مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

عقوق أمي آمنة..!

مستشفى فى ألمانيا

بقلم : مريم ناصر
......................

ألتقيتها أول مرة و أنا متوجهه لأحد جلساتي العلاجية في الممر بين الغرف، ألقيت عليها السلام وأنا أتأمل برقعها الإماراتي الشامخ وعبائتها التي تضعها على رأسها وهي تحاول أن توازن بين تثبيتها وبين التحكم في العربة السوداء التي تستند عليها لتمشي، ردت علي السلام بصوت مرتبك، ومضيت مسرعة للحاق بموعدي، قبل أن أسمع صوتها يعلو وهي تقول للممرضة التي كانت تقف مبتسمة و تلوح لها:

-  تعالي ، دخيلج، وين أروح؟ ما أعرف ، تعالي دليني

توقفت للحظة وعدت أدراجي بإتجاهها، الممرضة لا تفهم أنها تحتاج مساعدتها، فلا لغة مشتركة بينهما، و لا إستغاثة العجوز مفهومة .. عدت لها و قلت لها : تعالي أمي أنا سآخذك لغرفتك، سألتها عن رقم غرفتها فقالت أنها لا تعرف وأنها وصلت في ذلك اليوم فقط، لحقتنا الممرضة، وهي تعتذر لأنها لم تكن تعرف ان العجوز كانت تحتاج لإيصالها للغرفة والتي كانت ومن حسن حظي أمام غرفتي، سألتها إن كانت تحتاج لشئ قبل أن أذهب، فأخبرتني عن مشكلة صحية شرحتها للممرضة لتخبر الطبيب.

مر يومين قبل أن أطلب من أمي زيارتها، خاصة و أن بالي كان مشغول بها جداً، فذهبت لتطمئن عليها ، ووجدتها وحيدة!

تقول لأمي أنها لا تنام من الخوف،لأنها تسمع صوت الأبواب التي ربما تحركها الريح و تقول ربما "جن"،و لا تأكل سوى التمر الذي جلبته معها من نخيلها في مدينتها، و الحليب الذي يزودونها به يوميا.

سألناها لماذا هي وحيدة، فقالت أن زوجة ولدها ذهبت لإجراء عملية تجميل، و تركتها لوحدها!أستغلت وجود العجوز للعلاج في هذا البلد الغريب، و أستغلت ما تصرفه الدولة لها كمصاريف لإحتياجاتها ولا تعطيها منها شئ! و أظن أن التجميل الذي كانت تحتاجه زوجه ولدها كان يجب أن تجريه لأخلاقها و برها بجدة أولادها، بدل أن تتركها وحيدة في بلد غريبة و في مدينة تبعد عنها ساعة و نصف تقريباً، و العتب ليس عليها و لكن على ولديها اللذان تركاها في عهدة من لا تخاف الله فيها!

المحزن أن حفيدها كان معها في أول يوم فقط، ثم تركها لوحدها،، لكن الله يحب هذه العجوز،لأن كل المقيمين في المستشفى من الإماراتيين تحولوا لعائلة لها،و غرفتها التي كانت باردة أصبحت دافئة من أحاديث الزائرين لها ، و بعد أن كانت تخاف الخروج ، أصبحت آخذها لتمشيتها قليلاً و زيارة غرفتي المطلة على البحيرة أحياناً و أنا أمسك بكفها الصغير و هي تضم كفي بأمان و تحاول تقبيلها و أمنعها من ذلك و أنا أضمها و أقبل رأسها و دعواتها تحفني و تحف كل النساء و الرجال الذين أصبحوا أبناء و بنات لها ،إحدى الفتيات كانت جريئة و اتصلت بزوجة ولدها و لامتها على وضع العجوز ، فأرسلت أبنها لنصف ساعة، ثم لباقي الليلة، باتت العجوز سهرانة تترقب عودته و تخاف عليه من البرد، و في الصباح كانت تساءل الجميع عنه، و لسان حالنا جميعاً يقول: يا ليته لم يأت!

أمي آمنة، بخير..لا تحتاج أبناءها الآن و نحن نراعيها و هناك من تبرع بالنوم في غرفتها بالتناوب حتى لا تشعر بالخوف،و تأكل من خبز الرقاق و "غرشة العسل" التي قبلتها بخجل شديد و تشرب من قهوة أمي كل صباح ،و تتغدى يومياً من طبخ شباب إماراتيين سمعوا عنها من قريباتهم المقيمات في المستشفى بعد أن كانت ترفض أكل الأشياء الغريبة عنها، و سمعناها تضحك البارحة لأول مرة و لازالت تشاركنا الحديث بخجل..

أكتب لكم الآن و صوتها يقترب من غرفتي وهي تبسمل و تردد الإذكار التي تحفظها ، غرفتي الوحيدة التي تحفظ طريقها الآن، ثم تحتاجني للعودة لغرفتها لأن الأبواب تبدو متشابهة لها.

أصدقائي لا أريد أن أعظ أحد حين كتبت عن أمي آمنة، لكن أقول لكم فقط، أني لم أتخيل أن أرى عقوق الوالدين يتجسد أمامي و في بلد غريب، غريب و بارد جداً.

تكنزي- ألمانيا
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية