مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 دستور عبد المأمور

بقلم : غريب المنسى
..........................

الدستور الأمريكى بكل بساطة دستور عبقرى كتبه مجموعة من العباقرة المتجردين من الضغوط السياسية والشح الفكرى والاجتماعى والأخلاقى , والآن بعد مرور مايقرب على مائتين وخمسين عاما على كتابته مازال هذا الدستور الوضعى وثيقة مهمة ومنفتحة ومتجددة وتساير المتغيرات المستمرة فى المجتمع بكل سهولة ويسر . وسر نجاح الدستور الأمريكى هو أنه مفتوح النهايات قابل للتغيير طبقا لسرعة تغير الظروف الاجتماعية المحيطة. والمتابع للأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى المجتمع الأمريكى يلفت نظره أمرين مهمين جدا فى هذه الوثيقة الاجتماعية الدستورية, الامر الأول ان الدستور فصل فصلا واضحا بين السلطات ولم يكتب خصيصا لرئيس معين أو مجلس شيوخ محدد , فلقد كتب لكرسى الرئيس وكراسى مجلس الشيوخ وباقى كراسى السلطات الأخرى بغض النظر عمن سيشغل هذه الكراسى منذ كتابته وحتى قيام الساعة. وهنا أيضا ينبغى أن نذكر أن هذا الدستور ليس جامدا فهو مرن ويحتمل النقاش طبقا للمواقف , ولهذا يلجأ الناس دائما الى المحكمة الدستورية العليا التى تحاول أن تزيد من مرونة الدستور - وليس تعديله – بزيادة شرحه بما تقتضيه الحاجة المجتمعية والاقتصادية والسياسية. والأمر الثانى هو أن الدستور الأمريكى اشترط شرطا مهما قد يبدو غريبا علينا , فهو يشترط على أن من حقوق المواطن الأساسية أن يكون سعيدا , وأن يسعى المواطن بمساعدة الدولة فى الوصول الى مرحلة السعادة.

والسعادة كما التعاسة نسبية, ولكن مفهوم الدستور الأمريكى للسعادة محدد وصريح ويعنى أن السعادة فى مفهومها العام تتحقق عندما تكون هناك حريات للمواطن واختيارات متعددة أمامه , ولابد أن تكون قدرة هذا المواطن على تحقيق مايتمناه مكفولة , طالما أنه بذل المجهود المطلوب لانجاز مايتمناه.

من الواضح أن الأباء المؤسسين للدستور الأمريكى كانوا مجموعة من البشر العاقل ولهم خبرة انسانية عميقة جدا ومتفهمين جدا لطبيعة نفس المواطن البسيط وطموحاته واحلامه وواجباته وهدفه من رسالة الحياة. بلاعقد وبلا ألقاب وبلا ضجة وفشخرة أتحف هذا الفريق المؤسس للدستور الامريكى البشرية بوثيقة انسانية قانونية سياسية مرنة وسهلة ومعبرة عن نفسية المواطن البسيط.

ترى هل كتبوا هذا الدستور تحت تأثير الرئيس أو المجلس العسكرى؟ ام تحت التأثر بفكر سياسى اجتماعى محدد؟ أم كتبوه مرتدين عباءة دينية مموهة ؟ أم أنهم كتبوه فى حالة صفاء مع النفس متجردين من الصغائر وناظرين للمستقبل بكل أمل وبشرى؟ الاجابة الأخيرة هى انطباعى عن هؤلاء الأباء المؤسسين .

فى بلادنا .. يكتب الدستور مجموعة من رجال القانون يطلق عليهم مجازا – فقهاء دستوريين – لانعرف على وجه الدقة من منحهم هذا اللقب العظيم ؟!! ولانعرف لأننا لم نرى دستورا عربيا انسانيا بعد ماهو على وجه الدقة هذا الدستور الذى تفقهوا فيه؟ نقول يكتب الدستور فى بلادنا مجموعة من رجال القانون فقط ليس بالمشاركة مع مجموعة من رجال العلوم الانسانية أو العلوم النفسية أو الاقتصاد أو السياسية , فيأتى الدستور على ايديهم اقرب الى عريضة اتهام وتوجيه وأوامر جامدة ليس بها حياة ولاتخدم الهدف الرئيسى من هذا العقد الاجتماعى الخطير والمؤثر على حياة الناس حاليا ومستقبلا. لذلك فنحن أكثر الأمم التى تغير الدستور على فترات كثيرة, و يتوقف هذا التغييرعلى طول مدة جلوس عبد الجبار على الكرسى .

وهذا بطبيعة الحال يدفعنا الى سؤال مهم : من هو المؤهل لكتابة الدستور فى بلادنا؟ ولكن دعونى أولا أذكركم ونفسى بالهدف أساسا من كتابة الدستور فى بلاد عنترة قبل الاجابة على هذا السؤال.

الهدف من كتابة دستور انسانى فى بلادنا بسيط جدا وهو أن المواطن العربى منذ أن يولد الى أن يتوفاه الله لابد أن يضمن حقوق بسيطة جدا ولكنها مهمة , هذه الحقوق والضمانات لابد أن يكون منها الحصول على وسيلة للرزق تضمن له الحد الأدنى من مواجهة متطلبات الحياة , فلا يلجأ للسلف فى آخر الشهر وأن تكون لديه الوسيلة للحصول على كمية بروتين تتناسب مع عدد أفراد اسرته كلما أراد ذلك , وأن تكون لدى المواطن القدرة على تستير بناته بدون الدخول فى جمعيات , وأن يكون لديه بالطبع سكن آدمى !!

لتحقيق هذه الأهداف البسيطة لابد من دستور مرن جدا يكون هدفه تحقيق هذه الأهداف البسيطة الممتنعة والتى لن تتحق الا بالفصل التام بين السلطات وتحديد مدة جلوس عبد الجبار على الكرسى واستقلال القضاء التام الذى سيحمى مكاسب هذا المواطن البسيط من أنياب حيتان المجتمع وسماسرته , وان تكون هناك صحافة شريفة لمراقبة أداء السلطات ,وأن يكون هناك اهتمام بحقوق الانسان فلا ضرب ولابهدلة ولا اهانة للمواطن الذى هو عضو أصيل فى منظومة مجتمعية تشمل الوزير والغفير.

نعود للسؤال مرة أخرى : من هو المؤهل لكتابة الدستور فى بلادنا؟ والاجابة بكل بساطة هى أن يكتب الدستور خليط من الموظفين وأصحاب المعاشات والحرفيين والأرامل والفقراء وأصحاب الحاجات الخاصة .. على أن تحول الوثيقة النهائية لما توصل اليه هؤلاء المواطنين الى أى فقيه دستورى ليكتبها بلغة قانونية سليمة.

هل من الضروى أن يضمن الدستور فى بلادنا السعادة للمواطن؟

الاجابة هنا تتوقف على عنوان المواطن على الخريطة فى بلادنا ففى لبنان مثلا لابد أن يضمن الدستور للمواطن قنينة عرق على الأقل اسبوعيا أما فى مصر فلابد أن يضمن الدستور للمواطن قرشين حشيش نضيف على الأقل مرتين شهريا .



 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية