الخطه – الجزء الثالث
...............................................................
بقلم : غريب المنسى
......................
استيقظ الرئيس فى يوم عيد ميلاده الخامس والثمانين " خائف يرتجف ومقبوض القلب ويتصبب عرقا " وغير راغب فى أن يغادر غرفة نومه على غير عادته .. فتلعثم طاقم الحراسة الخاص بالرئيس والذى يتفوق فى عدده وتسليحه عن حرس الرئيس الأمريكى شخصيا .. وحدث هرج ومرج فى قصر الرئاسة وعلى الفورأستدعوا له الدكتور "لبيب محمود العاقل" كبير أطباء الرئاسة الذى جاء مهرولا وسارع بقياس الضغط والنبض والكشف على حدقة العينين وطبلة الأذن والفم والحلقوم للرئيس!! ولم يجدالدكتور لبيب شيئأ اكلينيكيا غير طبيعى وسأل الرئيس سؤال روتينى عما تناوله من طعام بالأمس وكيف كان عمق نومه ليلة البارحة؟ .. فهذه كلها معلومات تساعده فى تشخيص الحالة مبدئيا ريثما يتم عمل التحاليل والاشاعات اللازمة اذا تطلب الأمر .. تنفس الدكتور لبيب الصعداء عندما علم أن الرئيس تناول وجبة خفيفة قبل النوم ..ولكن نومه كان متقطع وملىء بالهواجس المرعبة الأمر الذى جعل الرئيس يصحو من نومه على هذه الحالة الغريبة والتى شخصها الدكتور لبيب على أنها “Compulsive fear disorder syndrome” وهى حالى تنتاب معظم من يبدأ الضمير فى تعذيبهم لكثرة ماأرتكبوه من خطايا وأخطاء!! والمصاب بهذه الحالة عادة مايكون واقع تحت ضغط نفسى وعصبى شديد فى محيط العمل والأسرة والمجتمع .
- سيدى الرئيس هذا هو تعريفها الطبى العلمى ولكننا هنا فى مصر نسميها للعوام على أنها " عقدة بهية وسيد أحمد !! "
- هل أنت كبير أطباء الرئاسة أم حانوتى ؟ بهية ايه ؟ وسيد أحمد ايه ياراجل ياكفته ؟ هكذا قال الرئيس .
- سيدى الرئيس أنا أريد أن أبسط لك المعلومات الطبية بأسلوب مفهوم فكما تعرف سيادتكم أن المصطلحات الطبية صعبة على الفهم والهضم ولاتعنى شيئا للمريض على الاطلاق وتترك علامات استفهام سلبية فى عقل ونفسية المريض دائما .
- ومنكم نستفيد يالبيب .. ماهى عقدة "بهية وسيد أحمد " التى أعانى منها ؟ يادكتور الغبرة !!
- بهية ياسيدى الرئيس كانت امرأة شريفة من الأشراف وتزوجها سيد أحمد المكارالذى سارع بالاستيلاء على ذهبها وأموالها وميراثها ليكون امبراطورية تجارية ..وعندما نجح فى مشاريعه وأصبح من كبار تجار قريته رمى بهية للمجهول وتزوج صبية فى عمر بناته ولم يتذكر تضحيات بهية ولا شبابها الذى ضاع من أجله .. لقد مات عنده الضمير والنخوة .. ولكن بهية الشابة والصبية فى قلبها قررت أن تلقن سيد أحمد الدرس الأبدى وبلغة يفهمها هو ومن على شاكلته !! فلقد قطعته بهية اربا اربا والقت بلحمه للقطط والكلاب الضالة .. هكذا وبكل بساطه .
- جيبت الكلام ده منين يالبيب ؟ يالك من معارض حقود رذل !!
- سيدى الرئيس لقد بلغت سيادتك من العمر عتيه ولم يبقى من عمرك أكثر مما ذهب وسيادتك تعانى من عقدة بهية وسيد أحمد وأنا أعرف جيدا أنه لايوجد بجوارك من هو يستطيع ان يسدى لك النصيحة المجردة فهيبة الرئاسة تمنع الصراحة ولكنك ياسيدى الرئيس فعلا تريد نصيحة ولكن كبريائك يمنعك من طلب النصيحة ولهذا السبب أنا ياسيدى الرئيس سأتكلم نيابة عن ثمانين مليون خائف مضام وهذا لأننى مصريا أولا وطبيبا ثانيا وعجوزا ثالثا .. سيدى الرئيس لابد أن تفتح قلبك معى فالأمر خطير وصمتك هو سر مرضك ونحن هنا لخدمتك ومساعدتك .. !!
- يالبيب لقد قطعت بمشرطك وكلماتك سرطان الهواجس والخوف الذى أعانى منه .. لايوجد هنا من يستطيع أن أشرح له سر متاعبى الشخصية فأنا كبير العائلة الذى لايصح له الشكوى والمطلوب منه ايجاد حل لكل المشاكل !! ودائما ماينسى الشعب أننى أب وزوج وجد وبشر مثل باقى البشر .. لقد حكم على القدر أن أكون فى هذا المنصب الذى كان براقا عندما كنت شبابا ولكن هذا المنصب أصبح سجن ومعتقل لى كلما أصبحت قاب قوسين أو أدنى من القبر الذى أعلم أننى حتما ذاهبا اليه فى خلال بضعة أعوام !! قل لى يالبيب ماذا يريد الشعب منى بعدما ظلمته كل هذه السنين؟ فأنا معزول ولا أسمع الا مايريد المساعدين لى أن أسمعه !! يالبيب أنا تحت ضغط شديد من زوجتى وأولادى وهم الذين يروجون ويخططون للتوريث .. أما أنا داخليا غير مقتنع بالتوريث لأنه سيعرض أسرتى ومصر لخطر بالغ بعد رحيلى فالتوريث على هذه الصورة سوف يخلق حالة من عدم" السلام الاجتماعى" وسيكون هناك ثأرا بين الشعب وولدى وهذا هو سر هلعى .. أنا أريد أولادى يكونون مثل أولاد عبد الناصر وأولاد السادات.. أريدهم يعيشون حياة طبيعية ولكن زوجتى تريد أن يذكرها المصريين بأنها كانت زوجة رئيس وأم رئيس وهذا صعب جدا !! انها فانتازيا حريمى يالبيب .. ولكن لمن أشكو وأتبرم من حياتى الشخصية فأنا الرئيس!! ولم يعد أحدا من جيلى واصدقائى القدامى على قيد الحياة .. والناس دائما ما تنسى ان الرئيس هو زوج أيضا وعليه أن يتحمل تخاريف زوجته أحيانا مثل كل الأزواج .. المشكلة ليست منى ولكنها من صنع زوجتى الطموحة جدا والتى دائما ماتنسى أننا كنا مجرد ناس عاديين قبل أن ننتقل الى هذا القصر الكبير الذى هو قانونيا ملك الشعب .. أن هذا القصر هو ملك بهية وأنا على وشك أن أكون سيد أحمد يالبيب !!
- سيدى الرئيس .. لعلك تعرف أن الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل !! تعالى نتفق سويا على حل للمشكلة ومصالحة الشعب ياريس لأن هذا الشعب صابر على أمل أن يأتى يوما لتعترف بحقوقه التى ضاعت فى عهدك وطالما سيادتك اعترفت بالقصور فهناك أمل فى المصالحة . لنسرع بمصالحة الشعب قبل أن يأتى يوما عصيبا نتوقعه جميعا داخل وخارج مؤسسة الرئاسة .
- كيف اصالح الشعب يالبيب ؟ كيف اعتذر للشعب بطريقة تحفظ كبريائى وفى نفس الوقت ترضى غروره ؟
- بسيطه ياريس .. بسيطه جدا .. لازم تخاطب الشعب مباشرة ومن قلبك وتتعهد بمجموعة تغييرات فورية وعندما يحس الشعب انك صادق هذه المرة وتتعامل معاه كبشر متحضر سيعطونك الفرصة للتصليح.. أنه الشعب المصرى ياريس وليس الشعب الرومانى !! الشعب المصرى ياريس شعب طيب .. وأصيل . ياريس المشكلة ليست فى جمال مبارك أو جمال عبد الناصر أو جمال السادات .. المشكلة تكمن فى ضرورة الحكم من خلال مؤسسات فعالة تضمن محاربة الفساد وطرد المفسدين وتشجيع المخلصين من أبناء الشعب ..مؤسسات تضمن عدالة التوزيع والعدل الاجتماعى .. مؤسسات تعيد للطبقة المتوسطه أمانها المفقود .. ياريس البلد وصلت للرمق الأخير .. والله وحده يعلم مايخفيه الغيب !!
- الم أقل لك يالبيب اننى لم أنم ليلتى .. اننى أحس برياح الغضب .. رياح مخيفة عاتيه لايحس بها الا من يعانى من عقاب الضمير .. اننى لأريد أن يذكرنى التاريخ على أننى سيد احمد يالبيب !!! يالبيب أنا عارف أن هيكل كاتب كتاب عنى عنوانه سيكون تبعا لموسم وفاتى !! فاذا مت فى الصيف فسيسميه صيف القرف واذا كان الشتاء سيكون شتاء القرف!! هذا الشعب لن يرحمنى ميتا .. وهذا هو سر شقائى .
- اذن .. لنبدا فورا سيدى الرئيس فى اعداد خطة اصلاح عاجلة لنعلنها على الملاء فى أقرب فرصة ممكنة .
من أحلى الكلام :
مصر يامه يابهيه ... ياأم طرحة وجلابيه ... الزمن شاب وانتى شبه ... هو رايح وانتى جايه !!
تتبع....
مصرنا ©