مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 شيطنة السادات
...............................................................

 

الرئيس السادات

 

بقلم : غريب المنسى
.........................


الأستاذ محمد حسنين هيكل شيخ الصحفيين المصريين مدرسة صحفية متحركة , فهو دائما سابقا لعصره وأوانه وفى فترة رئاسته لجريدة الأهرام كانت الأهرام جريدة تضارع الواشنطن بوست من حيث الحرفية والمصداقية وتفردها بالأخبار , وفى مدرسته الصحفية تعلم معظم الجيل الحالى من كبار الكتاب فى مصر.والأستاذ هيكل فتح الأبواب لكل المواهب الجادة بل أنه جعل من الأهرام مصدر ثقافى رصين بجمعه كل كتاب العصر المحترمين فى جريدة واحدة , ولكنه كان محتكرا للأخبار فى فترة مهمة من تاريخ مصر المعاصر بحكم قربه من الرئيس عبد الناصر ويمكن أن نطلق عليه بلغة العصر الحالى أنه كان أحمد عز الأخبار!! وحتى الآن لم نرى أو نسمع فى التاريخ المعاصر عن صحفى على مستوى العالم تسلط على عقلية الرأى العام لما يقرب من ستين عاما , ويدعى امتلاكه لوثائق سرية !! هذه الوثائق التى يدعى أنه يملكها فقدت سريتها لقدمها من ناحية , وللتقدم السريع فى ثورة المعلومات , ولوجود القانون الامريكى الذى يسمح بتداول المعلومات السرية ونشرها بعد فترة عقدين من الزمان أيا كانت هذه المعلومات. ومعظم معلومات الأستاذ هيكل مستقاة من مصادر غربية وبالذات المصادر الأمريكية معتمدا على نفس القانون سابق الذكر واسمه: Freedom of Information Act .

وأيضا لم نسمع أو نرى صحفيا فى الغرب كرس معظم عمره متفرغا لمتابعة عبقرية رئيس واحد , وهذا ان دل على شىء فهو يدل على عدة أشياء فى وقت واحد : منها أن الرئيس عبد الناصر استثمر فى هيكل استثمارا جيدا وجعل منه عينه ولسانه ومدير دعايته حتى بعد وفاته بأربعين عاما , ومنها أيضا أن هيكل تقمص دور الشاهد الوحيد على عصر الثورة وبالتالى هو الشخص الوحيد الذى ينبغى علينا أن نصدقه, وبالتالى فهو فى موقف محتكر التاريخ الوحيد , يقص علينا مايريد ويخفى عنا مايراه فى عملية مكر ومراوغة واضحة, الهدف منها أن يظل على الساحة أطول فترة ممكنة , وهو دائما وابدا يهرب من سرد مواقف تاريخية معينة يعتقد أنه لو ذكرها ستؤثر على صورة عبد الناصر المرسومة بعناية شديدة فى وجدان الجماهير , علما بأن عبد الناصر كان انسانا مجردا وارتكب أخطاء سياسية وعسكرية قاتلة , مثله مثل أى زعيم سياسى آخر ولايعيبه ذلك أبدا فهو انسان وليس نبى, ولكن هيكل مازال يفكر بعقلية روسية ستالينية عفى عليها الزمن عندما كانت أخبار جوزيف ستالين سر من أسرار اللاهوت. ونحن هنا لانحاول أن نقلل من انجازات الأستاذ هيكل فى السبعين عاما الأخيرة , ولا من زعامة الرئيس عبد الناصر التاريخية , ولكننا نريد أن نسلط الضوء على شىء واحد وهو أن هيكل من مجاذيب عبد الناصر وبالتالى فكل ماعدا عبد الناصر فهو سراب.

وتفرغ هيكل لتصغير الرئيس السادات فى كل مناسبة , فى مقابل تعظيم عبد الناصر ثلاثة مرات فى السنه – عيد ميلاده وعيد الثورة وعيد وفاته – يدفع المراقب العادى للتساؤل : لماذا يكره هيكل السادات كل هذا الكره؟ وهل يصلح الانسان الذى يحمل كل هذه الكمية من الحقد فى قلبه أن يكون مؤهلا لتوجيه الرأى العام ؟ ولماذا لم يقف هيكل ولو قليلا عند فضيحة أشرف مروان الموثقة محاولا مرارا وتكرارا أن يوهمنا بأن السادات كان الجاسوس والخائن, علما بأن عبد الناصر شخصيا كانت له علاقة مباشرة بالمخابرات المركزية قبل الثورة وبعدها , وهى علاقة طبيعية تفرض نفسها على الحاكم, ولم يشك أى انسان فى ولاء عبد الناصر من جراء هذه العلاقة , فلماذا يدفعنا هيكل دفعا للشك فى ولاء الرئيس السادات؟ !!!!!!

******

والفريق سعد الدين الشاذلى مصنف عسكريا بأنه موهبة عسكرية فى الالتزام والتخطيط والتفيذ , وهذا الرأى توصلت اليه من خلال متابعتى الدقيقة لكل ماكتب عن حروب 67 والاستنزاف و73 فى الغرب , وبالذات مذكرات القادة الصهاينة موشى ديان وديفيد اليعازر واريل شارون وعلى رأسهم جولدا مائير.وقد وصفوه جميعا بصفات جيدة ,وهذه الشهادات لها مصداقية عالية لأنها جاءت عن لسان أعداؤه الطبيعيين فى ساحة القتال.

وكل من هيكل والشاذلى أدى دوره بكل أمانة والتزام فى فترة معينة من تاريخ مصر, حكمتها ظروف دولية واقتصادية وتنموية وعسكرية معروفة لكل متابع جيد للتاريخ الحديث. ولكن كان هناك أيضا مئات من الصحفيين والكتاب والقادة العسكريين العظام اللذين ساهموا بكل جدية وتفانى فى صناعة تاريخ مصر الحديث , ومضوا فى صمت قانعين بما حققوه من انجازات وطنية بلا ضجة اعلامية كبيرة.

*****

ليس صعبا على المتابع المحايد أن يكتشف عيبا بسيطا فى شخصية هيكل والشاذلى , هذا العيب يسكن فى أعماق مكونات نفسيتهم , وهذا العيب ظهر مرارا وتكرارا بعد رحيل الرئيس السادات وتمكن هذا العيب منا عقلنا الباطن كمتابعين , ولاسيما أن معظم كتاب عهد الرئيس السادات قد ذهبوا الى العالم الآخر , وبقيت الساحة شاغرة لهم بلا عجوز معاصر يرد عليهم ويناقشهم بموضوعية , هذا العيب بكل بساطة هو تضخم الكبرياء.

والانسان المصاب بتضخم فى الكبرياء لايقف عند حد فى الهجوم على من جرح كبرياؤه ويكون مستعدا لقتل غريمه تحت أى ظروف, والكبرياء بالنسبة للانسان المصاب بالتضخم يكون مثل اللغم الأرضى المختبىء فى أعماق الأرض ينفجر محطما عندما يمر عليه أى شىء بطريق الخطأ, هذا التضخم الملعون يصور للمريض الأمور بطريقة عدوانية انتقامية قاتلة . وهذا بالضبط ماحدث مع الرئيس السادات فى تعامله مع هيكل والشاذلى , فكل من الرجلين كان له طموح عالى كل فى مجاله هذا الطموح توقف تماما, لأن الرئيس السادات قرر أن يستغنى عن خدماتهم فى فترة تاريخية معينة وجد فيها أنهم غير ضروريين لخدمة سياسته , فهو الرئيس ومن حقه الدستورى أن يتعامل مع الأشخاص المتوافقين مع أولوياته وتوجهاته .

نحن هنا لاندافع عن الرئيس السادات بقدر ما نريد أن نوضح للسادة القراء خطورة عملية شيطنة الرئيس السادات للأجيال الجديدة على يد عقليتين من كبار العقليات المصرية فى العصر الحديث. وحتى لايأخذ المقال وقت أطول فى شرح المشروح وتعريف المعروف تعالوا معى نفترض افتراض بسيط : ماذا لو استمر هيكل فى عهد السادات هو الصحفى الوحيد المتحكم فى الخبر والعالم ببواطن الأمور والقريب من دائرة السادات الضيقة؟ وماذا لو أن الرئيس السادات وافق على اقتراح الشاذلى بسحب فرقتين من الشرق للتعامل مع الثغرة فى الغرب , بغض النظر عن عدم وجود حماية جوية فى منطقة الثغرة وذلك بسبب تدمير شارون لكل قواعد صواريخ سام فى المنطقة مابين الاسماعيلية والسويس؟

نقول ماذا لو أن الرئيس السادات وقد كانت علاقته بهيكل والشاذلى جيدة وحتى ليلة 22 أكتوبر سنة 73 استمر فى جعل هيكل فارس توجيه الرأى العام , وجعل من الشاذلى البطل العسكرى الأوحد فى حرب 73؟

هل كان رأيهم فى السادات اختلف قليلا ؟
طبعا .. كان السادات ظل هو رجل الحرب والسلام والزعيم المؤمن الذى لايشق له غبار!!

نحن لسنا من مجاذيب الرئيس السادات فلقد ارتكب بعض من الأخطاء التكييكية فى غرفة العمليات رقم عشرة أثناء ادارته لحرب أكتوبر , ولكن من منكم قرأ تاريخ الحرب العالمية الاولى والثانية ومن منكم تابع أخبار غرفة عمليات اسرائيل فى حرب 73؟ ومن منكم تابع أخبار غرفة عمليات الجيش الأمريكى فى حروب الخليج ؟

ان الاختلاف بين القادة فى غرف العمليات أمر وارد وطبيعى ومنطقى , لأنهم بشر يعملون تحت ضغوط نفسية وعصبية رهيبة ومحاطون بالمخاطر من جميع الاتجاهات وتتوقف حياة بشر على قرارتهم , وفى غرف العمليات العسكرية دائما لايوجد قرارا مضمون , فكل قرار فى وقت المعركة يكون له مزايا وعيوب وهنا تتعلق المسؤلية فى عنق القائد الأعلى الموجود فى غرفة العمليات , وقد يكون القرار صائبا وقد يكون غير صائبا ,فلا توجد ضمانات من أى نوع !!! علما بأن قرار الرئيس السادات بعدم سحب فرقتين من الشرق والذى أغضب الشاذلى قد تم بموافقة نخبة من كبار العسكريين منهم الفريق أحمد اسماعيل على والمشير الجمسى واللواء حسنى مبارك وكان قرارا صحيحا على الأقل فى تلك الظروف .

كبرياء الفريق الشاذلى المتضخم منعه من تفهم هذه البديهية وخرج من غرفة العمليات رقم عشرة ليصور لنا أن فكرته بسحب فرقتين من الشرق كانت فكرة مضمونة للقضاء على الثغرة , فى حين أنه بديهيا فى هذه الظروف الميدانية أن تكون كل الأمور والقرارات تقديرية وتخضع لحسابات مختلفة تماما , فحسابات الرئيس السادات مختلفة تماما عن حسابات رئيس أركانه , فالسادات يرى الصورة الكبيرة ورئيس الأركان لايرى أبعد من الخريطة العسكرية .. اذن .. مالذى جعل الشاذلى متأكد تماما من عدم تدميرهم بدون غطاء جوى ؟!! ليست هناك اجابة قاطعة غير انه الانتقام للكبرياء المجروح فى ظل غياب المتهم!!

لايستطيع أحد أن يقلل من كفاءة الشاذلى العسكرية ولا من قدرات هيكل المهنية ولكن اعادة صياغة التاريخ من وجهة نظر واحدة من غرفة مكيفة بعيدة عن خندق العمليات العسكرية بضغوطه يعتبر عمل من أعمال الخيانة العظمى , ولاسيما أن معظم القادة الفطاحل الذين كانوا موجودين فى غرفة العمليات رقم عشرة لم يتوصلوا لنفس نتائج هيكل والشاذلى وعلى رأسهم المشير الجمسى رئيس هيئة العمليات العسكرية ابان الحرب وهو الذى كان مسؤلا عن دقائق خطة العبور.

وموضوع الثغرة والتعامل معها عسكريا كانت هى نقطة الخلاف الرئيسى بين السادات السياسى والشاذلى العسكرى تلقفها هيكل الدعائى وصورها للناس على أنها عمل من اعمال الخيانة العظمى من جانب السادات , وحتى لاندخل فى مناقشة أمور عسكرية أكبر من حجمنا فنحن لسنا عسكريين , رجعنا الى مذكرات اريل شارون صاحب خطة الثغرة ومنفذها , وقد كانت خطة الثغرة موضوعة منذ أن كان شارون قائدا لجبهة سيناء , فلقد قام هو شخصيا بتصور مناطق عبور المصريين ووضع علامات فسفورية تحدد له المناطق الصالحة للعبورغربا فى حالة نجاح المصريين فى العبور شرقا. وكانت خطته وهدفه بعد العبور غربا هو تدمير حوائط الصواريخ المصرية فى المنطقة مابين الاسماعيلية والسويس لأنها كانت السبب الرئيسى فى خسائر اسرائيل وحتى يوم 16 أكتوبر , وبالتالى أصبح الجيش المصرى بعد الثغرة فى الشرق والغرب وفى هذه المنطقة تحديدا بلا حماية جوية صاروخية, بالاضافة لتفوق اسرائيل الجوى, وعبور المصريين للقناة فى يوم 6 أكتوبر لم يكن ليتم بدون حوائط صواريخ سام التى منعت الطيران الاسرائيلى من الاقتراب من القناة.

الى الآن لم نذكر شيئا عن الاستطلاع الأمريكى لمنطقة الثغرة ولا عن الجسر الجوى الأمريكى لاسرائيل !!

فى غرفة العمليات رقم عشرة كانت وجهة نظر الشاذلى ان يتم سحب فرقتين من الشرق للتعامل مع الثغرة فى الغرب بدون حماية جوية . والسؤال هنا كان : هل عودة الفرقتين الى الغرب سيضمن القضاء تماما على الثغرة التى تشعبت كالاخطبوط فى شريط عنكبوتى برأسى حربة متوجهين جنوبا للاسماعيلية وشمالا الى السويس ؟

عسكريا قد تكون وجهة نظر الشاذلى منطقية ولكن ليس فيها أى ضمانات , وحكاية أن الرئيس السادات تجاهل رأى القادة الموجودين مفبركة , فمنطقيا وعسكريا فأن وزير الدفاع أحمد اسماعيل على ولخطورة الموقف وقبل مجىء السادات الى غرفة العمليات لابد وأن سأل القادة الموجودين فى القاعة عن رأيهم ولابد أن كان رأيهم مخالف لرأى الشاذلى , لأن الرئيس السادات عندما اجتمع بوزير دفاعه داخل مركز العمليات لابد وأنه أخذ تمام برأى الجميع عن طريق الوزير وعرف أنهم جميعا ضد رأى الشاذلى وبالتالى قرر بعدم سحب جندى واحد من الشرق.

السؤال الآن : هل لو عادت الفرقتين الى الغرب كان من الممكن منع حصار الجيش الثالث ؟
الاجابة بكل بساطة لايستطيع أحد الاجابة بالجزم, علما بأن القوات الاسرائيلية كانت قد تمركزت فى الغرب فترة تسمح لها بتدمير الفرقتين لأنهم عائدين من الوضع المتحرك , وسيعودون للغرب من مناطق معروفة مسبقة لشارون .

هذا بالاضافة الى أنه كانت هناك اتصالات دبلوماسية دولية بين روسيا والولايات المتحدة ومصر واسرائيل تدور فى القصر الجمهورى لم يعرف عنها الشاذلى وهيكل شيئا , وهذه الاتصالات كان من شأنها الاتجاه للحل الدبلوماسى , وكان الرئيس السادات قد استعد ذهنيا للحل السياسى فى هذا الوقت .

هل كان قرار الرئيس السادات صحيحا ؟

لاتوجد اجابة دقيقة .. ولكن يمكنا القول بأنه اتخذ قراراته فى تلك الظروف بكل ولاء وتقدير للمخاطر المحيطة, وحتى وان كانت من وجهة نظر البعض الآن أنها خاطئة , فهى لاتعدو أن تكون من نوع "الخطأ الشريف" بمعنى أنه عندما يكون القائد مطالب باتخاذ قرارا ولاتوجد لديه معطيات واجابات واضحة صريحة , فالقائد يتخد أحسن قرار ممكن على ضوء المعطيات الموجودة وهذا مافعله السادات .. فكيف يكون خائنا ؟

******

عندما يتحد صحفى موهوب مع جنرال محترف على الثأر من شخص بحجم رئيس جمهورية قد تكون المهمة سهلة , ولكن عندما يتحدان على تشويه التاريخ واعادة صياغته بطريقة احادية غير عابئين بما كتب عن حرب أكتوبر فى الغرب, هنا تكون المؤامرة هدفها فقط شيطنة السادات .. ولصالح من ؟ الله أعلم.


 

شيطنة السادات – الجزء الثانى

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية