الغربة
...............................................................
| |
الملك أحمد فؤاد | |
بقلم : غريب المنسى
........................
ليل الغربة أطول وأحلك من ليل الشتاء, ونحن هنا نتكلم عن غربة الناس العاديين الذين تفرقت بهم السبل حول العالم باحثين عن مستوى اقتصادى واجتماعى أفضل نسبيا عن اللذين لم تسمح لهم ظروفهم بالهجرة. طبعا نحن لانتكلم عن غربة أحمد زويل ولا البرادعى وغيرهم من المشاهير, ولكن نتكلم عن المهاجرين اللذين نزحوا من بلادهم وتعبوا وكافحوا ليثبتوا ذواتهم ومع ذلك يعيشون كمواطنين درجة ثانية أو درجة ثالثة فى بلاد الغربة.. كله حسب التساهيل وحسب توجهات الظواهرى , فكلما تحرك الظواهرى مترا فى جحور "تورا بورا" هبطت منزلة المهاجرين العرب حول العالم درجة أو درجتين فى السلم الاجتماعى الغربى .
المهاجرون العرب والمسلمين تورطوا فى غربتهم لأنهم مرتبطون بأولادهم اللذين نشأوا وتعلموا فى بلاد المهجر وأصبح ارتباطهم بالوطن الأم ارتباط عاطفى أكثر منه عمليا و"طناش" الدولة الأم لهم جعلهم فى وضع نفسى يحسدون عليه ويمكن أن نطلق عليهم " راقصى السلم" فهم مواطنين درجة ثانية فى غربتهم ومواطنين درجة ثالثة فى وطنهم الأصلى لبعدهم عنه ومع ذلك تجدهم أكثر حبا وتعاطفا مع الدولة الأم لأنهم بكل بساطة حرموا منها فى غمرة بعض قرارات الشباب الأولى وهاهم يدفعون الثمن الأن بعد أن تعدى عمر بعضهم الستين. ولكن يبقى المهاجر فى موقف قوى نسبيا لأنه يملك قرار العودة لوطنه فى أى وقت يشاء فجنسيته الأصلية لم تسقط عنه بالتقادم .
ولكن ماذا عن المهاجر الذى لايستطيع العودة الى وطنه الأصلى لأسباب سياسية ؟ لاشك أن مشكلة هؤلاء عميقة لأن الانسان لابد أن يكون منتمى لجذوره وعندما نقطع عنه هذه الجذور يكون حاله كمن يتنفس اصطناعى .. وهذا هو حال كل لاجىء سياسى فهو يعيش ويأكل ويشرب ولكن فى أعماقه حزن وشجن يصعب شرحه فى هذا المقام.
ماذكرنى بهذا الموضوع هو وفاة الأميرة فريال فاروق بنت ملك مصر السابق والذى طرد من مصر بعد الثورة ولم يسمح له بالعودة الى وطنه الا فى نعش , حتى هذا تم بوساطة دولية !! وترك أولاده وأحفاده يعانون من صقيع أوروبا وقسوتها حتى سمح لهم الرئيس السادات بالعودة الى مصر بلدهم , وسعدنا ونحن نرى ملك مصر الأخير أحمد فؤاد فاروق يستقبل جثمان أخته فى القاهرة ويدفنها بجوار والدها كما يقضى العرف , ولكنى تألمت كثيرا عندما عرفت كيف جارت الغربة عليهم وكيف أنهم واجهوا صعوبات اقتصادية ولم ينقذهم منها الا الأمير عبد العزيز بن فهد.
وهذا ينقلنا الى موضوع مهم جدا وهو ماذنب أولاد الملوك والرؤساء السابقين حتى يعاملوا بجحود وتزوير لتاريخ أسرتهم ؟ وماذنبهم حتى لاتعاملهم الدولة بكل احترام وتقدير حتى وان اختلفنا مع سياسات أبائهم ؟ وكيف لايكون هناك كود معلن فى معاملة هؤلاء معاملة اسثنائيه ؟ فملك مصر السابق أحمد فؤاد كان يعمل سمسار عقارات فى سويسرا وحاليا لانعرف ماذا يعمل ؟ وهذا طبعا لايمنعنا من السؤال عن أولاد وذرية الرئيس محمد نجيب والرئيس عبد الناصر والرئيس السادات فهؤلاء ارث قومى ينبغى علينا أن نحترمه وأن نيسر لهم السبل فى حياة كريمة.
طبعا من ضمن أمراضنا الدفينه هو أننا نحترم ماهو حاضر ونلعن الغائب وهذا ماحدث بالضبط ففى عهد عبد الناصر لعنا جدود فاروق وفى عهد السادات لعنا جدود عبد الناصر وفاروق وفى عهد مبارك لعنا جدود ليس فقط الحكام السابقين ولكن رؤساء الوزرات والوزراء ووكلاء الوزرات السابقة حتى امتدت يد النذالة للعن الشعب الرذل الذى يتكاثر !! وهنا لابد أن نذكر شيئا مهما جدا وهو أن أى حاكم يتصرف طبقا للظروف المحيطة بعصره وحتى ان قصر فهو لم يقصر عن عمد ولذلك لابد أن يشمل العفو التاريخى أولاده وأحفاده من المهاترات التاريخية , فهم أولا وأخيرا بشر ومواطنين كان قدرهم أن يكونوا من عائلة الحكام.
المواطن العادى أحيانا يسئل ماذا حدث مع أولاد محمد نجيب ؟ وأولاد عبد الناصر؟ وأولاد السادات ؟ لأن الشعب بطبيعته الفطرية يريد أن يطمئن على جيرانه وأصدقاؤه القدامى وطبعا الاعلام المسيس ينسى أولاد وعائلة السابق ويهتم جدا بعائلة الحالى, وفى غمرة التسيس ننسى أن للسابقون أفضالا علينا مهما اختلفنا معهم لأنهم بكل بساطة رجال غير عاديون دخلوا التاريخ وعلينا أن نتعامل مع التاريخ بكل حيادية واحترام بعيدا عن السياسة .
والأن واجب علينا أن نرحب بأولاد وأحفاد الملك فاروق ونرحب بأولاد وأحفاد محمد نجيب ونرحب بأولاد وأحفاد عبد الناصر ونرحب بأولاد وأحفاد السادات ونرحب بأولاد وأحفاد كل مصرى عانى من الغربة والنسيان فمصر للجميع .. وأرضها واسعة ولكن للأسف عندما يحل القضاء يضيق الفضاء.