| | | | دسترة الهوية
| | عسل | |
بقلم : دينا عسل ................
هناك جدل دائر يبدو أنه لا ينتهي مع كل مشروع دستور جديد متعلق بطرح قضية "الهوية" ووضعها في الدستور بشكل عام، فإثارة موضوع هوية الدولة في لجنة الخمسين الحالية برئاسة السيد عمرو موسى، لم يكن بجديد حيث أن لجنة المئة لدستور 2012 برئاسة المستشار حسام الغرياني، قد تناولت هذا الطرح ولكن بشكل مختلف. فحينها كانوا يزعمون أنهم يؤسسوا لدستور الدولة الإسلامية على حد قولهم وبالتالي كان من وجهة نظرهم لابد وأن يكون هناك مادة في الدستور تحمي الهوية ومن ثم أوجدوا المادة 12 في دستور 2012، وتنص هذه المادة على أن: "تحمى الدولة الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصرى، وتعمل على تعريب العلوم والمعارف".
وكأن تعريب العلوم هو ما سيحافظ على الهوية الثقافية والحضارية للدولة، حتى أنه قبل إقرار دستور 2012 خرج علينا نائب برلماني سلفي يقول أن أسباب انهيار التعليم وتراجع مستوى الخريجين هو تدريس اللغة الإنجليزية وطالب بمنع تدريس اللغة الإنجليزية، وكأن حال البلد لا ينصلح إلا بالمادة 12 التي أوجدوها في دستور 2012 وتمسكوا بطرحها مرة أخرى في لجنة الخمسين في 2013 لأنها كانت ضمن المواد التي تم حذفها.
إن مناقشة المواد المتعلقة بإسلامية الدولة ومدنيتها ومواد الهوية تكون دائما محل جدل وذلك لأنه قد ترسخ في ذهن الكثيرين أنه عند الحديث عن المدنية أو الليبرالية أو العلمانية أو القومية أو الاشتراكية أو غيرها من المسميات فإن هذه المصطلحات تعني الكفر برغم أنها - ببساطة - ليست أديان وهو ما قد يثير التنازع بين فريقين فريق ينادي بإسلامية الدولة وفريق آخر ينادي بمدنية الدولة، على الرغم من أنها في النهاية مسميات والعبرة الحقيقية بالتطبيق.
إن هذه التوجهات السياسية المختلفة تحمل تفسيرات عدة وعلى الرغم من أنها لم تكن من نتاج ثقافتنا إلا أننا قمنا بصباغتها بالصبغة الشرقية وذلك بالطبع لأن لنا طبيعتنا الجغرافية وهويتنا الفطرية بالإضافة إلى أننا شعب متدين بطبعه ونعرف كيف تكون العلاقة بين الإنسان وربه، وبالتالي فإن هذه المصطلحات التي أوجدتها الممارسة السياسية حتما سيكون لها مرجعية وبما أننا في دولة أغلبها مسلمين فبالتالي ستكون المرجعية إسلامية، وفي النهاية نحن نريد دستور توافقي لا ينحاز لفئة على حساب الأخرى ولا يحمل معني الطائفية ولا الحزبية ولا التخوين ولا الإقصاء.
الإيمان بفكر معين أو الاقتناع بمبدأ لدرجة التعصب والتطرف والرغبة في فرض هذا الفكر أو المبدأ على الغير ورفض الآخر هو ما جعل البعض يفسد باسم الصلاح أو يفجر باسم الإصلاح، وكلاهما لم يقدموا لبلادهم سوى التأخر والرجعية الفكرية والتشتت حين اكتفوا بارتداء ثوب الصلاح أو التشدُّق بالإصلاح ولكنهم من الداخل تحتل عقولهم أفكار تعزز الانقسام ويعملون فقط وفقا لمصالحهم وأهوائهم الشخصية يتحدثون عن الحرية والديمقراطية وتحرير الأوطان وعقولهم وضمائرهم في الأصل محتلة.
قد يبذلون ما في وسعهم لتشكيل هوية مصر كما تروق لهم لكن الجميع يغفل أن الهوية تتغير بتغيرالظروف والعالم والعصر والدليل على ذلك هي تلك التحولات الكبيرة التي عشناها والمفارقات التي نمر بها الآن وما سنعيشه مستقبلا وهذا لا يعني أبداً أنه كلما مرّ بنا الزمن للأمام ننسى الماضي الذي يحمل في طياته حضارتنا وثقافتنا، فهل يجدي أن يكون هناك مادة في الدستور عن الهوية سواء الثقافية أو الوطنية وحياتنا ضائعة؟!
إنهم يزايدون في قضية الهوية وينسون أن مصر تواجه خطر الإرهاب والدماء تُهدر كل يوم إما بسبب تفجيرات إرهابية يروح ضحيتها جنود أو اعتداءات طائفية تستهدف الكنائس أو اغتيالات كما حدث مع ضابط الأمن الوطني محمد مبروك الذي كان يتحرك بلا حراسة أو حماية ليتلقى رصاص الغدر، وضحايا الإهمال في حوادث القطارات التي باتت تحدث بشكل متكرر، وهكذا تُزهق أرواح كل ذنبها أنها تعيش على أرض هذا الوطن، لكن حتما ستظل هذه الدماء في عنق كل مسئول لأن هؤلاء اغتالهم الإرهاب والإهمال وكان في المقابل أقصى شئ فعله المسئول هو تقديم التعازي .. زيارات للمصابين .. صرف تعويضات .. استقبال النعوش وهو مالا يختلف كثيرا عن ما كان يفعله المسئول في الحكومات السابقة، ولكن متى ينصلح الحال ونشعر بالعدالة الانتقالية وتعُّم أجواء البهجة بدلا من حالة السواد التي تعُّم البلاد.
نرجو الرفق بالنسيج الداخلي للوطن فهو لم يعد يحتمل مزيد من الانقسام والاختلاف على مسمى الهوية، فقد قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن الهوية في قصيدته (طباق) عن المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: "إن الهوية بنت الولادة لكنها في النهاية إبداع صاحبها"، لذا اعتبر أن هذا البيت الشعري أفضل من أي نص دستوري إذ أنه يلخص الأمر ويُنهي المسألة.
دينا عسل مترجمة معتمدة وكاتبة مصرية
https://www.facebook.com/dinaasal.eg
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|