استيراتيجة الدفاع عن مبارك
| |
مبارك | |
بقلم : غريب المنسى
........................
اتصل الرئيس المخلوع محمد حسنى السيد مبارك ببعض مشاهير المحامين لتوكيل بعضهم فى الدفاع عنه فى التهم الجنائية الموجهة اليه من النيابة العامة والتى تتهمه صراحة بالتربح من منصبه كرئيس لجمهورية مصر العربية وتكوين ثروات ضخمة هو وزوجته وولديه علاء وجمال. وهى اتهامات فضلا عن انها جنائية ولها عقوبات منصوص عليها فى القانون الجنائى الا أنها جرائم أدبية فى المقام الأول لطبيعة وظيفة الشخص الموجهة اليه الاتهامات بصفته رئيس دولة محترمة وليس تاجرا.
واعتذر بعض المحامين عن تمثيل الرئيس السابق لأسباب مختلفة , ويبدوا أن السبب الرئيسى هو الخوف من اغضاب جموع الشعب بالدفاع عن شخصية مكروهة جماهيريا , وهذا سبب مفهوم فى خضم ارتفاع درجة حرارة الثورة التى أطاحت بالنظام السابق, ولكن يظل الرئيس المصرى المخلوع مواطنا أولا له كل الحقوق فى الدفاع عن نفسه وتقديم المستندات الضرورية التى تثبت برائته عملا بالمبدأ القانونى : المتهم برىء حتى تثبت ادانته.
وعملية الدفاع عن مبارك وعائلته وأصدقاؤه وحلفاؤه ووزراؤه تبدوا عملية معقدة من الناحية العملية وتحتاج بالاضافة الى مجموعة محامين على درجة عالية من الثقافة والعلم والخبرة الحياتية الى مجموعة من كتاب القصة والسيناريو للقصص البوليسية الاجتماعية حتى يرسموا صورة درامية انسانية لهيئة المحكمة وليثبتوا للقضاة وللرأى العام أن المتهم الرئيسى فى هذه القضية كان ضحية وليس جانى , وبالتالى يضمنوا تعاطف الرأى العام مع المتهم الأول وهذا هو الهدف المطلوب من هيئة الدفاع. فالقضية قضية رأى عام أولا , ولو تركزالدفاع عن المتهم الأول من منطلق انسانى بكل ماتحتويه النفس الانسانية من ضعف وقوة وتخبط لربما نجح الدفاع فى كسب الرأى العام وبالتالى ينجو المتهم من لعنة التاريخ.
لست محاميا حتى أستطيع أن أعطى نصائح قانونية فى هذا الشأن ولكنى أستطيع أن أرسم سيناريو يساعد أى فريق من المحامين ليبنوا عليه استيراتيجية للدفاع عن الرئيس المصرى المخلوع , فالشعب المصرى عاطفى ولو اهتم فريق الدفاع بالتركيز على الجانب الانسانى فى مأساة الرئيس مبارك , لربما تعاطف الشعب معه وتحول مبارك من مجرد ديكتاتور مخلوع الى رجل مغلوب . فاستخدام عواطف ومشاعر القضاة والمحلفين والرأى العام مهم جدا فى هكذا قضايا وتوظيف هذه العواطف والمشاعر فى خدمة مصلحة المتهم الأول هو سر نجاح استيراتيجية الدفاع وبمعنى أدق : مهمة فريق المحامين أن يعرضوا قصة المتهم الى القضاة بطريقة ماذا كنت تفعل لو كنت مكانه؟ والأهم : ماذا تفعل لو كنت مكانه وتحت تلك الظروف؟ وفى محاكم الرأى العام من المهم جدا أن يقنع المحامى القاضى بالظروف والعوامل الدفينة المختبئة عن الأنظار والتى دفعت المتهم الى ارتكاب جريمة بعينها , وعندما ينجح المحامى فى توضيح غموض الدوافع يبدأ الأمر فى الوضوح أمام القضاة والرأى العام ويبدأ فى اكتساب التعاطف لموكله.
من ضمن الاستيراتيجيات العالمية المتبعة فى الدفاع القانونى فى الجرائم المعقدة هو اعلان هيئة الدفاع أن المتهم كان مجنونا وغير راشد وقت ارتكابه الجريمة , وطبعا هذا ليس مقبولا فى حالة مبارك لأن المجرم هنا لم يرتكب جريمة واحدة فى لحظة طيش , ولكن المتهم هنا ارتكب جرائم متكررة فى فترة زمنية تصل الى ثلاثين عاما وبالتالى فأن الدفع بأنه كان مجنونا أو مختل عقليا لن يكون فى صالح المتهم بل ربما يورطه أكثر .
الاستيراتيجية الثانية والتى قد تكون مقبولة من الرأى العام وربما تضمن التعاطف مع المتهم تسمى "استيراتيجية التضحية والضعف" وهدفها هو تصوير المتهم كأنه انسان عادى مثلنا تعرض لضغوط معينة ونتيجة لعوامل كثيرة خارجة عن ارادته استمر فى جريمته , ليس لأنه يرغب فى الجريمة ولكنه كان مضطرا للاستمرار فيها نتيجة الضغوط المفروضة عليه وحتى لايتاثر مركزه الاجتماعى . فمثلا : فى حالة مبارك يمكن الدفع بأن الرجل بلغ من الكبر عتيا وأن زوجته المتسلطة استغلت ظروفه العمرية والمرضية فى السيطرة عليه وعلى قراراته بمساعدة الأبناء الراغبين فى السلطة والثراء, ونظرا لطبيعة عمل المتهم الدولية والاجتماعية فهو لم يكن يقدر على البوح علنيا بالضغوط المفروضة عليه فى المنزل من سيدة المنزل , وهنا سيتعاطف كثير من المصريين مع الرجل فالمعروف عن المرأة المصرية هو التسلط والضغط على الزوج وبالذات فى الكبر. وهنا سيظهر مبارك للرأى العام أنه الرئيس الزوج المغلوب على أمره تحت تأثير زوجته ونجله الأصغر المتعطش للسلطة والجاه. وهى قصة انسانية كلاسيكية يتفهمها البائع المتجول فى الشارع بنفس درجة استقبال استاذ الجامعة. فالواقع هنا أن المتهم كان فى وضع أسرى حرج ونظرا لظروفه ووضعه الدولى والاجتماعى كان لايستطيع الجهر بتسلط زوجته عليه وعلى قراراته التى اثرت بالتالى على الشعب المصرى .
قد يقول قائل لايصح أن يعلن الرئيس المخلوع عن أسراره العائلية وغير مقبول أن يعترف الرجل بتسلط زوجته ولكن الضرورات تبيح المحظورات فالرئيس فقط هو الذى سيتذكره التاريخ وبالتالى فلامانع أبدا امام الرئيس من القاء زوجته تحت عجلات البقاء , فكما القى النظام بمعظم أقطابه تحت عجلات عربة الثورة وضحى بهم من أجل البقاء , فلامانع أبدا من القاء الزوجة من شباك سيارة الثورة حتى يستريح ويريح.
الاستيراتيجية الثالثة هى الا يستعين مبارك بمحامين على الاطلاق وأن يدافع هو عن نفسه ويشرح للمحكمة والراى العام ماذا حدث بالضبط فى فترة حكمه واين ذهبت اموال مصر ؟ ولماذا كان يريد توريث ابنه ؟ ومادور زوجته فى كل هذه السياسات ؟