النفيس وصلاح الدين وأحادية التفكير
| |
لاشين | |
د.أحمد لاشين
...............
الأمر برمته غير جدير بالمناقشة،ولكننا مضطرون أن نتورط فيه للنهاية،طالما أننا تغافلنا عن واقعنا، وتفرغنا لنعيد توزيع تاريخ مصر بين السنة والشيعة ،ونقسمه بين القائد العسكري الكُردي صلاح الدين ذا المذهب السني والفاطميين المغاربة الشيعة السبعية .وكأن مصر ليست سوى منارة شيعية أطفأها صلاح الدين،كما يروج لذلك الدكتور أحمد راسم النفيس.فالدولة الفاطمية بالنسبة له هي اليوتوبيا القديمة التي تحققت في مصر،متمنياً أن يراها ثانية مطلة على رؤوسنا تحكمنا من منظور شيعي مذهبي.لأن الشيعة الفاطمية ـ من وجهة نظره ـ هم سبب التقدم الفكري والثقافي والحضاري المصري،وكل من عداهم رموز للتخلف والرجعية.أحادية في التفكير وذاتية مطلقة في الحكم تصل لدرجة التعصب يتمتع بها النفيس بامتياز. فالمقال المنشور على موقع اليوم السابع بتاريخ 25 / 12 / 2010، والمأخوذ من موقع النفيس،
http://youm7.com/News.asp?NewsID=324595&
والذي يهاجم فيه صلاح الدين،وموقع اليوم السابع،ومتهماً الموقع بالتواطؤ ضده ،وصلاح الدين بتدمير مصر،وكأن صلاح الدين أحد المساهمين في الموقع،أو أنه أحد الفاعلين السياسيين في مصر المعاصرة،ينم عن شيئين غاية في الأهمية:
أولهما: أن الدكتور يتمتع بنظرة عنصرية واضحة في قراءة التاريخ المصري،فإن كان صلاح الدين الأيوبي قد ساهم بشكل رئيسي في هدم الدولة الفاطمية،فهذا في السياق التاريخي يعتبر موقف بديهي،بوصفه المرسل من قَبل الخليفة العباسي،للقضاء على الدولة التي أعلنت أنها خلافة مناوئة للخلافة العباسية.فمن البديهي أن يُغير من ملامح الدولة التي سبقته قبل أن يستقل هو بالحكم،سواء على المستوى السياسي أو الثقافي.مما يأتي متسقاً كذلك مع طبيعته كشخصية عسكرية من أصول كردية تتسم بالتشدد،فكما كانت له مواقفه من التشيع السبعي ورموزه،كانت له مواقفه كذلك من التصوف ورموزه،مثل مقتل (السهرودي) في عصره،نتيجة للأزمات الدينية والسياسية في وقت كانت الدولة فيه على شفا حروب مستعرة مع الهجمات الصليبية،وبالتالي سوف يظهر لنا أحد رموز التصوف المصري ليعبر عن مدى كراهيته لصلاح الدين،لتستمر حالة العبث الفكري.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا السياق ،هل كانت الدولة الأيوبية هي الدولة الوحيدة التي اتسمت بأحادية في الرؤية السياسية والمذهبية؟!!،ألم تكن الدولة الفاطمية ذاتها،ذات توجهات ضد الأقباط المصريين أو متبعي الديانات الأخرى بشكل عام،فلا يوجد قبطي مصري لا يعلم جيداً مدى ما قام به الحكام بأمر الله الفاطمي ضد الكنائس القبطية وكذلك المعابد اليهودية من تحطيم وهدم،حتى أن المقريزي قد وصف تلك المرحلة بأنها أبشع ما مر على الأقباط من اضطهاد!!،ألم تكن القاهرة مدينة معصومة عن (العامة والغوغاء) ـ وهنا تجدر الملاحظة أن الدكتور النفيس قد استخدم نفس اللفظ لدى وصفه قراء الموقع الكرام ـ ولم تفتح إلا في عهد صلاح الدين!!.هذا إن استخدمنا نفس المنطق الانتقائي في التفكير الذي يمارسه النفيس باقتدار.
واستمراراً في نفس السياق،ألم يلاحظ الدكتور الناشط الشيعي ـ كما وصفه اليوم السابع ـ أن كلا الحاكمين الفاطميين والأيوبيين لم يكونوا مصريين،وهذا ينطبق على المماليك الذي جاؤوا بعد الأيوبيين وكذلك من تبعهم من العثمانين،أكانت مصر خالية من أي اضطهاد أو عنف ضد شعبها طوال هذه الفترات التي حكمها فيها غير أهلها ؟!،فليرصد لنا الدكتور حياة الشعب المصري في فترة حكم المماليك،أو مدى ويلاته في فترة الحكم العثماني.أم أن القضية لا تتعدى كونها تمجيد للفترة الشيعية الفاطمية دون غيرها،ولا تستهدف مطلقاً تاريخ المصريين وعلاقتهم التي تتسم بالاضطهاد من حكامهم على مر العصور،بداية من العصر الروماني.فكما كان صلاح الدين ضحية استخدام بعض التيارات السياسية الحركية بوصفه رمز التحرير،وتم ذلك من منظور أحادي كذلك،يتعامل الدكتور بنفس المبدأ مع الدولة الفاطمية،فهو قد اختارها بشكل أحادي كذلك لتكون رمزاً المرحلة الناصعة البياض في التاريخ الشيعي في العالم،أي أنه يعيب على الأخريين ما يمارسه هو بوضوح .
ولكن يبدوا أن النفيس قرر أن يروج لكتبه التي سوف تخرج علينا خلال هذه الأيام كما أشار هو شخصياً إلى ذلك،ذاكراً دار النشر ،فأراد أن يُعطي الموضوع سياقاً أخر يشبه النقد التاريخي،ولكنه في النهاية لا يتعدى تحقيق أعلى نسبة ممكنة من التوزيع والشهرة،مستخدماً عقدة الاضطهاد والمظلومية التي يعاني منها الشيعية في العالم أجمع.فيوفقه الله إذن ولينعم عليه بأعلى نسبة توزيع لكتبة الجديدة والقديمة،ولكن ليكن ذلك بعيداً عما نعانيه نحن من أمور تستعدي النقاش بعيداً عن التفكير الأحادي وتقسيم التاريخ على الهوى.
ثانياً: النفيس قد اعترض بشدة في مقاله على قراء اليوم السابع و إدارة التحرير،متهماً إياهم بأنهم غوغاء،لأنه لم يعجبه إطلاقاً أن يتجاوز عليه أحدهم كرد فعل على محاولاته المستميتة لاستفزاز الجموع الشعبية بتجاوزه على صلاح الدين الأيوبي،واعتبر ذلك تجاوزاً يحاسب عليه القانون،ومتعارضاً مع بروتوكلات النشر في موقع اليوم السابع.حقيقة لن أتعرض هنا للدفاع عن الموقع أو القراء أو المعلقين،ولكن الأهم هو ذهنية التعصب التي تحكم تصريحات النفيس،فهو لا يقبل مطلقاً أن ينتقده أحدهم في حين هو يمارس ذلك النقد اللاذع دائماً ضد كل من يعرض أو يعترض على فكرة استفزازية يعرضها أو يشير إليها،فمجرد نقده بتلك الكيفية ضد صلاح الدين خير نموذج على ذلك.فمن المؤكد أن هناك أساليب أكثر هدوءاً وأقل استفزازاً من أسلوب الدكتور لدى تناوله لأفكار عفا عليها الزمن،ولا يوجد ضرورة ملحه لعرضها بهذا الشكل الفج أحياناً.
كما أن مجرد اعتراضه على تعليقات (الغوغاء) ـ كما وصفهم ـ من القراء الكرام ،يعتبر قمع فكري لا يليق بالسياق الفكري الحر الذي سمح له ولغيره بالظهور من الأساس،ولا يليق بأي سياق احترافي سواء على المستوى الصحفي أو حتى الأكاديمي أو البحثي الحر.فطالما قررت سيادتك أن توجه خاطبك للجميع فلتحتمل نقد الجميع بلا أي تذمر أو قمع أو إرهاب،فمن حق من طرحت أفكارك عليهم أن يتمكنوا حتى من الرد الذي يكفله لهم القانون.
وقانا الله شر الفتن والانقسام والقراءة الأحادية لتاريخ لم نشارك أو نتشارك في بناءه بل كنا وسنظل ضحيته،وضحية كل من يستغله لمصالحه الخاصة والخاصة جداً.
اليوم السابع
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=325804