مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 أسقنى وأشرب
...............................................................

 

أم البطل

 

بقلم : غريب المنسى
......................


كان فى بلدنا رجل يدعى عبد الفتاح , صعد السلم الاجتماعى بطرق مختلفة لعب الحظ فيها جزء, ولعب حرمانه وتصميمه على كسر حواجز الفقر والتجاهل جزء آخر , ولعب ذكاؤه الفطرى ومعرفته بالجيوبولتك المحلى للناحية الدور الأكبر. وفى فترة لاتزيد عن عشرين عاما تحول عبد الفتاح من كم مهمل داخل القرية الى أكبر مورد لأنفار التراحيل فى المركز , وبسرعة الصاروخ طور من نفسه بعد أن حج الى بيت الله الحرام وحصل على الرخصة الشرعية وأصبح الحاج عبد الفتاح هو رجل المرحلة, الذى ينفطر قلبه على الفقراء ويبكى ليله على الأطفال والأرامل وفى السكة ولزوم الورع والكونكشن دخل فى الاستيراد والتصدير وركب المرسيدس وبنى فيلا جديدة تتلائم مع وضعه الاجتماعى الجديد, وأصبح من وجهاء الدائرة ومجلسه أصبح مزار الكبراء والأعيان من ابناء المنطقة وأصبح اسمه وتشجيعه يعتبر من المسوغات الرئيسية لأى شخص يريد أن يكون ابن الدايرة فى مجلس الشعب.

كان عبد الفتاح هذا من كبار نافخى البلالين فى المنطقة ومن كبار المربين للعصافير البشرية , فكل شاردة وواردة لابد أن تصل اليه من عصفور من العصافير المتوزعة على المنطقة , فكل غاية العصفور البشرى كرسى معسل فى رحاب مجلس الحاج عبد الفتاح, وكان كلما أراد أن ينفخ بالون كانت له طريقة مميزة وهو أنه يرسل عصفورا بخبر معين الى الجهة التى يتوقع منها المنافسة ,ويكون الهدف من البالون هو تساؤل فى صورة خبر ومن خلال رد فعل الخبر يكون عبد الفتاح وشلته مايسمى فى التسويق الحديث عملية استقراء لنوايا خصومه ومنافسيه , وبالتالى يتخذ القرار المناسب فى الوقت المناسب, ولذلك انتصرعلى خصومه وتبوء مركز أدبى واجتماعى ومالى ليس فقط لذكائه ولكن لغباء منافسيه.

ماحدث فى قريتنا منذ مايزيد عن خمسين عاما يحدث اليوم فى مصرنا بصورة أنيقة محترمة, فبدلا من عبد الفتاح الصعلوك جلس حسنى مبارك صاحب الضربة الجوية والتاريخ العسكرى, وبدلا من العصفور التقليدى الذى كان غايته شرب حجرين معسل مقابل عصفرته جلس الدكتور مصطفى الفقى السفير السابق , وبدلا من ذهاب العصفور مترجلا الى عرين المنافسين , تستخدم الأن الميديا فى نفخ البالونه , وارسالها فى صورة اعلامية شيقة الى المواطنين .. وعلى الرغم من اختلاف التكنيك الا أن الهدف واحد لكل من عبد الفتاح وحسنى , وهو قراءة ردود فعل الشعب وتمهيد الناس لاستقبال خبر قاس على نفوسهم , من خلال مايسمى فى علم النفس بالصدمة الغير مباشرة , فكما استغل عبد الفتاح ضعف وقصور وجهل منافسيه وبالذات قصورهم المادى , يستخدم حسنى مبارك مؤسسات الدولة القوية من جيش وشرطة وقضاء واعلام لتدعيم موقفه ووضع الخصوم فى خانة لايستطيعون منها الفرار ولا حتى اتخاذ قرار.

اجابة الدكتور الفقى على أسئلة جريدة المصرى اليوم ظهرت وكأنها توقعات رجل مهتم بالشأن العام , ولكنها فى الواقع رسالة تمهيدية من خلال الدكتور العصفور لتهيئة الرأى العام على قبول التوريث فكل الطرق مسدودة أمام المنافسين والجيش سيؤيد الوريث والولايات المتحدة واسرائيل موافقة على هذا الوريث, والمعنى العام هو ماقصده الدكتور الفقى تماما, وهو أن المركب القوى المدعوم سيسير وعلى الضعيف الشرب من البحر , فلم يعد فى البلد رجال وعليكم أن توافقوا بالواقع أو تنتحروا.

وبقراءة موضوعية للوضع العام فى مصر , نجد أن سيناريو التوريث سيتم فالمعارضة الحزبية خرجت من رحم النظام ولاتشكل أى خطر والمعارضون الحقيقيون متفرقين ولن يسمح لهم بتنظيم معارضة مركزة, وأصواتهم متفرقة ولايشكلون تحدى حقيقى لقوة الدولة وبالتالى فالرئيس ونجله وعصافيره فى موقف القوى, ولن يستطيع أحد ايقاف عقارب الساعة على الأقل فى وقتنا الحالى.

ومصر محاطة بمشاكل وتحديات كثيرة , لايريد النظام فى الوقت الحالى من مواجهاتها حتى لايفقد تركيزه فى تمرير التوريث وهو الهدف رقم واحد للنظام حتى لو مات جميع المصريون , وحتى هذه اللحظة لا أجد مبرر منطقى موضوعى لتمسك الرئيس بفكرة التوريث لأنها من الناحية العملية والواقعية والمستقبلية ليست فى صالح الوريث لأسباب سأذكرها لاحقا فى هذا المقال, فالمنطق يقول أن الانسان يورث أبناؤه أشياء تجعلهم سعداء, أما أن يورث أبا لأبنه مشاكل مستعصية فهذا يكون مصدر شك فى حب الأب لأبنه يوازيه شك فى ولاء الابن لأبيه.

الرئيس حسنى مبارك يعيش فى كردون أمنى خطير , فهو أول رئيس لمصر عنده هاجس أمنى مضاعف , فهو منفصل عن المصريون منذ توليه السلطة , فهو لم يأكل عيش وملح مع شعبه , ولم يشرب لهم شايا ولاقهوة , ويتعالى عليهم وكأنهم شعب لديه الجرب !! هذا تحسه من خلال تعاملاته مع الشعب منذ توليه السلطة , وحتى وان أراد أن يظهر عكس ذلك فالرئيس مبارك هو أول رئيس مصرى يحتقر شعبه منذ قيام الثورة الى يومنا هذا, فلماذا يريد لأبنه أن يكون هو الآخر محاصرا بالحراسة محروما من حياته الخاصة والبسيطة فى مقابل منصبا قد لايكون بالضرورة مناسبا لتكوين وخلفية وقدرات الابن ؟ فالنجل يملك أمولا تجعله يعيش حياة تناسب وضعه الاجتماعى كنجل لرئيس سابق بعيدا عن مشاكل السلطة فقط غير مضاف اليها مشاكل معقدة لدولة مثل مصر.

فبلد مثل مصر تواجه مشاكل لاتعد ولاتحصى , فالمصريون فى تزايد مستمر والبنية التحتية والفوقية للدولة لم تتطور بما يتناسب مع الزيادة السكانية , والتعليم فى جميع مراحله تدهور, وميزانيات البحث العلمى تجمدت , والاهتمام بالشباب وضمان ولاؤهم للبلد وصل للصفر قياسا بفترة عبد الناصر التى كان فيها الاهتمام بالشباب والتعليم والثقافة من ضمن أولوياته, وانكماش مصر فى محيطها العربى والأفريقى والاسلامى يدعوا للخجل , وحصار اسرائيل لمنابع النيل معروف للجميع واحتمال أن تقل نسبة مصر من مياه النيل واردة, وعدم التوسع أفقيا والخروج من الدلتا لغزو الصحراء بات من ضمن سوء تخطيط هذا النظام فى الثلث قرن الأخير, وعدم وجود استيراتيجية واضحة للدولة بمعزل عن الارتباط بالقوة العظمى الوحيدة وضع مصر فى خانة التبعية , أضف الى ذلك تآكل الطبقة الوسطى عماد المجتمع والاتجاه الى سياسة رأسمالية مبتورة جعلت فئة قليلة من المصريون هى التى تملك والباقى من الشعب يواجه قسوة الرأسمالية بدون تخطيط قومى , وكلها مشاكل تحتاج الى سنوات طويلة لعلاجها ومواجهتها فهل يقدر الوريث على مواجهتها ؟!!

كل هذا يدعونى الى التساؤل , هل فعلا الرئيس مبارك مدركا لخطورة الوضع فى مصر؟ وهل الرئيس مبارك مقتنعا بأن مستقبل البلد سيكون أحسن حالا بقيادة نجله الحكيمة ؟ وهل الرئيس مبارك يريد أن يتركنا فى هكذا وضع صعب ونحن اللذين توقعنا الكثير من الخير على يديه ؟

لن يكون هناك حلا لهذا الوضع الشائك المعقد الا اذا عاد الرئيس مبارك الى المنطق مرة أخرى وقرر أن يستعين بعقول مصرالمخلصة وأن يجمعهم ويضع الصورة كاملة أمامهم , وأن يشكل منهم لجان مختلفة كل حسب تخصصه حتى يضعوا خطة مكتملة للخروج من هذا الوضع الحرج وأن تكون القيادة جماعية , فعصر القائد الملهم قد ولى منذ زمن بعيد ومصر فى حاجة الى القائد الموجه الذى يضع الرجل المناسب فى المكان المناسب , نحن فى أمس الحاجة الى خطط خمسية وعشرية لمواجهة مشاكل القرن الواحد والعشرين ولدينا من الطاقات البشرية القادرة الكثير , نريد رجالا يخططون فى صمت وأن يضعوا ورقة علمية وعملية للتحديات التى نواجهها وكيفية الخروج من قاع هذا اليم , لقد خرجت المانيا من الدمار وتحولت الى دولة متقدمة بسبب اللجوء الى عقول أولادها وتخطيط علمى جيد , ونحن لن نخرج من كبوتنا هذه الا اذا رجعنا الى الأساسيات والبديهيات فى تحديد مشاكلنا بدقة وتحديد وسائل مواجهتها بنفس الدقة والتصميم.

الديموقراطية هى جزء من حل مشاكلنا , ولكنها ليست كل الحل , فالديموقراطية مع شعب جائع لن تجدى كثيرا نحن نريد نظام خاص بنا يتناسب مع ظروفنا يصمم خصيصا لواقعنا , فكل المدارس السياسية والاقتصادية والاجتماعية يمكن تشبيهها بالتصميمات الجامدة ونحن نريد أن نصمم ماينفعنا بالاستعانة بخبرات الأمم السابقة, نأخذ ماينفعنا ونترك الباقى لحال سبيله , نحن نريد عقول واقعية تخطط لواقعنا من خلال خبرات متراكمة محبوسة لم يشأ لها بالخروج الى حيز التنفيذ. كل هذا من شأنه أن يجعلنا دولة معتدلة نحافظ على علاقات معتدلة مع العالم الخارجى وأن نكون دولة خير وسلام .

مصر وتحديات القرن الواحد والعشرين أكبر بكثير من امكانيات جمال مبارك , وأهم كثيرا من أحلام أسرة مبارك , وأخطر وأعقد من أن نتركها فى أيد من لايعرف أبعاد الوضع الخطر الذى نحن فيه الأن , نحن نريد رجالا صادقون مؤمنون بالعطاء مدركون للواقع الصعب الذى نحياه . ومن الغرائب والعجائب أن كل اللذين يستطيعون أن ينطلقوا بمصر الى أعلى الأفاق تجدهم فى نفس الطبقة المتوسطة التى بدأت تتآكل فكل العباقرة والمبدعين والعلماء موجدين فى داخل الوطن فى هذه الطبقة, ولكن للأسف مهملين وهذا فى حد ذاته يدعوا للعجب.

من العيب أن يكون هناك بلدا يتمتع بعقول وقدرات مبشرة , يتحكم فيها رجل واحد بهذه الطريقة المستفزة , نستجديه العدل والحكمة , ومن الخطر أن نتركه ينفذ مابدا له صحيحا وهو فى واقع الأمر مدمرا لشعب تكالبت عليه كل الظروف القاسية , فبات شعبا غير مفهوم .. فهل الشعب المصرى بكل التراكم التاريخى أضحى شعبا آخر أم ماذا ؟!!

ولن يصح الا الصحيح.


 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية