نهاية العام
| |
عسل | |
بقلم : دينا عسل
......................
قبل أن يسدل عام 2013 ستائره جاء تفجير مديرية أمن الدقهلية، بمدينة المنصورة، الذى أسفر عن استشهاد 14 وإصابة 150 آخرين، وبناء عليه كان قرار مجلس الوزراء بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وتنظيمها، تنظيماً إرهابياً في مفهوم نص المادة 86 من قانون العقوبات. فقد صرنا مؤخراً في مصر نسمع عن حوادث القتل والاغتيال والتفجيرات واستهداف الضباط والجنود وبات العنف ممنهجاً في الشارع المصري بوجه عام وفي المنصورة بوجه خاص حيث أنه قبل التفجير بأيام قليلة كانت حادثة مقتل سائق تاكسي المنصورة لتلويحه بعلامة النصر وسط مسيرة إخوانية مما تسبب في قيام بعض من عناصر الإخوان بذبحه وإشعال النار في سيارته مما يدل على أن مصر تعاني مناخ استثنائي لا يقبل المزايدة.
والمثير أيضا أن بعد حادث التفجير الإرهابى كان هناك من يجدد تهديد القيادي محمد البلتاجي، بأن هذه العمليات ستنتهي فور عودة مرسي وانتشرت تعليقات على الحادث على مواقع التواصل الاجتماعي توحي بالشماتة والابتهاج حتى أن معلم رياضيات وقيادى بجماعة الإخوان قام بتوزيع هدايا ومياه غازية وحلوى على الطلاب والمعلمين فرحا بعد الحادث.
فقد زادت وتيرة العنف منذ عزل الدكتور مرسي ربما لأنه هو نفسه أعلن إنه مستعد أن "يبذل دمه" دفاعاً عن شرعيته في خطابه الذي كرر فيه كلمة "الشرعية" مرات عديدة، وبالتالي هو ما أخذ يردده قادة الجماعة وأنصارهم كما كان هناك دائما تهديد بحرق وتفجير مصروالحديث عن أنه سيكون هناك حرب أهلية إن لم يعد مرسي للحكم.
فالأحداث المتلاحقة تبرهن على أننا نعيش أزمة، وعلى الرغم من أنه لا يوجد أزمة تشبه الأخرى تماما إلا أنه قد تبدو الملامح متشابهه مع وضع في الاعتبار أن كل زمان له حلوله وآلياته المختلفة فقد يكون ما يحدث الآن من عنف دموي يشبه ما حدث في وقت سابق فممارسة العنف قد تكون في بعض الأحيان عقيدة وتاريخ متكرر.
فأول قاضٍ يُقتل في مصر كان أحمد الخازندار والذي أُدين في مقتله هم أفراد منتمين لجماعة الإخوان المسلمين لأنه حكم على بعض شباب الإخوان في جناية قاموا بارتكابها بالأشغال الشاقة المؤبدة، مما أثار غضب مؤسس الجماعة حسن البنا الذي عمل على التسليح الداخلي للإخوان ومن هنا كانت بداية الخطأ. فبعد وقوع حوادث عنف واغتيال ارتبطت بعناصر من الإخوان المسلمين قام محمود فهمي النقراشي، والذي كان حينها رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية، بحل جماعة الإخوان المسلمين فاغتالوه ولأنه كان يجمع بين الوظيفتين فبهذا يكونوا قتلوا الجهاز القضائي والجهاز التنفيذي، وهنا أُغلقت العلاقة بينهم وبين الدولة.
وعند استئناف الإخوان المسلمون نشاطهم علناً تم اختيار حسن الهضيبي لخلافة البنا في منصب المرشد العام ولكن كان هناك خلاف على من يخلف حسن البنا مما أدى إلى حدوث انقسامات داخل الجماعة نفسها، وفي عام 1952 مارسوا العنف على المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، فهاجموه في بيته لإجباره على الاستقالة وتواجه الإخوان بالأسلحة في الشارع فريق الهضيبي وفريق التنظيم السري.
ولما قامت الثورة أرادوا أن يفعلوا هذا مع جمال عبد الناصر وبالفعل كان هناك محاولة لاغتياله عام 1954 والتي نفذها التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين فى ميدان المنشية بالإسكندرية أثناء إلقائه خطاباً في احتفال بمناسبة اتفاقية الجلاء ولكن نجا منها عبدالناصر، وتم إعلان جماعة الإخوان المسلمين محظورة منذ ذاك العام.
حتى قام عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين بإعادة تنظيمها بعد خروج أعضائها من السجون في أيام الرئيس الراحل أنور السادات. وفي عام 1981 اغتالت الجماعة الإسلامية بالاشتراك مع عناصر من جماعة الإخوان المسلمين أنور السادات أثناء احتفالات مصر بنصر أكتوبر.
ثم عادوا مرة أخرى في 1987 بعد وفاة عمر التلمساني، ودخلوا البرلمان ضمن التحالف الإسلامي (الإخوان، حزب العمل المصري، حزب الأحرار) تحت شعار الإسلام هو الحل والذي ظل شعارهم الانتخابي تقريبا في كل الجولات الانتخابية التي شاركوا فيها وربما كان آخرها في عام 2005 حيث أن الإخوان قبلوا أن يتنازلوا عن استخدام هذا الشعار في دعايتهم الانتخابية في 2010.
وفي 25 يناير 2011 لم تكن الجماعة مع الثورة منذ البداية إلا أن الجميع أدرك أن مصر أمام مرحلة سياسية مختلفة تماماً عن كل ما سبقها، وبرغم سقوط نظام مبارك إلا أنه في كل مرة كنا نسير فيها نحو تحول ديمقراطي نجد أنفسنا أمام مفترق طرق تحفه عقبات تؤخر التحول الديمقراطي طويلا مما يجعلنا نواجه تحديات أكبر ونكتشف أن الانتقال إلى الديمقراطية قد لا يسير على النحو الأفضل فالثورة عجزت عن إنجاز أشياء كثيرة وحتى عندما نجحت في تسليم السلطة لرئيس منتخب زعم أنه رئيس مدني لكل المصريين لم يكن هذا سوى انتكاسة ديمقراطية بدى خلالها عوار وانتهازية سياسية وتخبط وفشل على جميع الأصعدة، وعدنا من جديد لفكرة سيطرة الحزب الواحد الذي يتبنى عقيدة سياسية بعينها ويرى أنها الحقيقة المطلقة خاصة وأن حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين كان يستند إلى أديولوجية دينية لذلك كانت نظرته للأحزاب الأخرى نظرة دونية في محاولة منهم لإملاء الفكرة وتطويع الواقع كي يتماشى مع مصالح الجماعة.
ناهيك عن الحرص الزائد على الانفراد بالسلطة والعمل على ذلك من خلال الاستعانة بكوادر إخوانية من نفس التيار الحاكم ثبت أنها لم تكن على قدر المسئولية ولم يكونوا أهل بالمناصب التي شغولها ربما أهليتهم من وجهة نظر الدكتور مرسي تكمن في كونهم أهل ثقة، فالسياسة المتبعة كانت أهل الثقة أولى من أهل الكفاءة، والانفراد وليس المشاركة، وتهميش المعارضين أو تخوينهم وربما تكفيرهم بدلا من فتح الساحة السياسية للجميع، وهذا هو ما أودى بسقوط جماعة الإخوان وحزبها السياسي.
تمكنت ثورة 30 يونيو من إنقاذ مصر من الهيمنة الإخوانية حيث أن سقوط دولة الإخوان في مصر كان أمراً حتمياً بعدما فقدوا بوصلتهم وانحرفوا عن المسار نحو مصالح الجماعة وسيطرت عليهم الأنانية والرغبة في الاستئثار بالسلطة والتصلب في الرأي والمواجهة الحادة مع المجتمع وكره فكرة القانون. وبالتالي، كما كان هناك محاولات من نظام مبارك لقتل ثورة 25 يناير فإن الإخوان يحاولون قتل ثورة 30 يونيو من أجل الصراع على السلطة.
وها هي نهاية العام قد اقتربت وسندخل في عام جديد، وهكذا الحياة أيام تتلو أيام وأعوام تتلو أعوام لذا مع بداية عام 2014 علينا أن نطوي صفحة الماضي ونعيد مصر بعد فترة ضياع طالت، فنحن كمجتمع يبنى دولة دستور وقانون يجب ألا نحارب أحد في أفكارة لكن عندما تتحول الأفكار إلى جرائم تمارس العنف لابد وأن يكون هناك موقف للدولة، وعلى الجميع أن يدرك أن المقاومة هي للجريمة وليس للانتماء الفكري، وأن السلطة السيدة للدولة تكمن في الشعب ولا أحد لديه الحق في أن يقصي أي مكون من مكونات هذا الشعب.
دينا عسل
مترجمة معتمدة وكاتبة مصرية
www.facebook.com/dinaasal.eg
06/11/2014