القبقاب والجلباب .. وعصر النهضة
| |
القبقاب | |
بقلم : غريب المنسى
........................
مصر دولة اسلامية عربية أفريقية جغرافيا وتاريخيا وعلى أرض الواقع , فلاداعى أبدا للتنازع على تأكيد هوية الدولة فى هذه المرحلة الحاسمة بخروج مظاهرات مليونية سلفية. ففى الجمعة الاخيرة قبل شهر رمضان الكريم تجمع ملايين السلفيين فى ميدان التحرير فى القاهرة فى أكبر تجمع لهم على مدى تاريخ مصر الحديث , وأنا لا اتذكر أنهم خرجوا بهذا العدد من قبل فى أى عصر سابق , سواء كان عصر فاروق أو عبد الناصر أو السادات أو مبارك. وخروج السلفيين بهذه الأعداد الغفيرة أصاب بعض مدعى الديموقراطية بالاسهال وعسر الهضم والخوف والقلق لأسباب قد تبدو مفهومة ولكنها غير واقعية.
والسبب الأساسى لعدم خروج السلفيين بهذه الأعداد الضخمة فى الفترة مابين الثورة الأولى والثانية هو أنهم بكل بساطة لم يكن مسموح لهم بالعمل فوق الأرض . وتحت الأرض وهو المكان الذى كان مفروضا عليهم بالقوة فى العصور السابقة تكونت أكبر شبكة غير معترف بها من الدولة للعلاقات الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفى أنفاق دقيقة يتم تهريب الأموال اليهم من السعودية وبعض الدول الاسلامية التى يهمها أن تكون مصر مسلمة شكلا لاموضوعا , وأن تكون مصر دولة متدروشة تعيش فى عصور ماضية متخلفة عن ركب الحاضر والمستقبل.
نحن سعداء بخروج السلفيين وغيرهم من أبناء الوطن الى النور , فالديموقراطية الحقيقية فيها متسع لكل الأطياف وكل الاتجاهات سواء كانت دينية أو أيدولوجية شريطة أن يحترم الجميع القانون الذى هو فى الواقع حماية لكل الأطراف بما فيهم الدولة ذاتها. والقانون الذى نرضاه فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر لن نخترعه وهو قانون موجود فعلا ومتداول فى كل الدول التى سبقتنا على درب الديموقراطية وتعدد الاتجاهات.
يبدو للمراقب أن هناك محاولات شريرة تتم فى الخفاء لدعم كل الاتجاهات فى مصر فى نفس الوقت وبنفس القدر حتى يتم التصارع بين مختلف القوى الحية والهدف من ذلك هو عرقلة الشعب عن المضى قدما فى طريق التقدم , وهى محاولات مكررة ومملة ومع ذلك يبدو أنها مازالت هى الأكثر تاثيرا فى اثارة القلاقل والحساسيات والخلافات والعجز عن قراءة الواقع قراءة صحيحة.
يصب المال الأمريكى والسعودى بالتوازى فى حسابات بعض القوى المحركة للمجتمع , فهل تقبل الولايات المتحدة والسعودية أن تقوم دول أخرى بتمويل قوى داخل المجتمع الأمريكى والسعودى للمناداة بأى حق لاينص عليه الدستور الأمريكى أو السعودى ؟!! الولايات المتحدة تجرم أى تمويل خارجى لأى فصيل داخل الولايات المتحدة وللعلم يوجد داخل الولايات المتحدة الكثير , بل الكثير جدا من الفصائل المتضادة والتى تتعايش مع بعضها البعض بقوة القانون , وأنه بدون القانون الصارم فى الولايات المتحدة لصارت الولايات المتحدة من أكبر مناطق الصراعات العرقية والمذهبية والأيدولوجية فى العالم. ومعلوماتنا عن السعودية أيضا أنها دولة لاتسمح بأى شىء لايصب فى خدمة الأسرة الحاكمة ودستورها , لذلك ينبغى علينا أن نحذر التمويل الخارجى لأنه سبب كل بلاء. فلا أمريكا ستصدر لنا الديموقراطية ولا السعودية ستساعدنا على فهم ديننا !!! ولكن الاثنين معا من الممكن جدا أن يدمرونا !!
مصر فى وضعها الحالى دولة حائرة .. فهى دولة اسلامية بحكم الواقع والجغرافيا والتاريخ ولا خلاف على ذلك ومع ذلك يريد بعض مسلميها تحويلها الى امارة اسلامية بدون مبرر منطقى , ويرى معظم مفكريها فى الجانب الآخر أن نكتفى بهذا القدر من اسلامية الدولة وأن نتفرغ لمواجهة مشاكلنا الداخلية وهى كثيرة لمواكبة عصر النهضة وحتى نركب قطار التقدم والرفاهية, والخلاف بين وجهتى النظر هو خلاف فلسفى تاريخى عقائدى معقد ويحتاج لسنوات طويلة من النقاش , وحتى بعد هذه السنوات الطويلة لن يحسم , فالله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين فى كل شىء لحكمة يعلمها سبحانه.ومن الأفضل لنا أن نتفق على الأساسيات ونتعاون فى بناء مجتمع وسطى يجمع كل الوان الطيف بهرمونية وبساطة. فنحن ان لم نتفق فيما بيننا بالحسنى فسيكون ذلك مبررا كافيا للعودة للدولة البوليسية .
نحن سعداء بخروج كل الاتجاهات الدينية والسياسية والايدولوجية الى النور والعمل فى وضح النهار شريطة أمرين , الأول أن يكون العمل لوجه الله والوطن وليس مدفوع الأجر من أى جهة خارجية ,والثانى أن تكون نقاط الالتقاء أكثر وضوحا من نقاط الخلاف وأن نؤمن فيما بيننا بالمساواة بين الجميع وحق الجميع فى العيش بالطريقة التى يرضونها , فهذا الوطن لابد أن يشمل الجميع تحت راية القانون الذى هو حماية لنا جميعا. ونكرر أيضا نحن لن نكون سعداء بعودة الدولة البوليسية مرة أخرى لتطارد السلفيين حتى تكتم أنفاسهم وتدفعهم للعمل السرى, فهم جزء مهم من نسيج الوطن مثلهم تماما مثل باقى فصائل المجتمع الذى ينبغى أن يعمل فى النور وفى وضح النهار.
وكل عام وانتم بخير بمناسبة شهر رمضان .