رئيسة مصر .. الجزء الثاني
| |
عسل | |
بقلم : دينا عسل
..................
استكمالا لمقال سبق نشره (رئيسة مصر) أكتب اليوم الجزء الثاني لسببين: الأول، قراءتي خبر بعنوان "رئيسة مالاوي تخفض أجرتها و تبيع الطائرة الرئاسية لإطعام مليون مواطن" وذلك في محاولة منها لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتوفير الطعام للأفواه الجائعة في البلاد وأرى بذلك أن جويس باندا قدمت رسالة خاصة لكل من يحتقر حُكم المرأة. أما السبب الثاني، هو إيماني الشديد بفكرة أن يكون لمصر "رئيسة" والموقف اختلف الآن فالمقال الأول كان في ظل حُكم الدكتور مرسي وحينها إجراء انتخابات مبكرة كان أمر يتصوره البعض مستحيل أما الآن فالأمر قد اختلف فنحن على أعتاب انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة ولابد أن تفرض المرأة نفسها هذه المرة وبقوة.
إذا كنا نتحدث عن دستور للثورة بل لثورتين عظيمتين 25 يناير و 30 يونيو فإن المرأة لابد أن تحظى بالاهتمام في هذا الدستور لتنال قدراً من حقوقها وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل وحمايتها من العنف والاضطهاد الذي ربما تتعرض له في مجتمعات تجهل الكثير من الأمور التي لها علاقة بالإنسانية وأصبحت العنصرية بكل أشكالها تتحكم في شكل الحياة المجتمعية. فعلى مدار السنوات الماضية بشكل عام والعام الماضي بشكل خاص كان هناك دائما محاولات لتهميش المرأة وتقليص دورها ومشاركتها من خلال إهدار حقوقها واغتيالها معنويا وإعلاء النظرة السطحية والعنصرية في أن المرأة مكانها - البيت - أي ليس من حقها التظاهر أو المشاركة السياسية أو حتى المشاركة في الحياة العملية واعتقد أنهم لو كان بإمكانهم وأد الإناث كما كان يُفعل أيام الجاهلية لفعلوا.
في واقع الأمر للمرأة كامل الحق في اختيار المرشح أو المرشحة بصرف النظر عن كونه رجل أو امرأة فعليها أن تعطي صوتها لمن ترى أنه يستحق وترى أنه يحقق آمال مصرنا الغالية وإيمانا بأن للمرأة الدور الأكبر في صُنع المستقبل لذا فإن مشاركتها في الحياة السياسية سواء بالترشح أو بالانتخاب حتمية فأول امرأة حكمت في العالم كانت مصرية وهي الملكة الفرعونية "حتشبسوت" والتي تعتبر واحدة من أنجح الفراعنة حيث تميز عهدها بقوة الجيش والسلام في نفس الوقت حيث كانت تقيم علاقات طيبة مع دول الشرق القديم، فعلى ما يبدو أن الدول التي تحكمها النساء أكثر سلاما من الدول التي يحكمها الرجال.
والنموذج الأشهر لحكم المرأة هي "بلقيس" ملكة سَبَإ تلك الملكة العظيمة التي ورد ذكرها في القرآن وأثبتت حكمتها في الولاية وذلك بقولها { قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ } .. سورة النّمل (آية: 32). فهذا ما قالته ملكة سَبَإ لأشراف قومها بخصوص الكتاب الذي ألقي إليها من سليمان لاستشارتهم في الأمر فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم رأياً منهم وأعلم بجنود سليمان وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير فلجأت إلى المهادنة والمصالحة والمسالمة والمخادعة في نفس الوقت حين قررت أن تبعث إليه بهدية لترى ردة فعله وقالت لقومها إن قَبِل الهدية فهو ملك فقاتلوه وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه. فقد كان لديها من الحكمة ما يعينها على الحكم بالمعروف وكأنها تطبق قول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } .. سوة آل عمران (آيه: 159)، فقد مدح الله تعالى الفضلاء بقوله { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } .. سورة الشورى (آية: 38)، هذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس لكن ما أعقلها وما أحكمها لكن هذا وإن دلّ فإنه يدل على أنه أحيانا تفوق حكمة النساء الرجال.
ولا أحد يستطيع أن ينكر دور المرأة أيضا في بناء الدولة الإسلامية فالإسلام يحث على المشاركة السياسية للمرأة لكن هناك أيضا من يعترض على ولاية المرأة مستشهدا بحديث رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) { لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً } برغم أن هذا الحديث كان له رواية خاصة لكنه من الأحاديث التي تتلقاها الأمة بالقبول برغم أن طريقة الحكم اختلفت فالحكم الآن هو حكم المؤسسات وليس حكم الفرد وهذا ما حدث مع الرئيس المعزول مرسي حيث كانت تتصدى له مؤسسات الدولة وبالتالي فإن أصبحت المرأه رئيسة فهي تكون في منصب رئاسي لكن الحكم فهو مؤسسي وهناك مؤسسات ضخمة في الدولة لها سيادتها كمؤسسات القضاء والجيش والشرطة وغيرها من المؤسسات التي تعمل وفقاً للدستور الذي يحدد اختصاصات كل مؤسسة بما فيهم مؤسسة الرئاسة فعلى سبيل المثال ليس من حق الرئيس أو رئيسة الدولة التدخل مثلاً في أحكام القضاء وإن حدث ذلك فهو يعتبر تجاوز كما أن رئيس الدولة لا يعمل وفقا لأهوائه أو مزاجه الشخصي بل هناك دستور وقوانين ومستشارين وبرلمان ونواب عن الرئيس أياً كان رجل أو امرأة فهو أو هي ليس لديهم سلطة الحكم المطلق.
إن لجنة ال 50 المعنية بتعديل الدستور تتلقى المقترحات حول مسار إعداد الدستور ومن ضمن المقترحات هي كوتة المرأة في المجالس المنتخبة بنسبة لا تقل عن 35% من تشكيلها، فتحديد حصة المرأة في مقاعد البرلمان هو أمر في غاية الأهمية إذا يحقق العدل بينها وبين الرجل ولا أفضل استخدام كلمة "مساواة" لأنه في هذا الأمر تحديدا ليس كل مساواة عدل فقد يكون هناك مساواة ولكن لا يتحقق العدل وفي هذا الشأن المتعلق بكوتة المرأة فهو عدل وإن اعتبره البعض تمييز فهو تمييز إيجابي، ويجب ألا تقتصر كوتة المرأة على الانتخابات البرلمانية فحسب بل يجب تفعيل هذا التمييز الإيجابي أيضا في الانتخابات الرئاسية بحيث يكون هناك عدد من المرشحات يدخلن سباق الرئاسة مع المرشحين الرجال وأيضا لابد من تفعيله في تشغيل المرأة لدى الدولة كما يجب وأن يكون هناك مادة تنص على منع التمييز النوعي فالجدارة وحدها والأهلية بالمنصب هي المعيار وذلك لإصلاح هذا الوضع المختل.
في النهاية، الكل يقدم حلولا لإنصاف المرأة ولكن عليها هي أيضا أن تنصف نفسها وتعرف قيمتها حال مشاركتها في الحياة عموما فالدولة الآن تبني ذاتها وعلى الجميع أن يشارك في هذا البناء بجهده الخاص بقدر حبه لهذا البلد. دائما أسمع عبارة "من أجل مستقبل أفضل لأولادنا" على اعتبار أنهم سوف لا يشهدوا هذا المستقبل الأفضل مع أولادهم ثم ماذا عن من ليس لديه أولاد! - لذا فنحن نريد هذا المستقبل الأفضل لنا قبل أولادنا.
دينا عسل
مترجمة معتمدة وكاتبة مصرية
www.dinaasal.yolasite.com
رئيسة مصر