اسرائيل من تانى
...............................................................
| |
مبارك | |
بقلم : غريب المنسى
........................
لاشك أن القرار المصرى بفتح معبر رفح مؤقتا يعتير قرارا صائبا من جميع النواحى , فمن الناحية السياسية وعلى المستوى الاقليمى تصرفت مصر تحت ضغوط التجبر والغباء الاسرائيلى بركل الكرة الملتهبة بكل ثقة الى الملعب التركى , على أمل أن يشعل أوردغان معركة قانونية دولية مع اسرائيل عجزنا نحن عن اشعالها لأسباب كثيرة اقلها أننا مقيدون معها بمعاهدة سلام !! أما على المستوى الدولى بدت مصر فى أعين الشارع العالمى دولة تتخذ قرارها السياسى وقت الجد بعيدا عن الضغوط السياسية من معسكر الشر . وهذا القرار أيضا له نتائج ايجابية على المستوى الانتمائى والنفسى والوطنى للشعب المصرى الذى كان يطالب دائما بفتح المعبر , والآن يبدوا للمراقب أن هناك حالة اتفاق تام بين القيادة السياسية والشارع المصرى على أن تخفيف الضغط على شعب القطاع هو فى صالح مصر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا ودينيا . بل يمكننا القول أن هذا القرار مع قرار الانفتاح على افريقيا سيفتح الباب تدريجيا لعودة مصر الى مثلثها العربى والافريقى والاسلامى , لأنه عندما خرجت مصر من هذا المثلث طواعية فرضت على نفسها عزلة اختيارية فى سبيل المحافظة على معاهدة سلام مع الدولة العبرية التى تدار بعقلية قطاع الطرق بقيادة مجموعة من المجرمين . ونتيجة لهذا الالتزام المثالى وجدت مصر نفسها وحيدة منسية افريقيا وعربيا واسلاميا ولم تنفعها علاقاتها باسرائيل والولايات المتحدة فى التميز فى شىء , بل على العكس انحدرت مصر سياسيا بسبب هذه العلاقة التى يراها معى الجميع أنها علاقة مشبوهة , شوهت سمعة مصر بل وأضرتها فى انتمائها.
وعندما وقعت مصر معاهدة سلام مع اسرائيل كان التصور العام فى ذلك الوقت أن اسرائيل ستبدأ فى عملية سلام مع كل جيرانها العرب وأن السلام سيعم الشرق الأوسط آجلا أم عاجلا ,والآن وقد مر حوالى ثلث قرن على معاهدة السلام المصرى الاسرائيلى لم تعد الجولان الى سوريا , ولم تؤسس الدولة الفلسطينية , ومازالت اسرائيل تعربد فى المنطقة, لنكتشف بكل وضوح وبعد ضياع العمر أن اسرائيل حايدت مصر عن الصراع لتكمل سياساتها التوسعية العدوانية , فهى دولة لاتسعى للسلام وستظل كذلك الى أن تصل الى مرحلة تدمير الذات “ Self Distraction” , فالسياسة الاسرائيلية فى مجملها عبارة عن تخبط وتآمر وتعجرف وخوف وكسر للقوانين , وقد مد اليها العرب ايديهم وحتى هذه اللحظة راغبين فى السلام , ولكنها تريد سلاما من نوع خاص , سلاما يتفق مع العقلية الصهيونية القلقة والمتوجسة والعدوانية والتوسعية , فهى تريد أن تكون فى سلام مع سوريا بدون اعادة الجولان وفى سلام مع الشعب الفلسطينى بدون اقامة دولة فلسطينية وفى سلام مع العرب بعد أن تخرب أقتصادهم وتضعف من قوتهم العسكرية وتفرقهم , وتكون هى الدولة الأقوى عسكريا واقتصاديا فى الشرق الأوسط , وهذا تفكير ضد طبيعة الأشياء ولن يتحقق وسيؤدى بها فى المدى الغير بعيد الى الانهيار والجنون والسقوط الى قاع التاريخ .
لم يعد خافيا حتى على الأطفال أن اسرائيل دولة غير سوية تعانى من عقد الخوف والوسوسة والاضطهاد وهذا مانراه جليا فى تصرفات قادتها , وحتى عند استخدامها للقوة وبالذات مع المدنيين العزل فهى تستخدمها بطريقة غير متوازنة وغير مبررة وهذا دليل على الخوف وليس القوة. فعندما يهاجم الكوماندوز الاسرائيلى سفينة تحمل مدنيين عزل ويستخدم معهم القوة الغير مبررة على الاطلاق فهذا معناه فى علم النفس الاجرامى أن الكوماندوز الاسرائيلى كان أكثر خوفا من المواطنين العزل على سطح هذه السفينة , لذلك استخدم الخائف القوة بغباء ليقتل حوالى عشرين شهيدا من رموز المجتمع الدولى فى القافلة الدولية , وبالتالى ونتيجة لهذا الخوف والغباء تحولت المواجهة الآن بين اسرائيل والمجتمع الدولى , وحتى لو حاولت الولايات المتحدة أن تبرر فعل اسرائيل بحملة تسويقية فهذا التبرير من الصعب بيعه للمواطن العالمى العادى الذى ومنذ أن شب على هذه الحياة لم يسمع شيئا ايجابيا عن اسرائيل . فالكذب والتجميل والتسويق لدولة اسرائيل له حدود ومدى .. والآن أصبحت دولة اسرائيل فاقدة للأهلية, مثلها مثل أية سلعة تجاوزت تاريخ صلاحيتها وهى بالتالى لاتصلح للاندماج فى المجتمع الدولى , لأنها ستصيب هذا المجتمع العالمى بالمرض والقلق والحمى .
الوقت الآن يعتبر مناسبا جدا للقيادة المصرية لاعادة تقييم الموقف , فمصر خسرت كثيرا من ربط سياساتها الخارجية لتتوازن مع توجهات الولايات المتحدة واسرائيل على أمل أن اسرائيل سترتفع الى مستوى المسؤلية وتقدر الدور المصرى والضغوط التى تتعرض لها مصر داخليا وعربيا من جراء هذه العلاقة , ولكن اسرائيل وبعقلية الكاوبوى تعتبر ان الدور المصرى مفروض عليها وهو دور طبيعى ونتيجة طبيعية لمعاهدة السلام وهى بذلك تسىء الى مصر لأنها تحاول أن تظهر مصر وكأنها دولة ضعيفة تابعة خائفة ولايهمها انتمائها العربى والاسلامى والأفريقى .
نعم .. لقد أساءت اسرائيل لمصر مرارا وتكرارا ليس آخرها حرب غزة الآخيرة والتى أوحت فيها اسرائيل للمجتمع الدولى أنها كانت حربا بالتنسيق مع مصر !! ووضعت الشعب المصرى فى وضع شك فى قيادته السياسية !! وعندما بنت مصر الجدار الفولاذى لم يكن بالدرجة الأولى موجه ضد أهل غزة بقدر ماهو موجه بالدرجة الاولى ضد مخطط اسرائيل لتوطين الفلسطينيين فى سيناء, وهو مخطط طويل المدى هدفه التخلص من الفلسطينيين واخفاء معالم القضية الفلسطينية , واسرائيل لن تتورع عن قتل الشعب المصرى لو حانت لها الفرصة المناسبة , وقد حاولت ومازالت تحاول : فمن تصدير مبيدات مسرطنة وتجسس على الشعب المصرى الى التوغل فى افريقيا وتقوية دول نهر النيل لتغيير حصة مصر فى المياه لقتل المصريين عطشا .. والآن حان الوقت المناسب للقيادة السياسية المصرية لتعلن على الملاء موقفها الوطنى ازاء قضايانا الاقليمية وأن تنضم الى تركيا وايران فى مواجهة هذا الارهاب المنظم الذى تقوده اسرائيل برعاية وتوجيه ودعم من الولايات المتحدة , ومصر وان كانت تربطها معاهدة سلام مع اسرائيل فهذا لايمنع ابدا من أن يكون لمصر دور عربى واضح فى مواجهة هذا العبث الاسرائيلى وتجاهلها التام للسلام القائم على العدل.
لن تكون هناك مصداقية للولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الا اذا تمت محاكمة القادة الصهاينة على جرائم الحرب التى ارتكبوها سواء فى غزة أو فى عرض البحر , ولن يكون هناك سلام فى الشرق الأوسط طالما استمرت اسرائيل فى اتباع نفس سياسة التعدى على القوانين الدولية والاخلاقية والعرفية والاستهزاء بمصر والعرب . ولن يكون هناك سلاما فى الشرق الأوسط الا اذا حددت اسرائيل لنفسها وللعالم : ماهو تعريفها ومفهومها للسلام .