الديموقراطية الموجهة والتنمية
| |
ايد على ايد | |
بقلم : غريب المنسى
........................
أنا من أشد المؤيدين لفكرة القيادة الجماعية فى دول العالم الثالث وبالذات مصر, فالقيادة الجماعية فضلا عن أنها تقوم على الشورى وتبادل الأراء ودراسة القرارات والتأنى فى اتخاذها على مستوى قمة الهرم السياسى الا أنها أيضا وسيلة جادة وفعالة ومضادة لعالم الاستقطاب الدولى , وهى الوصفة السحرية الوطنية المحلية لعلاج كل أمراض التنمية وسرطان التضخم وزيادة عدد السكان وماتحتاجه هذه المواجهة من تضافر فى الجهود بين الأجهزة والأفراد للخروج من عنق زجاجة الفقر المفرغ.
لأعرف على وجه الدقة لماذا نتمسك بالشكليات علما بأنها غير مجدية ولانعطى لنفسنا فرصة للتفكير الجاد واختراع حلا اجتماعيا يتناسب مع ظروفنا نحن , ونحن فقط .. فالأفراد مثل الدول وكل فرد وكل دولة لها ظروفها ومعطاياتها المختلفة , حتى المرضى بنفس الداء يختلفون فيما بينهم فى جرعة العلاج وهذا يتوقف على نتائج تحليل الدم لكل مريض على حده وعلى قوة عمل باقى أعضاء الجسم , وعلما بأننا فى القرن الواحد والعشرين ومحاطين بكل عناصر التكنولوجيا الحديثة وثورة الاتصالات ووصلنا لمرحلة متقدمة من العلم ,الا أننى من المؤيدين بدون خجل لفكرة ونظرية: "أن الحمار قد يكون وسيلة نقل فعالة بين نقطين أكثر من الصواريخ والطائرات" .
ان أخطر مرحلة فى علاج المريض هو تحديد نوع الداء , أما علاج الداء فليس دائما أفضل بالسفر على نفقة الدولة للعلاج فى أوروبا أو أمريكا , قد يكون علاج الداء متوفر فى البيئة المحلية عند رجب العطار. ومشاكلنا التنموية حلها موجود لدينا اذا ابتعدنا عن النظريات السياسية الجامدة الموجودة حاليا فى الأسواق والتى صممت لشعوب مختلفة عن شعوبنا وخلفية اجتماعية وثقافية ودينية مختلفة تماما.
المشكلة كما أراها اننا خائفين من تجربة شىء جديد يختلف عن القديم الذى عرفناه , وهى مشكلة ثقة فى الذات فى المقام الأول , فالتفكير خارج حدود المعتاد يحتاج الى قدر كبير من الذكاء والاخلاص فى الأداء ونحن فى ظروفنا الحالية اما نكون أو لانكون, وبالتالى ينبغى علينا أن نفكر بطريقة مختلفة عن الطريقة السابقة اذا كنا جادين فى الارتفاع لمستوى لحظة ثورة يناير والمضى قدما على نفس مستوى العزيمة والتطلع لمستقبل أفضل. فمشاكلنا داخلية فنحن ليس لدينا مشاكل مع العالم الخارجى وبالتالى ينبغى التفكير فى كيفية مواجهة مشاكلنا الداخلية بحلول داخلية يفهمها الجميع لأنها ستكون بنفس اللغة الدارجة .
مثلا : مازلنا متمسكين بأن يكون ممثلين الشعب بالقوائم اللى ماعرفش ايه !! ونحن نعلم مسبقا أنها انتخابات لن تأتى بالضرورة بأحسن الشخصيات الوطنية والتى ستعبر عن الناس ومشاكلهم قبل اصدار القوانين ولكنها انتخابات ستأتى بمجموعة من وجهاء المجتمع , ووجهاء المجتمع فى دول العالم الثالث - اجارك الله - ليس هم المعبرين بدقة عن الفقراء والمطحونين والمهمشين , وجهاء المجتمع فى العالم الثالث هى طبقة مرتبطة بالقاعدة الفقيرة ارتباط شكليا تفرضه الضرورة , وتتطلع دائما للارتباط بالطبقة البرجوازية وتجيد اللعب بالكلام والمواقف , وتدريجيا تتحول الى طبقة انتهازية.
هل فكرنا أن يكون ونظرا لظروفنا الداخلية أن يكون تعيين أعضاء مجلسى الشعب والشورى تعيينا يتناسب مع الكثافة السكانية للمناطق لشخصيات عادية يؤتمن عليها لأنها قادمة من وسط الناس وليس لديهم الامكانيات المادية الضرورية للدعاية الانتخابية , فالعملية بكل تجرد أن الفرق بين الأصوات المهمشة من الوطنيين المخلصين ووجهاء المجتمع هو فرق اقتصادى بحت. وقس على ذلك باقى مؤسسات الدولة , لابد أن نتخلى قليلا عن فكرة الديموقراطية المطلقة ونفكر فى نظرية الديموقراطية الموجهة وهى خليط من الديموقراطية والديكتاتورية والشورى فى اتخاذ القرارات الجادة والتى ستدفع الناس الى طريق محدد مسبقا لدفع عملية التنمية .
النقطة الرئيسية هنا أن السوق السياسى فى مصر غير مستقر, فكل المعروض تقريبا بضاعة سياسية مغشوشة, وكل المناظرات كلها مناظرات مضروبة عقيمة بين فصائل سياسية ودينية يمكن وصفها بكل اطمئنان أنها مناظرات سياسية بين الغبى والأغبى .
*****
بنظرة سريعة لكل المرشحين للمنصب الرئاسى فى مصر بكل صراحة لم ينجح أحد!! لأن برامجهم الانتخابية ينقصها الوضوح والدقة , ومازالوا يلعبون على قديمه فهم متخيلون أن الجيش سيعود الى الثكنات ويقومون هم بالنيابة عن الشعب فى رسم السياسات الداخلية والخارجية وتحقيق رخاء للشعب غير مسبوق وهذا طبعا كلام انتخابات ينقصه المصداقية لأن عملية التغيير وبالذات التنموية عملية شاقة وصعبة ومع ذلك تحس أنهم يسعون للمنصب وفخامته وليس للمسؤولية وسهر الليالى والأرق المرتبط بمنصب رئيس مفروض أنه رئيس دولة نامية فقيرة.
اذن مالحل؟
كما عودتكم دائما أننى أتعرض للمشكلة والحل وهذا واجب يفرضه علينا جدية المشاركة والانتماء, والحل من وجهة نظرى بسيط جدا ويتناسب مع ظروفنا الحالية وهو أن يحدد المجلس العسكرى قبل أن يعود للثكنات ايقاع الموسيقى السياسية كالتالى:
أن يحدد المجلس العسكرى مشاكل مصر التنموية بكل دقة ووضوح وأن يضع أهداف محددة للنمو الاقتصادى شاملا السياسات التعليمية والصحية فى خمس سنوات , وأن يضعها فى مناقصة سياسية أمام كل القوى السياسية والأفراد ومن لديه القدرة على تنفيذ هذا العطاء السياسى أن يتقدم بفريقه موضحا للشعب كيف سينقلنا من هنا الى هناك, وفى هذه الحالة لن تكون هناك أى فرصة للمزايدة السياسية , فالمياه دائما تكذب الغطاس.
ان الديموقراطية الموجهة هى الحل الأمثل لظروفنا تماما , فزيادة نسبة الفقر وعدم الفهم السياسى لدى القاعدة العريضة من الناس يدفعهم الى عدم الثقة فى العملية السياسية من المنبع والامتناع عنها , ولن تكون هناك تنمية حقيقية بدون مشاركة الناس الفعلية فى هذه العملية المجتمعية التى تبدأ من أسفل الهرم الى قمته وعليه فتدخل الدولة فى تسهيل هذه الأعباء الفكرية عن المواطن البسيط المهمل والصامت هو واجب تفرضه طبيعة المرحلة الحالية, فالدولة فى مرحلة تحول و تحتاج الى فريق من الحكماء ودورهم يتلخص فى تعبيد الطرق الشاقة الرئيسية أمام الأغلبية الصامته ,والتى بدونها لن يكون هناك حركة بين النقطة ألف والنقطة ب.
ان التنمية هى بالأساس عملية اقناع باسلوب بسيط مع الترغيب , وتحتاج الى وسائل سمعية وبصرية وسيكولوجية وقبل كل ذلك تحتاج الى الثقة فى المعلم ذاته.
طابت أوقاتكم ..