الجائزة المشمومة
...............................................................
بقلم : غريب المنسى
........................
| |
الدكتور هانز كـونج | |
يبدأ الموسم الاعلامى الحزين دائما فى مصر فى شهر أبريل من كل عام بالاحتفال بعيد ميلاد فخامة الرئيس ليدخل بعدها فى تحليل هزيمة يونيو وينتقل بعدها مباشرة ليدخل فى تحليل ثورة يوليو وبعدهما ينتقل للفتوى فى حرب أكتوبر والأسرار الجديدة التى تكتشف كل عام . وعلى الرغم من تكرار نفس الهجوم ونفس التأييد ونفس التحليل لهذه الاحداث التاريخية وبأسلوب ونمط واحد حتى أنه لم يعد هناك جديدا يستحق المناظرة عن ماضينا الحديث , فعبد الناصر والسادات قد شبعوا هجوما وتأييدا وموتا!! والبعض مازال يراهم أبطالا والبعض الأخر يراهم غير ذلك على الاطلاق . هذه الرؤيا والتباين فى الاراء والتحليلات ستستمر الى يوم الدين !! فهل سيكون هناك جديدا ؟! أغلب الظن .. لا .
هذه هى المناسبات الثابته والتى أصبحت واقع.. ولكن هناك مناسبات أخرى متغيرة تساعد على تسلية الجمهور فهناك دائما وأبدا مشاكل غزة وهى مصدر رئيسى لتغذية الأخبار وللتسلية وضمان عمل للمحررين .. وكلما كان الهجوم الاسرائيلى فظيع على غزة كلما كانت التسلية كاملة وشاملة ودرامية وتحقق نسبة اشغال عالية للعاملين على تسلية الجمهور العربى من المحيط الى الهدير !! . وعندما تهدأ الاحداث قليلا فى غزة تبدأ الآلة الاعلامية الجهنمية فى التسليط على حدث آخر حتى تضمن شد وتسلية الجمهور المخلص القابع فى غرف المعيشة والمتعطش للأخبار والنميمة.
وهنا قد لانختلف كثيرا على أن الاعلام العربى وصل للعالمية فى التغطية والتسلية والابهار ولكنه فشل ذريعا فى نقل قضايانا الى دائرة التعاطف العالمى ومنافسة الاعلام الصهيونى الذى يعتمد على علم النفس فى مخاطبة وعى المتلقى . فنحن نستخدم نفس التكنولوجيا ونفس مساحات الفضاء ونعتمد على نخب اعلامية مدربة ولكن مازلنا هواة فى مجال الاعلام الدولى لأننا بكل بساطة لم نولد للتعبير ولكننا ولدنا للصراخ والبكاء على الماضى وليس لدينا أدنى أمل فى المستقبل .هذا ببساطة هو الخطاب الرسمى والاعلامى والشعبى فى بر العرب. فنحن متشائمون حكومات وشعوبا.
| |
الدكتور سيد القمنى | |
والموسم الاعلامى المتغير فى مصر بدأ بداية ساخنة هذا العام بعد الاعلان عن الفائزين بجائزة الدولة التقديرية وهى جائزة تمنحها الدولة للعلماء والمفكرين والكتاب اللذين أسهموا بمجهود مميز من خلال رحلة عطاء علمى وادبى ودينى على مر السنين . والموسم بدأ ساخنا هذا العام لأن من بين الاسماء التى فازت بالجائزة كان سيد القمنى . فالبعض يلقبونه بالدكتور سيد الحاصل على درجة الدكتوراة فى علم الاجتماع الاسلامى والبعض يقول أنه نصاب مزور لم يحصل حتى على الماجستير !! وأصبحت المهزلة حقا من النوع الذى يمكن أن نطلق عليه " قمنى جيت" ففى دولة مثل مصر وفى دائرة محدودة كدائرة الكتاب والمفكرين المرشحين للحصول على جائزة بهذا الحجم الكبير لابد من التساؤل البرىء : كيف يفوت على مباحث وزارة الثقافة أن المرشح بدون دكتوراه ؟؟ !! وحتى تكون الاثارة لها طعم امتدت يد الهجوم لتشمل وزير الثقافة وساعى مكتب وزير الثقافة وسائق وزير الثقافة .. وزيادة فى البهارات شملت النظام السياسى الذى مكن وزير الثقافة من الركوب لمدة ربع قرن على عنق الحياة الثقافية والتى حولها سيادته تدريجيا الى وزارة علمانية ماركسية كافرة فى دولة مسلمة بنص الدستور .
وخرج علينا سيد القمنى فى الفضائيات "يهاتى" و "يلالى" وحيدا ويشرح لنا ماسبق أن قرأناه ويؤكد لنا أنه جدير بالجائزة لأنه داعية لقراءة الاسلام بروح جديدة تتماشى مع الحداثة. وهو يقصد طبعا الحداثة التى نادت بها واشنطن بعد أحداث سبتمبر !! فهو فى الواقع لم يأتى بجديد فى كتاباته وهذا ماسأوضحه لاحقا ولكن هنا أريد أن أشرح المهزلة من الخارج قبل أن نتناول الشق الداخلى لها . نقول أن العملية فرقت مع سيد القمنى حوالى سنتين وهى الفترة التى كان "بوش ورايس" فى المكتب البيضاوى . فلو أن بوش كان مازال راكبا لكنا سمعنا بيانا بيضاوى ينادى بضرورة حرية الفكر فى مصر ولكانت جاءت الأوامر العليا من واشنطن بعدم التعرض ليتامى "كوندى" فهم مفكرين من الطراز السابق لعصره. وأنه .. وأكرر.. وأنه ينبغى على الشعوب الاسلامية أن تغير من نوع الحشيش الذى تتعاطاه قبل قراءة أعمال هؤلاء المفكرين العظام اللذين ينادون بالحداثة.
أقول فرقت سنتين مع سيد القمنى لأنه بذهاب "بوش وكوندى" قطعت عنه خطوط المعونة والمؤازرة وبقى سيد القمنى وحيدا فى ساحة الفضاء والقضاء يواجه الشيخ يوسف البدرى ويواجه الشقيقان "سلطان" فى جريدة المصريون فى تحقيقات صحفية تضارع تحقيقات "بوب وودورد" الشهيرة والتى أطاحت "بنيكسون" فى ووتر جيت. ولكن لنكن واقعيين .. فمصر ليست الولايات المتحدة وبالتالى فمن الصعب سحب جائزة الدولة التقديرية من سيد القمنى لأن هذا معناه سقوط الوزير وفى الدول المحترمة لابد أن تسقط الوزارة بالكامل وهذا لن يحدث على الأقل فى عصر الرئيس مبارك . وهنا تعالوا نتعامل مع الواقع ونتمسك بوجهة نظر وزير الثقافة المصرى الرسمية وهى أن الدكتور سيد القمنى من ضمن أولئك المفكرين اللذين ناقشوا الاسلام بطرق علمية غابت حتى عن علماء الأزهر .
بداية لابد أن نتفق على أن المفكر أوالكاتب أوالمثقف هو نتيجة طبيعية للمجتمع الذى نشأ فيه . وكلما ارتبط الكاتب بواقعه كلما كان أكثر تأثيرا ومصداقية. والكتابة فى الدين أو عن الدين هى موضوع صعب له محاذيره ولايكفى أن يكون الكاتب من حملة الدكتوراه للتصدى لأى موضوع دينى ,والمشكلة التى عانينا منها جميعا فى الفترة الأخيرة هى أن بعض مفكرينا وكتابنا وبالذات بعد أحداث سبتمبر أصبح لهم طموح عالمى وأصبحوا "مفكرى شنطة " وتولدت لديهم رغبة جامحة فى القفز على رؤؤس العباد للوصول لمتربة عالمية خيالية مستغليين الأوضاع العالمية السائدة فى تحقيق مأرب شخصية .. فسيد القمنى فى قرارة نفسه لايقل أهمية عن "هننجتون" !! وهو أيضا يرى أن "فوكوياما " مجرد رجل محظوظ !! وأقصر الطرق لتحقيق العالمية من وجهة نظره هو محاولة مداهنة الغرب فى تشويه الدين الاسلامى وهدم العقيدة تحت أسماء ومسميات كثيرة فهو أولا وأخيرا شاهد من أهلها !! وقد يضفى ذلك بعض من المصداقية على كلامه لدى الغرب. وطالما أن حرية الفكر وحرية النقاش وحرية التعبير حق دستورى وحق دولى يضمنه له البيت الأبيض فى هذه الحقبة شديدة السواد . فما المانع من ركوب الموجه مع الراكبين؟ وتشويه الاسلام بدواعى النقد والحداثة وهذا سيضمن له اسم تجارى وشهرة فى الغرب ستساعده كثيرا فى الخروج من المحلية الى العالمية ولربما فاز بشهرة تضارع "فوكوياما" أو "هننجتون" !!
والأمر الذى يدعوا على الضحك هو أننا لو عقدنا مقارنة بين المفكريين الغربيين والمفكريين الشرقيين اللذين تناولوا الاسلام فى تحليلاتهم لاكتشفنا شىء بديهى جدا وهو أن الغربيين بدأوا من الكليات ليصلوا الى الجزئيات أما مفكرينا فيبدأون من الجزئيات ليصلوا الى الكليات فى عملية تقليد وتشويه واقتباس مبتسر لما توصل اليه المستشرقون منذ أمد طويل وأدق تشبيه بلاغى لهذا الحال هو وصف الدكتور نهرو طنطاوى لمفكرينا الأعزاء بقوله " انهم دائما يبحثون عن الاسلام فى داخل حاوية زبالة المسلمين.. انتهى.
وأكبر دليل على سطحية مفكرينا هو كلام الدكتور هانز كـونج Hans Kung فى كتابه الإسلام: الماضي والحاضر والمستقبل. Islam: Future& Past, Present فالرجل يحمل درجة دكتوراه حقيقية وليست مضروبة !! ومارس عمله الاهوتى فى الكنيسة و له كتابان سابقان عن المسيحية واليهودية أغضبا الفاتيكان ولم يعرف عنه أنه متزلف على الأقل للعرب!! يقول فى كتابه عن الاسلام : " الاسلام دين جيد ساعد فى تهذيب الشخصية العربية فى فترة وجيزة بالقياس بالمسيحية التى استغرقت وقت أطول لتحقيق نفس الغرض فى الغرب . ويمضى قائلا أن قصور الاسلام فى الانتقال الى مرحلة الحداثة – وهو يقصد بالحداثة الواقع اليومى الأن – يعود لعدة أسباب منها : جهل وقصور بعض من علماء الاسلام , وطمع وجشع بعض من أغنياء المسلمين المفترض فيهم أنهم قدوة حسنة واستبداد الأنظمة السياسية التى لم تهتم جيدا بالمستوى التعليمى والاجتماعى والصحى للمسلمين .
لم يذهب الدكتور "هانز كونج" بعيدا ليناقش قضايا هلامية سفسطائية ولكنه ركز على السبب الأساسى لمشكلة المسلمين اليوم , ومشكلة الاسلام اليوم مع الحداثة لأنه مقتنع أن الاسلام دين قادر على التطور المستمر ليواكب الزمان والمكان وهو لم يقل هذا الكلام ليرضى أحدا ولكن هذه النتائج فرضت عليه من خلال طبيعة البحث العلمى المنهجى المنظم والامانة العلمية والضمير الانسانى .
ماذا لو أن الدكتور "هانز كونج" كان قد استخدم كتب وابحاث السيد القمنى كمصادر بحثية ومرجعية منهجية للتوصل للحقيقة الأزلية فى موجهة السطوة الشيطانية للبعد الأنى فى الحضن الدافى للوصول لحل مشاكل الكنافة فى عصر الحداثة وعلاقة سليمان ابن ابى خليعة فى مواجهة سلعوة بن المكلوم وحربهم الضروس من أجل الفوز بعنزة بنت أبى شحرور؟
أغلب الظن أن الرجل كان سيتصل بالسفير المصرى فى سويسرا ليطلب منه رقم وايميل مدير مستشفى العباسية للأمراض العقلية !
مصرنا ©