاتب الدرامى منه الى التاريخى, فكتابة التاريخ لها شروطها ومن أهم شروطها هى التجرد والحيادية. وهيكل لم يكن يوما متجردا فهو كاتب نفعى يكتب دائما بعد انتهاء الحدث حتى يكون فى مأمن من عواقب مايكتب, حدث ذلك مع السادات ويحدث الآن مع مبارك. وهو بذلك يدين نفسه. لأنه كان وظل هو المستفيد الأكثر اقتصاديا هو وأولاده من ناصر والسادات ومبارك.
رحم الله جلال عامر .. ويرحمنا من هيكل.