القرار المصرى
...............................................................
| |
الرئيس مبارك | |
بقلم : غريب المنسى
......................
لايختلف عاقلان على ضرورة الوقوف صفا واحدا ومساندة الأهل فى غزة ولقد بكينا جميعا على صور الأطفال القتلى والتدمير فى غزة نتيجة الغارات الاسرائيلية الوحشية على القطاع . ولكن دائما وأبدا نختلف على الطريقة المثلى للمساندة. فكل المعروض على المائدة هو مجرد صريخ وعويل حنجورى ناتج عن عواطف وليس حسابات ربح وخسارة . وفى ظل الوضع الدولى المتكهرب حولنا لابد أن نكون أهل جمع وطرح وقسمة حتى نخرج من هذه المحنة بدون حرق كل أوراقنا السياسية . والسؤال الصعب الذى كان امام القيادة السياسية المصرية هو : كيف تنقذ غريقا ؟ هل تلقى بنفسك ورائه وتغرق معه ؟ أم تتبع العقل وتفكر قبل أن تلقى بنفسك لنجدته؟ ثمة نظريات واجابات مختلفة على هذا التساؤل و لكن اذا أعادنا صيغة السؤال مرة أخرى بطريقة مختلفة : كيف تنقذ غريقا حذرته مرارا وتكرارا من خطورة نزول البحر بدون تعلم السباحة ؟ ستكون الاجابة القاطعة اتركه يغرق حتى يتعلم الدرس .
والدروس فى الصراع العربى الاسرائيلى هى دروس بالذخيرة الحية ليس فيها مجالا للمغامرة والرعونة والاستهتار ودغدغة مشاعر الجماهير . ونحن وان كنا نتفهم سر غضب الجموع الغفيرة من الشعب العربى من القرار المصرى بعدم فتح معبر رفح للأخوة فى غزة حتى تكون قناة اتصالهم بالعالم الخارجى مفتوحة فمصر هى الأخت الكبرى التى يطلب منها الجميع أن تكون مثالا يحتذى به وهذا هو قدر مصر وواجبها ونحن على يقين أن مصر لن تتخلى عن الأهل فى غزة الا انه ينبغى علينا بدافع وطنى محايد من توضيح بعض الأمور حتى لايكون الغضب على مصر وقرارها بدون مبرر .
هناك سيناريوهان لفتح معبر رفح:
السيناريو الأول فتح غير مشروط وهذا الذى تنادى به الجماهير العربية وقيادة حماس. والسيناريو الثانى هو الفتح المشروط والذى يخضع للرقابة والقانون. وهذا السيناريو وان كان لا يتمتع بالشعبية فى الشارع العربى الا أنه الأضمن على المدى الطويل لصالح كل الأطراف. دعونى اشرح ..
السيناريو الأول : وهو الفتح غير المشروط سيجعل المنطقة التى تحيط بالمعبر مصدر للجريمة والتهريب وسيجعل المنطقة ملجأ دافى لعناصر القاعدة هذا واذا وضعنا فى الاعتبار أن علماء حماس العسكريين لديهم القدرة على تحويل الدقيق الى "انتراكس" وحليب الأطفال الى "غاز السارينا" وعلب السردين الى قنابل عابرة للقارات فهذا سيحول سيناء الى منطقة شبيهة بالحدود بين باكستان وأفغانستان وسينقل الجيش الأمريكى الى سيناء لمحاربة الارهاب !! وهذا التصرف العاطفى بناء على رغبة الجماهير بالاضافة الى أنه سيؤلب المجتمع الدولى على القيادة المصرية الا أنه اجلا أو عاجلا سيغلق هذا المعبر تحت الضغوط الدولية والأمريكية والاسرائيلية وبالقوة العسكرية وسنعود جميعا للمربع رقم واحد وهو : لاتوجد قناة اتصال بين غزة والعالم الخارجى بعيدا عن سيطرة اسرائيل. وبكل تجرد وصراحة لابد أن نضع فى الحسبان أن القيادة المصرية لها عنوان بريدى معروف للعالم أما قيادة حماس فهى تحت الأرض!! وبالتالى فهذا السيناريو لو تم سيضع مصر فى موقف عدائى مع المجتمع الدولى ونحن وجميع الوطنيين لانريد ذلك اطلاقا.
أما السيناريو الثانى : وهو الفتح المشروط الخاضع للرقابة والقانون فهو سيناريو مقبول ولن تقبل به اسرائيل والولايات المتحدة الا لثقتهم فى أمانة الموقف المصرى وجديته . ويمكن أن يخضع المعبر لاشراف قوات عربية أو قوات دولية أو قوات مصرية أو كلهم وبالتالى سيتأكد المجتمع الدولى من عبور مايستحق العبور للأهل فى غزة من الجانب المصرى .هذا فضلا على أنه سيكون مفتوحا الى مالانهاية وسيضع مصر فى مكان قوى أمام المجتمع الدولى وبالتالى يخف الضغط على الجانب الفلسطينى فى قطاع غزة.
لاشك ان حماس آجلا أم عاجلا سترجع الى المربع رقم واحد وهو مربع العقل .والحقيقة البديهية أنه لن يكون هناك حلا للقضية الفلسطينية الا اذا استخدمت حماس العقل وجلست مع عباس وتوصلوا الى حل .. فالواقع الدولى والاقليمى لن يسمح بوجود حركات اسلامية مسلحة تهدد أمن اسرائيل وتهدد أمن مصر وتهدد أمن العالم وتجعل من منطقة سيناء نقطة انطلاق اسلامى . كنت أتمنى أن أقول عكس ذلك ولكن هذه هى قرأتى للواقع .. لن يسمح المجتمع الدولى بمثل هذا التفكير الثورى العربى الاسلامى وأكرر .. لن يسمح بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية !! فلاداعى أن نلقى بأنفسنا فى البحر بدون تعلم العوم أو أن نلقى بأنفسنا أمام القطار على أمل أن ندخل الجنة ونحن فى الواقع سنكون منتحرين !!
مرة أخرى أثبتت القيادة المصرية صحة قرأتها للواقع . ولهذا نطلب من القيادة المصرية فتح المعبر فتحا مشروطا .
قال نزار: إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ ..لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ .. السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخمُ من أصواتنا
وسيفُنا أطولُ من قاماتنا
مصرنا ©