الزيارة ... على هامش تفجيرات الاسكندرية
| |
حسنى مبارك | |
بقلم : غريب المنسى
.......................
سواء كانت الهجمة الجبانة على كنيسة القديسين فى الأسكندرية فى ليلة العام الميلادى الجديد والتى أصابت عموم المصريين بالحزن الشديد والصدمة من الموساد أو من تنظيم القاعدة فالسؤال المهم الآن : هل ستكون هذه هى الزيارة الأولى والأخيرة أم سيعقبها زيارات أخرى ؟
الذى يملك اجابة على هذا التساؤل هو الرئيس المصرى حسنى مبارك .
واضح جدا أن الجماعة فى "تل أبيب" و" تورا بورا" زعلانين من سيادته حبتين ولذلك أرسلوا له رسالة , فزعماء القاعدة وعقولها الاستيراتيجية مصريين ومن المؤكد أن الوضع فى مصر أثار حفيظتهم فقرروا أن يرسلوا له رسالة تحذيرية وعلى ضوء رد فعله سيتحدد بالضبط عدد الزيارات المقبلة التى نرجوا من قلوبنا الا تتكرر.
مالذى أغضب جماعة تورا بورا؟
أولا : الاعتقالات المستمرة فى صفوف الاخوان المسلمين والتهكم المستمر عليهم وتصغيرهم ونعتهم بالجماعة المحظورة على لسان المرتزق أحمد عز الرجل الذى أصبح قويا من حيث لايحتسب علما بأنهم عنصر فاعل فى المجتمع ولايمكن تجاهلهم .
ثانيا : تهميش القوى السياسية فى الانتخابات البرلمانية , والاستئثار والانفراد بالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية والعسكرية وتهيئة الوضع للتوريث السهل والمريح.
ثالثا : الاعتماد على الآلة الأمنية كوسيلة فعالة للسيطرة على الشعب وكتم أنفاسه بغض النظر عما اذا كانت هذه الوسيلة مناسبة للأوضاع الاقتصادية المتردية لعموم المصريين.
رابعا : الخطأ الجسيم الذى ارتكبه الأنبا بيشوى وتعديه الواضح على المسلمين ومعتقداتهم, فى بلد مسلم بنص الدستور , وعدم وجود رد حاسم ومقنع من القيادة السياسية على هكذا تجاوزات.
خامسا : ايمان الرئيس مبارك المطلق بأن أوراق الاستقرار فى يد الولايات المتحدة واسرائيل , غير عابىء بأطراف أخرى لاعبة أساسية فى عملية الاستقرار ليس فى مصر فقط بل فى العالم.
سادسا : قد تكون مشكلة وفاء قسطنطين وكاميليا شحاته من ضمن أسباب الشحن أيضا.
وما الذى أغضب تل أبيب؟
أولا: الجرسة الغير متوقعة عندما تم ضبط خلية تجسسية فى مصر مؤخرا وهى ليست الخلية الأولى التى تم ضبطها منذ توقيع اتفاق السلام ولكن الجرسة كانت هذه المرة مؤثرة على اسرائيل لأنها فى محنة دولية بسبب التجسس وبالذات فى عملية اغتيال المبحوح ,وكانت اسرائيل تتوقع من الطرف المصرى تفهم المحنة والتعامل مع موضوع الخلية بهدوء.
ثانيا : محاولة النظام المصرى البعد عن الملف الاسرائيلى الفلسطينى تدريجيا, ووجود مصر فى الصورة كان يعطى اسرائيل شرعية شكلية فى أنها تسعى للسلام .
ثالثا : غيرة اسرائيل من النظام المصرى , فعلى الرغم من أنه نظام ديكتاتورى فهو مستقر نسبيا , علما بأنها دولة ديموقراطية وليست مستقرة وبالتالى فالغيرة تدفعها لاثارة مشاكل داخلية لمصر لشغلها عن مشاكلها الأساسية فى التنمية ومواجهة الأزمات الداخلية والخارجية وبالذات مشكلة المياه القادمة.
اذن مالعمل؟
أعلن الرئيس مبارك بعد الحادث مباشرة أنه سيقطع رأس الأفعى ونحن نصدقه ونشجعه على قطع رأس الأفعى بل وسلخها أيضا ولكن هناك تطورات حدثت على الساحة الدولية منذ تسعينات القرن الماضى وقطع رأس الأفعى لن يكون أمنيا فقط, فلقد فشلت الولايات المتحدة فى ذلك فشلا ذريعا , والحل المثالى هو ضرورة اجراء تغييرات جوهرية داخلية تقنع المصريين وتعطيهم الأمل فى مستقبل أكثر اشراقا وتجعلهم يلتفون حوله فهم حائط السد المنيع أمام أى اختراقات خارجية.
لابد من القيام بعملية تنسيق بين السياسيين والأكاديميين والمثقفين والمفكرين والقانونيين وكل التيارات الوطنية التى ستشكل التصور العام لما سيكون عليه حال الوطن فى الفترة المقبلة, فالاتجاه العام السائد بين رموز المجتمع المخلصين هو تحويل الوطن الى بوتقه لكل الديانات ولكل التيارات السياسية والفكرية والاجتماعية تحت مظلة القانون , فالوطن ممكن أن يكون خليطا من كل المدارس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عندما يكون هناك قواعد قانونية ثابته منظمة لحركة جميع التيارات , فالرأسمالية جيدة شريطة أن يكون هناك حماية للناس من شراهتها وهذه الحماية لن تأتى الا بالأخذ ببعض من مزايا الاشتراكية , والدولة المدنية أيضا جيدة شريطة أن تكون حرية الأديان مكفولة للشعب بقوة القانون فالأديان ضرورية فى أى نهضة حقيقية لأنها بمثابة البعد الوجدانى المطلوب للايمان بحق الوجود. فالدين عنصر أساسى فى النهضة شريطة عدم استخدامه للتميز والمفاضلة والحكم الغيبى على طبائع الأشياء والأمور والأفراد.
يملك الوطن مخزون حضارى عظيم بالاضافة الى مخزون طليعى من الخبراء فى كل المجالات , هؤلاء الخبراء لهم مساهمات عالمية فى مجالاتهم ومعظمهم ان لم يكن كلهم حصلوا على تعليمهم المتقدم من جامعات الغرب ومعظمهم مارس حياته العملية فى الغرب وبعضهم حاصل على شهادات تكريم دولية وهذا معناه أن الوطن قادر على ملاحقة التطورات فى العالم الخارجى والانصهار فى منظومة الوطن العالمى بكل سهولة ويسر .. ولكن المشكلة كانت دائما تكمن فى رأس الحكم , فعندما يريد الحاكم أن يبقى الى مالانهاية فى سدة الحكم فهذا المخزون الطليعى من الخبرات المتراكمة يصير عدوه الطبيعى , ولابد له من التخلص منه بالاهمال المتعمد فلاقيمة لهذا المخزون فى نظره, هذه العقليات الجبارة مؤمنة بدولة القانون ومؤمنة بتداول المواقع والسلطة ومؤمنة بالنزاهة الفكرية وحرية التعبير والنقاش ولاتجد خجلا فى مواجهة المشاكل بكل موضوعية ومحاولة حلها بالأسلوب العلمى والمنطقى والذى يتناسب مع طبيعة المجتمع, هؤلاء الناس يدركون تمام الادارك أن وطنهم مصنف اقتصاديا وسياسيا بأنه عالم ثالث, ويعرفون معنى البيروقراطية السياسية والاقتصادية وقصور التعليم والخبرة العملية فى العالم الثالث, ومع ذلك لديهم الثقة والأمل والحب للمشاركة فى تحويل الوطن الى وطن عالم ثالث مريح قابل للانتقال الى العالم الثانى فى الوقت المنظور, على أن تأتى الأجيال القادمة لتنقيح أفكارهم وتصوارتهم وتبدأ من حيث ماانتهوا هم اليه, ومن الجائز جدا تحويل الوطن الى وطن عالم أول.
العقبة التى تقف دائما أمام أحلام الفلاسفة والمصلحين والمفكرين هى ديكتاتورية الحكم لأنها تقتل الكفاءات وتخنق الحلم وتدمر الأمل وعندما تكون هناك دولة مرنة من رأس الهرم يكون من السهل تحويل الأحلام والأفكار الى واقع شريطة أن تلتف الجماهير وتؤمن بصدق الأحلام وجدوى التفكير فى الخروج من هذه المحن المزمنة , ومن يقرأ التاريخ جيدا يعلم أنه لم تكن هناك دولة مثالية على مر التاريخ ولكن كانت هناك دولة مريحة, ولم يكن هناك نظام اقتصادى خالى من القصور ولم يكن هناك حركة نهضة بمعناها الحقيقى بدون ايمان من القيادة السياسية بضرورتها,وحتى تكون هناك نهضة لابد من الاتفاق بين القيادة ورموز المجتمع بوضوح لايعتريه غموض أو لبس على أن هناك خطوات لابد من اتباعها , وهناك ثمن لابد من دفعه حتى ندخل عصر النهضة .
من ضمن الخطوات الضرورية والحتمية للنهضة هى حرية تداول الأفكار وحرية تداول النقاش وحرية تداول السلطة والثمن لذلك هو ايمان الناس بضرورة التضحية من أجل الانتقال التدريجى من وضع سىء الى وضع أحسن , هذه التضحية مهمة جدا للنهضة لأن الناس عادة فى وطننا ومن كثرة الاحباط يفضلون الأوضاع السائدة لسببين : الأول لأنهم فقدوا الثقة على مر التاريخ الحديث فى فكرة الاصلاح لأنهم من التجربة العملية اكتشفوا أنها غطاء مرحلى يستخدمه الحاكم لالهائهم والضحك عليهم لتثبيت مقعده الأبدى على قمة الهرم , والسبب الثانى أن الطبيعة البشرية عموما تكون ضد التغيير فالبشر يميلون الى الاستقرار على ماهم عليه بدلا من المغامرة على شىء قد يكون أسوأ من وضعهم الحالى. وحتى يكون الناس على استعداد للتضحية لابد أن تكون هناك ثقة فى القيادات الفكرية والسياسية وتكون هناك نتائج ايجابية ملموسة تحثهم على الاستمرار فى التضحية لتغيير أوضاعهم , وكل هذا لن يتأتى الا بحرية الناس فى اختيار قيادتهم السياسية وتداول السلطة بشكل حضارى حتى تستمر عملية الاصلاح بتوافد دماء جديدة متغيرة وعقليات نشيطة مختلفة على القيادة .
****
لن تتحمل مصر أمنيا واقتصاديا وسياسيا زيارة أخرى , فنتائج الزيارة مكلفة جدا ولذلك نرجوا من الرئيس مبارك اعادة حساباته مرة أخرى والتصرف بواقعية مع الوضع القائم وحتى لاتكون هناك زيارات أخرى .. فى عرض النبى .