الانجليز
...............................................................
| |
المتآمرون | |
بقلم : غريب المنسى
................................
فاز بجائزة نوبل فى الاقتصاد هذا العام البروفسير الأمريكى" بول كرجمان" وهو أستاذ فى جامعة بريستون وكاتب عمود أسبوعى فى جريدة النييورك تايمز . وبفوزه بالجائزة فقد ارتفعت أسهم المنافسة عالية بين كتاب "النييورك تايمز" وأغلبهم حائز على جائزة "بليتزر" فى الصحافة ولكن هناك طبعا فرق بريستيجى بين نوبل وبليتزر !! وأهم مايميز هذا البروفسير الكاتب هى الموضوعية فى التحليل والبساطة فى الشرح وكانت آخر مقالاته عن الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها وقد وصل فى تحليله الى أن النموذج الانجليزى فى معالجة الأزمة أكثر توفيقا من النموذج الأمريكى وأن الاتحاد الأوربى وافق على اتباع النموذج الانجليزى وهو نفس النموذج الذى سوف تحتذى به الحكومة الأمريكية آجلا أم عاجلا رغبت أم لم ترغب فلا وقت هنا للعجرفة والكبرياء!! فالرأسمالية فى خطر.
الفرق بين النموذج الانجليزى والأمريكى فى معالجة المشكلة هو فى الواقع فرق بديهى وأساسى ففى حين ترى الحكومة الأمريكية أن لحام "سن الترس" المكسور فى عجلة الاقتصاد سيحل المشكلة ترى الحكومة الانجليزية أنه من الأفضل تغيير "الترس" بالكامل لأن عملية اللحام هذه غير مضمونة تماما لأنه من الممكن أن ينكسر "السن الملحوم" بعد فترة قصيرة من عملية اللحام. والنموذج الانجليزى يؤكد على أن الحل الشامل للمشكلة بتدخل الدولة وان كان مكلف على المدى القصير الا أنه أفضل على المدى الطويل لأنه لو تخلخل الاقتصاد العالمى – طبقا للنموذج الأمريكى فى الحل- مرة كل خمسة أعوام مثلا فذلك سيكون له نتائج سلبية وخطيرة على النظام الرأسمالى وسمعته وقدرته على أن يكون هو النظام الاقتصادى المثالى .
فالنموذج الأمريكى فى الحل يرى أن تضخ الدولة المال اللازم فقط لتليين القطاعات المتعثرة فى السيولة فى حين يرى النموذج الانجليزى أن تشترى الدولة أسهم هذه القطاعات وتضمن الخسائر كاملة فى هذه القطاعات حتى تعيد الثقة فى القطاع الاقتصادى وبالتالى يرجع رأس المال الجبان الهارب الى الحلقة الاقتصادية وعندما تنتظم الدائرة مرة أخرى يمكن لها - الدولة - أن تستعيد أموالها مع فوائد رمزية.
والمشكلة الاقتصادية فى الولايات المتحدة والتى تفشت فى أوربا وانتقلت الى باقى العالم كما تنتقل انفلونزا الطيور يمكن تبسيطها لأنها من الناحية الاقتصادية البحته معقدة على الاستيعاب . فاذا افترضنا أن هناك ثلاث محلات تجارية الأول جملة والثانى نصف جملة والثالث قطاعى فالمفروض أن يكون هناك اتجاهين لسلامة العملية التجارية . الاتجاه الأول هو مرور البضاعة من المحل الأول الى المحل الثانى الى المحل الثالث والاتجاه الثانى المفروض أن يكون هو عودة ثمن بيع هذه البضاعة من المحل الثالث الى المحل الثانى الى المحل الأول حتى يستطيع الأول أن يشترى بضائع وتستمر عملية التوريد تلقائيا . ولكن لسبب ما فان الثلاث محلات باعت البضاعة بالضمان وتحولت السيولة النقدية الى أوراق متمثلة فى كمبيالات وسندات وبالتالى تعثرت السيولة النقدية بين أطراق الدائرة التجارية ومع هذا التعثر تولد تلقائيا الخوف بين أطراف الدائرة وأصبح من يملك السيولة يخشى من فقدها وادعى أنه يعانى من قلة السيولة وفى هذه الحالة فقدت الكمبيالات قيمتها الحقيقية فالكمبيالة التى توازى مائة دولار أصبحت توازى ثمانين وسبعين دولار كاش. ولكن من أين يأتى الكاش وهو كما يسمونه جبان يختفى حينما يشم رائحة المشاكل؟
واذا ما وضعنا فى الحسبان أن هناك ترليونات من الدولارات تدور فى هذه الدائرة الاقتصادية البسيطه فمن السهل أن نتصور حجم الكساد المترتب على نقص الكاش وزيادة الكمبيالات التى هى فى الواقع أوراق لاتساوى شيئا فى حالة تهرب اعضاء المنظومة الاقتصادية من مواجهة أعبائهم التجارية والخروج من اللعبة التجارية مشهرين افلاسهم!! ومع ذلك فى الاحوال العادية كان من الممكن أن تنصلح المشكلة من تلقاء نفسها - فالنظام الرأسمالى قادر على تجاوز بعض القصور- لو أنها حدثت فى قطاع تجارى واحد ولكن المشكلة شملت أكثر من قطاع حيوى وفى وقت واحد فبعد تعثر قطاع العقارات تعثرت البورصة وتعثرت البنوك وبالتالى تعثرت الشركات المنتجة والتى تعتمد على هذه القطاعات وحتى تضغط هذه الشركات التكلفة الحدية سرحت الموظفين الذين أصبحوا مشكلة متحركة فى حد ذاتها وباتت الدائرة الاقتصادية الرأسمالية مصابة بالأعطال فى معظم أجزائها وكل يوم يزيد الهم بظهور عطل جديد فى جزء آخر وبات الأمر فى حاجة لتدخل الدولة التى هى منفصلة تماما عن النظام الاقتصادى. وأصبح السؤال كيف تتدخل الدولة ؟ والى أى حد ؟
لاشك أن الحكومة الأمريكية تصرفت ببطىء شديد وهذا يرجع لسببين : الأول هو عدم وجود كفاءات اقتصادية فى ادارة بوش تستطيع أن تحدد بدقة سبب المشكلة وبالتالى تحديد طرق العلاج والسبب الثانى يرجع الى أن الادارة الامريكية ونتيجة فشلها السياسى والعسكرى أرادت أن تتجاهل المشكلة تماما حتى لاتفتح على نفسها باب جديد من الانتقاد آملة أن تختفى هذه المشكلة من الوجود أو على الاقل لاتظهر الا فى عهد الادارة الجديدة ولكن قوة الازمة وصريخ وأنين المواطن اليومى وانتقالها الى أوروبا وبالتالى بقية العالم جعل الازمة دولية ولايمكن مدارتها . ومع ذلك ومع صريخ المشكلة ووضوحها لكل ذى عينين كان تعامل الادارة الأمريكية خاطى لأن التشخيص كان خاطئا ولعل شرح " بول كرجمان" للنموذج الانجليزى وتأيده له ونقده النموذج الأمريكى ربما يدفع الادارة الأمريكية الى اتباعه فالرأسمالية فى خطر !!
مصرنا ©