مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 المحاصرون
...............................................................

أم محمد تدعونا لداخل العشة

بقلم : غريب المنسى
........................


المكان والزمان عنصرين مهمين في تحديد جغرافيا التاريخ , وعندما يلتقي منحنى الزمان والمكان مع منحنى البخار يكون الهبو هو الوسيلة الوحيدة لقياس الوحدة الحرارية النفسية اللازمة للتوهج والتي تعطى شعورا زائفا بالخوف والسعال , وبها أيضا يقاس عنصر الهلع قياسيا دقيقا يؤدى إلى وصول الباحث إلى طريق مسدود. ومع وصول النجيب الى هذا الطريق المسدود يصبح لزاما عليه وحتى لايضل الطريق أن يستعين بدعاء الوالدين وابتهالات وتفسيرات جوقة شيوخ الفضائيات فى محاولة ايمانية عميقة للوصول الى البعد البؤرى للواقع الذى يحدد سرعة توقف عقارب الساعة, التى توقفت وأصابها الصدأ فى منظومة التهليب والتعليب والتخريب وهى منظومة بالغة التعقيد مصنوعة بعناية فائقة والهدف منها هو نيك الشعب المصرى فى الدماغ , والدماغ هى طبعا مصدر الشك والقلق ومصدر التفكير المتوحش فى التغيير الذى هو مصدر كل بلاء للسطو على السلطة التى تقف هى بدورها بكل تجرد شاهرة سلاح الجوع والمرمطة والشحططه فى مواجهة حركة الجوعى وهى حركة تأسست فى بدايات القرن العشرين على مشارف روسيا البلشفية. ولكن هذه الحركة ماتت بفعل حركة الاخصاء التى تخصى كل من له قدرة وشجاعة على الجهر علانية بنواياه العدوانية .

فى هذه الحالة الروحانية الفلسفية العميقة وبكل التناقضات الموجودة فى قاع وقمة المجتمع المصرى وبكل مايشمل من : تدين وكفر .. جوع وشبع .. يأس ورجاء ..حشيش وبرشام .. تمثيل وتدبير بدأت أول خطوة للدخول برجلى اليمين الى عشش "زرزارة" وهى عشش قائمة فى جنوب شرق مدينة بورسعيد , وعلى مايبدو أن الاسم يعود تاريخيا الى أحد مساجين الليمان الذى جاهد طيلة حياته لاسعاد شعب العشش بامدادهم بمخدرات شعبية تتناسب مع دخولهم المتواضعة !! وهنا تقل قيمة الانسان لتصل الى أقل مستوى من الهوان والرخص الانسانى ليعيش حياة حيوانية رخيصة يشوبها ايمان عميق مصدره ذلك الحب السرمدى بين مصطفى وأم محمد أشهر زوجين عاملين فى هذا المجتمع الاسكانى الهلامى . وهذه العشوائيات هى عينة عشوائية متشابهة مع كل عشوائيات مصر حيث يختلط الجميع مع الجميع وينصهر الكل فى واحد , فى أكبر مآساة انسانية تواجه مواطن القرن الواحد والعشرين .

فى عشة طولها ستة أمتار وعرضها خمسة أمتار يتوسطها سرير متواضع يجامع عليه صاحب العشة زوجته تحت جنح الظلام على مسمع من نصف دستة أطفال يتوهم صاحبنا بذكاؤه أنهم نائمون على مرتبة أرضية معفنة, يحدها من الجانب الشرقى فتحة أرضية لقضاء الحاجة على المشاع يلاصقها تماما مساحة ضيقة مكشوفة لاعداد الطعام الذى لأعرف كيف يأكلونه تحت ضغط الحر والذباب والصراصير الزاحفة من كل فج عميق !! فى هذه المساحة التى تصلح أن تكون فقط قبر لكلب !! وفى صدر هذه العشة وفوق بابها الصفيحى تجد ساعة حائط كبيرة أنيقة لاتتناسب مطلقا مع مساحة ولا جغرافية المكان تعلو التلفزيون الضخم الذى يبث قناة الجزيرة , ومع هذا المنظر المأساوى المتضارب لم تنسى صاحبة العشة الديكور على الاطلاق فهناك ستارة مطرزة تغطى شباك هو منفذ العشة البحرى الوحيد لتعطى لك انطبعا بأن هناك سيدة لها مذاق فى هذا المكان .

فى هذا المجتمع العششى الخلاق يوجد حلاق متواضع يدعى بالعافية أنه كوافير رجالى من خلال يافطة بالخط الكوفى الجميل كتبها على الحائط !! ويوجد نادى اجتماعى للرجال فى صورة " غرزة" لتعاطى الشاى والقهوة والبرشام عندما ترتفع أسعار الحشيش !! وفى هذا النادى الاجتماعى يبدوا لى أن المواطنين الصالحين من سكان هذا المجتمع الاسكانى يناقشون امورهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية بنهم عميق وهم مساطيل , فهذه العشش هى المصدر الرئيسى للعربجية فى مدينة بورسعيد. وعلى مايبدوا أن السوق فى حاجة ماسة الى خدمات هؤلاء الناس . فالعملية عرض وطلب. ويوجد أيضا فيها البقال والسروجى والعطار والملفت للنظر هو عدم تواجد صيدلية تخدم شعب العشوائية .

لايخلو طريق من طرق هذا المجتمع الاسكانى من روث الحمير الذى يتجمع عليه الذباب بالهبل ولا من حظائر البهائم والحمير والانعام التى تحمل اثقالا !! وفى حقيقة الأمر وحتى هذه اللحظة لم يتولد لدى أى انطباع بأن هناك فرقا جوهريا بين البشر والحيوانات فى هذه الدائرة المغلقة المحاطة بالربو والسعال والدوسنتاريا والاسهال .

أما الأطفال اللذين هم أمل المستقبل فى هذا المجتمع الخرافى فوجوههم شاحبة كالحة حفاة عراة لاتجد لهم شبيه حتى فى بلاد الواق واق , ومصابون بأمراض مزمنة لاتخطئها العين المجردة فالهواء الذى يتنفسونه والماء الذى يشربونه غير صالحين للاستخدام البشرى أو الحيوانى على الاطلاق .

وفى طرقات هذا المجتمع ترى بين حين وآخر صورة ملصقة على الحائط للسيد الرئيس فى شبابه وهى الصورة الوحيدة المسموح بتداولها فى هذه الأوساط , كيف وضعت الصور ولماذا وضعت ؟ هذا سؤال مشابه لنفس السؤال: كيف ولماذا وضعت سيدة العشة ستارة فاخرة مطرزة فى العشة؟ , فالمصريون وبالذات المهمشين على مايبدوا متمسكون بالثوابت وقشور العنطزة والستر , ومن ضمن الثوابت طبعا الستائر وساعات الحائط وبعض من النجف والثلاجات حتى فى أحلك المراحل التاريخية والمكانية .

خرجت من هذا المجتمع العششى البائس وبالضبط وعلى بعد ثلاثة كيلو مترات وجدت منتجع سياحى فاخر يشابه المنتجعات الأوروبية ودخلت وشربت كابتشينوا لذيذ بسعر يوازى دخل ساكن العشة اليومى وبسرعة شرح لى المرافق الملعوب وحتى يخفف عنى الغضب , فسكان العشش يعرفون أن المنطقة فى سبيلها للتطوير وأن المحافظة فى طريقها لاعطائهم شقق سكنية معقولة وسوف يبيعونها بسعر السوق المرتفع وسيعودون بسرعة لبناء مجتمع عششى آخر فى طرف آخر من اطراف المدينة ويحتفظون بالأموال لتأمين المستقبل والاستثمار , فمعظمهم نازحون لمدينة بورسعيد من قرى محافظة الدقهلية .

بين ثراء فاحش وفقر كافر يقف المواطن المصرى عند مفترق الطرق صابرا صبر اليأس ومقتنع اقتناع المضغوط عليه .. والمشكلة مشتركة بين الحكومة والشعب , والمواطن منساق فى حلقة المعيشة المفرغة لايوجد لديه الوعى المطلوب ولايوجد الاخلاص المناسب من الحكومة والنتيجة كما نرى .. هبر وثراء وفقر وجنون وخيبة أمل واحباط وسلبية وغلاء متوحش يدفع الناس الى حافة الجنون.


موضوعات لها صلة :

وزير الفقراء

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية