مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 العسكر والسلطة
...............................................................

بقلم : غريب المنسى
......................


من ضمن الأخطاء الشائعة لدى النخبة الواعية فى عالمنا العربى هى عدم الدقة فى تشخيص الحالة السياسية المرضية التى نحياها جميعا واستخدامهم لكلام مرسل مطاط لتصوير الواقع وقد يكون هذا مبعثه الخوف, فالخوف والصراحة لايجتمعان فى قلب المثقف الواعى الحريص على مستقبل أمته ووطنه وبلده!! , وعليه فقد استمرت وستستمر الأمور لدينا هلامية مترهلة يمكن الاحساس بها ولايمكن وصفها بدقة . و لايمكن أن تكون هناك أية حلول ايجابية على الاطلاق فى ظل هذه الهلامية , لأن تحديد المشكلة بدقة هو الذى يدفعنا لتصور حل ناجع لها .. وهذا للأسف هو واقع النخبة المثقفة فى عالمنا العربى عموما وفى مصر تحديدا ... ضبابية فى التفكير والرؤية وانسلاخ عن الواقع وضعف فى اقناع الجموع بالخطر المحيق .

فى مصر مثلا .. استخدمت هذه النخبة كلمة "العصابة الحاكمة" كوصف مرسل للمجموعة التى تحكم مصر منذ مايقرب من ثلث قرن من الزمان واعتمدت على ذكاء القارىء فى أن يحدد كما يحلوا له هذه العصابة ولم تحدد له دوره وواجباته وحقوقه فى مواجهة سطوتها!! والقارىء الذى هو مواطن مطحون محدود الأفق ولايملك من أمره شيئا وتحت ضغط الجوع لم يصله المعنى بل لم يكترث, والواقع يقول أن هذه العصابة تكيفت مع هذا الوصف وافترضت أنه يقصد عصابة أخرى غيرها فالعصابات كثيرة !! وهذا مادفعهم للمضى قدما فى تنفيذ مخططات شيطانية سوف تنعكس نتائجها بلا أدنى شك على الأجيال القادمة. ومن أخطر هذه المخططات مشروع التوريث بمباركة اسرائيل والسعودية.

المواطن العربى عموما يواجه مشروعين خطيرين لايملك حيالهم أى قرار ,الأول خارجى وهو المشروع الصهيونى الذى يقضى بتفتيت العالم العربى الى دويلات مهمشة تابعة ذليلة للغرب, ومشروع داخلى صهيونى أيضا هدفه تسليم السلطة لمن لايستحقها ولمن لايقدر على تضحياتها , واقصاء كل القيادات والعقول والقدرات الوطنية عن مناطق النفوذ وبالتالى يتحكم الغير مؤهلين والمعوقين فى مقدرات هذه الشعوب وعندئذ ستكون النتائج مبشرة ومطمئة للمشرفين على هذا المشروع , فهذه الخطط سوف تؤدى الى ذهاب هذا العالم العربى الى غياهب التشرذم والتخلف والضياع .

 وعندما ينظر الانسان الواعى الى مستقبل مصر فى ظل هذه الظروف المخيفة لابد أن يصاب بالهلع والخوف واليأس, فمصر سائرة فى الاتجاه الخاطىء تماما ولأن مصر هى محرك القاطرة العربية فأن مستقبل الأمة العربية فى سبيله للتدهور عما هو عليه الأن , ويعلم الله وحده الى أى منخفض سيكون مصير أولادنا وأحفادنا فى ظل هذه الرعونة والأنانية والاستهتار.

ومن ضمن العبارات المرسلة أيضا هى كلمة " حكم العسكر" ويستخدمها بعض المغيبين عن الواقع فى التهكم واتهام القيادات العسكرية بعدم القدرة على القيادة السياسية بالمقارنة بالتكنوقراط !! وهذا أيضا من ضمن الأخطاء الشائعة عن عمد !! لأن العسكر هم الأقدر تاريخيا على الحكم فى دول العالم الثالث الذى يعانى من غياب آلة الادارة الحديثة والمتمثلة فى مؤسسات مستقلة تعمل جنبا الى جنب فى هرمونية لتوفير انتخابات نزيهة ونظام اجتماعى شامل يخلق وعى عام لدى الشعب الذى هو صاحب السلطات. ففى الدول المتقدمة لايهم من يجلس على قمة الهرم لأن "السيستم" هناك موجود فعلا ,أما عندنا فلابد أن يكون هناك قائدا يحرك هذا "السيستم" يدويا نظرا لأننا لم نصل الى حتى "سيستم" نصف أوتوماتيكى بعد.

والمتابع لأحوال مصر يفاجىء بالاعداد الهائلة لضباط الجيش المتقاعدين عن الخدمة والذى تخلص منهم النظام فى عز العطاء والشباب وهذه القيادات العسكرية تكلفت الكثير من ميزانية الدولة فى اعدادها وهى قيادات كفيلة فى ظل خطة قومية شاملة واضحة المعالم بنقل مصر الى مكانة مميزة !! ولكن طبقا لهذا المخطط الاخصائى المعد بحرفية عالية قد أحيلت هذه القيادات للتقاعد حتى تفسح المجال أمام الأطفال والمعوقين وأنصاف الرجال فى القيادة .

فعندما يتخرج الضابط الحديث من الكلية العسكرية برتبة ملازم مثلا يكون مهيئا علميا وسيكولوجيا لقيادة وتوجية عشرة قرى على الأقل وكلما زادت خبرته كلما زادت قدرته على القيادة فالنقيب مثلا يمكنه ادارة مدينة صغيرة وهكذا حتى نصل للقيادات المتوسطة والتى تبدا من رتبة المقدم . والنظام الحالى يتخلص من هذه الكفاءت فى هذه الرتبة بالذات. أما أن يكون هناك عقيدا أو عميدا أو لواء قد نجح فى تخطى مخطط التقاعد فقد تمت السيطرة عليه من خلال ترويضه والتأكد من ولائه التام للنظام على الطريقة السعودية وأن طموحه لايتعدى الوظيفة وهذه الشخصيات المروضة قهرا هى التى لديها القدرة الفعلية على حكم مصر لأنهم تلقوا دورات متقدمة فى علم الادارة والسيطرة والاستيراتيجية نظريا وعمليا , هذه الدراسات لم تتوفر أساسا للحاصلين على درجة الدكتوراة من التكنوقراط . ولو توفرت لبعض هذه الشخصيات الفرصة لقيادة مركب مصر السائرة فى الاتجاه الخاطىء سيكونون هم الأقدر على نقل مصر الى أفاق القرن الواحد والعشرين .

وهنا نعود للسؤال الرئيسى والمنطقى .. هل مستقبل مصر فى ظل قيادة العسكر أم قيادة التكنوقراط ؟ أو بمعنى آخر هل الرهان على المؤسسة العسكرية مازال له بريق الماضى علما بأن المؤسسة العسكرية اتهمت بالدكتاتورية الشديدة فى الحكم وبالذات بعد موت عبد الناصر وبالتالى هل الموقف الأن فى صالح التكنوقراط للقفز على السلطة بمساعدة المتروضين من العسكر والاخوان المسلمين اللذين يكرهون العسكر ؟

التاريخ يقول : لقد كان ايزنهاور أنجح رئيس أمريكى عسكريا وكان قائدا للقوات الأمريكية فى الحرب العالمية الثانية وكان عبد الناصر عسكريا والسادات عسكريا وحتى مبارك والذى يهاجم نظامه الأن العسكر فى سبيل التوريث كان عسكريا ولم يكن له بأى حال من الأحوال أن يصل للسلطة لو أنه كان من خارج هذه المؤسسة. وفى دولة محورية مثل مصر لم يثبت أى حزب أو تنظيم أو جماعة أنه أهل للقيادة لسببين. السبب الأول أنهم لم يعطوا الفرصة المناسبة للقيادة فى ظل غياب الديموقراطية , والسبب الثانى أن اسرائيل تقف بالمرصاد لمن يحاول أن يصل للسلطة فى مصر فهى تريد تأكيد مسبق بالموافقة على استمرار معاهدة السلام معها الأمر الذى فشل فى تأكيده الأخوان المسلمين لمندوب المخابرات المركزية وبالتالى وطبقا لكل ماهو معروض أمامنا فكل الطرق تؤدى الى جمال مبارك لأنه خيار اسرائيلى صهيونى أولا واخيرا.

ولكن الواقع يقول أن جمال مبارك ليس هو الخيار المناسب لمصر وتاريخها وشعبها وبالتالى سنعود للمربع رقم واحد وهو المؤسسة العسكرية . لابد أن تكون هناك شخصية عسكرية فى الصورة حتى يكون هناك التأييد الشعبى لأن الشعب مازال يثق فى قيادات جيشه ولابد أن تستعين هذه الشخصية بكافة القوى المصرية سواء كانت تنظيمات أو جماعات أو أفراد فى صياغة دستور جديد يناسب العصر وأن يعطى هذا الدستور صلاحيات معينة للرئيس تكون مراقبة من ممثلى الشعب . وممثلى الشعب لابد أن يكونوا من الصفوة المتعلمة الواعية وتنتهي للأبد حكاية (حصة العمال والفلاحين) فهي لا تناسب هذا العصر .

تعالوا نفترض جدلا أن مشروع التوريث نجح فى ايصال جمال مبارك للسلطة بكل السبل المتاحة للنظام ضد ارادة الشعب وضد ارادة كل القوى الوطنية الواعية التى ترى بوضوح الخطر المحيق بمصر, فهل هذا كفيل بأن يضمن أن يكون نظام جمال مبارك أحسن حالا من نظام أبيه؟ اذا وصل جمال مبارك الى السلطة فسيكون نظامه عبارة عن دولة بوليسية توزع فيها المناصب على المنحطين والمطبلين والمنافقين , هذا فضلا عن أنه سيكون العميل الأكبر للصهيونية فى العالم العربى وبالتالى سنفقد الأمل فى أى تغيير ديموقراطى حقيقى وسنفقد الأمل تماما فى استقلال مصر واعتمادها على سواعد وعقول أبنائها وسيتبخر حلمنا فى أن نكون دولة تريد أن تلحق بركب القرن الواحد والعشرين .

العسكر هم الخيار الطبيعى لشعب حر فى العالم الثالث..

 

موضوع له علاقة : قوات الجيش المصري

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية