سيادتك الحب
...............................................................
| |
أم كلثوم فى أغنية سيادتك الحب | |
بقلم : غريب المنسى
.......................
لعلم تتذكرون هذه النكته الطريفة عندما ذهب الرئيس عبد الناصر ونائبه الرئيس السادات الى حفل غنائى لأم كلثوم وسأل الرئيس نائبه : الست حتغنى ايه النهارده ياأنور؟ فرد النائب : سيادتك الحب يافندم !!! فهذه النكته الفلسفية الظريفة تشرح بوضوح مشكلة مصر, فلو نظرنا بتركيز الى مشاكل مصر, فكلها لن تخرج عن حيز النفاق الاجتماعى من أعلى الهرم الى أسفله , والبعد عن الموضوعية وشخصنة الأمور , وقد يسمى البعض هذا النفاق تأدبا بالدبلوماسية, ويسميها كاتب هذه السطور بدبلوماسية المستضعف حتى يتمكن , وهذا مرض اجتماعى لن نشفى منه قريبا لأنه مرتبط بالجينات الخاصة بنا , والأنكى أن أعراض ومسببات المرض فى ازدياد ولايوجد لدينا جرعات مضادة له .. تماما مثل انفلونزا المخابيل.
كنت جالسا أستمع لسيدة الغناء العربى أم كلثوم فى أغنية أنت الحب , وتذكرت هذه المداعبة الرئاسية ولاسيما أن قائلها هو نفس الشخص الذى كسر بعزم ثابت وبخطى حازمة انجازات الأول, وأصبحت لازمة ثابته فى كلامه بعدما تولى وركب على سدة الحكم عبارات مثل : قلت لجمال.. وطلبت من جمال.. وحذرت جمال !! لدرجة أن المصريون الظرفاء البسطاء لم تفوتهم هذه الحركات القرعة وردوا عليها بنكته من العيار الثقيل وهى: جاء عبدالناصر للسادات فى المنام وقال له: يا أنور أنا مصدقك إنك إنت اللى عملت تنظيم الضباط الأحرار.. وإنت اللى قمت بالثورة.. لكن بذمتك ياراجل إنت كنت تقدر تنادينى باسمى كده حاف ؟؟!! .
وليس مستغربا أيضا أن يكون مبارك قد قال للسادات عندما عرف بولعه بأم كلثوم سيادتك عمرى !! حتى يفوز بحنان الرئيس المؤمن , وبعد أن تولى وجلس على كرسى العرش ليس مستبعدا أيضا أنه طلب ويطلب من الآخرين أن يعاملوه بنفس الرقة والحنية سواء بطريق مباشر أو غير مباشر. فنحن بشر نريد من يضخم فى "الأنا" الداخلية ولاسيما أن كل رؤساء مصر كانت خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية متواضعة وبالتالى عانوا فى حياتهم حتى كرمهم الله بالالتحاق بالجيش ومنه الى السلطة , ومع السلطة عاشوا حياة الرفاهية ونافسوا هارون الرشيد !! .
وكلما استمر الانسان وعشش فى السلطة , يزداد النفاق والفساد, بل تزيد جرعته لأن الحاكم كلما كبر فى السن يريد جرعة أكبر من النفاق حتى يحس بالاستقرار النفسى والتميز , وتمسك مبارك بالحكم الى مالانهاية هو أكبر تأكيد لوصف هذه الحالة , فالعملية بالنسبة له شخصيه أكبر منها قومية , فهو لسبب ما يتصور أن الشعب مدين له , وعليه فهو هنا لتحصيل هذا الدين , ولأنه يعلم جيدا وبالتجربة أن هذا الشعب لن يتذكره بالخير بعد ذهابه فهو يريد أن يترك ابنه مكانه حتى يضمن أن لايطوله أحدا من الظرفاء بنكته هنا أو قفشة هناك. كلها عمليات نفسية مرتبطة بالماضى والطفولة والتربية لاتظهر أعراضها الا بالتجربة والممارسة والشواهد واضحة.
ويصل النفاق الى قمته عندما يطالب استاذ جامعى - وخد بالك من استاذ جامعى دى من فضلك لأنه من المفروض أن يكون أكثر علما وفطنة - بسحب الجنسية المصرية عن الدكتور البرادعى !! ليه ؟ وعشان ايه ؟ هوه كده !! فهذا الاستاذ الجامعى يحاول ضرب عصفورين بحجر : الأول هو بالتأكيد يسعى للشهرة فى غمرة الغضب الرئاسى على البرادعى , والثانى لربما تقرب من الشلة وهبر منصب محترم فى هوجة التوريث .
والنفاق فن مثله مثل أى فن أخر يريد موهبة واستعداد وتمرين , لأنه بدون ذلك سيكون نفاق أقرع , وبصراحة أنا من رأييى أن منافقين هذه الأيام فى انحدار , فكما انحدر الغناء وانحدر الشعر وانحدرت الموسيقى وتقريبا انحدر كل شىء فى حياتنا انحدر النفاق وبات نفاق مكشوف ممل يخلوا من عنصر الظرافة والطرافة.
فمثلا : لو أن هناك منافق محترف من الرعيل الأول كان موجودا هذه الأيام لكان ربط مثلا موضوع البرادعى بموضوع الضربة الجوية الأولى وبالتالى كان حيفتح مجالات كثيرة للكلام الوطنى الكبير وكان من الممكن جدا أن تعدى على الناس ويهضموها , أو مثلا يربط انجازات البرادعى ويقارنها بموضوع الجسور والكبارى والأنفاق فى عصر الرئيس المبارك والتى بنيت بمساعدات أمريكية خالصة لوجه الله ,وكلها مشروعات قومية تستحق الاشادة .. مثلا .. ولكن على مايبدوا أن المنافقون مصابون بالاسكارس وفقر فى الذاكرة القومية فجاء الأداء ضعيف وهزيل ويبعث على السخرية .. والأهم أنه لم يشترى أحد بضاعتهم وزادت أسهم البرادعى فى سوق الانتخابات.
دعونى أنافق البرادعى قليلا فهو ليس صاحب سلطان وبالتالى يجوز عليه النفاق , سيدى ومولاى انت الرجل المطلوب لمصر فغربتك عن مصر هى فى الواقع تزيد من قوة موقفك لأنك عاصرت العالم المتقدم وتعرف كيف تسير الأمور فى هذا العالم وأنت تعلم أن القانون والحريات العامة والخاصة هى سيدة الموقف فى الغرب ولعل اللذين لم يخرجوا من مصر مازالوا يعيشون فى وهم محلى جدا ولايعرفون أن تدول السلطة والمسؤلية ليست منة من الحاكم ولكنها سلطة الشعب على الحاكم ,وأن الدستور له شقين القانونى والشرعى ولابد أن يكون شرعيا أولا حتى يكون قانونيا . استمر يامولاى فالمصريون بحاجة الى رجل خلاق مثلك ولاتهتم كثيرا بما يقوله السفهاء.
من نافلة القول أن نذكركم بأنه يوجد لمصر حوالى سبعة مليون مواطن فى الغرب , هم الأقدر على تحديد مشاكل مصر لأنهم يرونها عن بعد , ولأنهم تشربوا العادات الغربية وذاقوا الحرية والديموقراطية فهم الأجدر على نقل مصر الى مصاف الدول المتقدمة لو نظرنا اليهم بعين الحب وليس بعين الشك فليس كل مصرى عميل كما يحاول أن يصوره جماعة الداخل التى تتصور أن الوطنية قاصرة عليهم فقط تحت وطأة الفقر والذل والتهميش والهوان وبنظرتهم الضيقة للأمور يرون أنهم هم المصريون فقط أما المغتربون فهم غرباء وجواسيس , ونسوا أن المصرى سيكون دائما وأبدا وفيا لبلده ولو أعطيت له الفرصةالحقيقية سيكون هو أول جنود العطاء .
وفى نهاية هذه الكلمات فاكرين آمال فهمى لما سئلت واحد صنايعى فى برنامجها على الناصية عاوز تسمع ايه ؟ وقال لها : فاتن لامؤخدة حمامة !!
النهارده معظم المصريون ولامؤخذه عاوزين محمد البرادعى أو من هم على شاكلته .
تحياتى.
06/11/2014