ثورة 25 يناير .. سيرة الشهيد..مصطفى الصاوي
| |
الشهيد مصطفى الصاوي | |
بقلم سهام ذهني
...................
لكل شهيد سيرة عطرة، ومواقف مشهودة صنعت الحرية والكرامة والعزة لأبناء الوطن، أما صورهم فلها وقع عجيب على النفس. العيون المستبشرة، الابتسامة الصافية، الأمل في الجفون، وذلك المعنى الفياض الذي تبعثه في النفس فكرة أن هؤلاء الذين يتقبلهم الله بإذنه شهداء، هم أحياء عنده، في الوقت الذي ليسوا بأحياء بيننا وبين أحبتهم هنا على الأرض التي نحيا نحن عليها.
صوت الشهيد
ومع هذه الخلفية التي تسري في وجداني حول فكرة النورانية التي تتمتع بها سيرة الشهداء وصورهم دخلت أتصفح عبر الإنترنت فوجدت فيديو مكتوب عليه أنه نشيد بصوت أحد الشهداء ، النشيد هو "ملكنا هذه الدنيا القرونا"، أما الشهيد فإسمه "مصطفى سمير الصاوي"، عذوبة الصوت وعمق الإحساس ، وصفاء نظرة عينيه في صورته التي يبدأ بها الفيديو جعلت إسمه يظل مسجلا في ذاكرتي، إلى أن تصادف ووجدت الحاجة "ياسمين الحصري" على شاشة برنامج "الحياة اليوم" تتحدث بحب عن أحد الشهداء، ووجدتها تذكر أن اسمه "مصطفى الصاوي"، هو إذن الشهيد نفسه الذى استوقفني صوته الصافي في النشيد. لاحظت أن الحاجة ياسمين قد ذكرت أيضا أن هذا الشاب الذي توفى في اليوم الذي بلغ فيه 24 عاما كان متخرجا في كلية التجارة، وحافظا للقرآن الكريم، وأنه كان يقوم بتعليم القرآن للأطفال في مسجد "الحصري" بالعجوزة، كما كان يصلي إماما بالمصلين في رمضان، بالإضافة إلى أنه في صباح يوم استشهاده خلال جمعة الغضب كان قد ذكرلأمه أنه سوف يستشهد.
إستوقفتني بشدة فكرة أن الشهيد مصطفى الصاوي قد ساوره الشعور باقتراب موعده مع الاستشهاد وهو أمر كثيرا مارواه من قبل العديد من أفراد أسر الشهداء في فلسطين.
خلال استمراري في التصفح عبر الإنترنت وجدت فيديو تصادف أن قام بتصويره أحد الشباب لحظة استشهاد مصطفى الصاوي على كوبري قصر النيل عصر جمعة الغضب برصاصات مطاطية في العنق، حيث دارت في ذلك الوقت على الكوبري واحدة من أعنف المعارك من الشرطة ضد المتظاهرين في محاولة لمنع وصولهم للانضمام إلى غيرهم من المتظاهرين الذين سبق أن وصلوا إلى ميدان التحرير عبر مداخل أخرى للميدان. كما رأيت فيديو آخر يتحدث فيه صديق للشهيد مصطفى الصاوي حول أنهم حين نقلوه إلى أحد المستشفيات وأدخلوه إلى العناية المركزة في محاولة لإسعافه من الرصاص الذي اخترق العنق، ثم تم نقل جثمانه بعد ذلك إلى ثلاجة المستشفى، روى صديقه أنه قد عرف فيما بعد أن شقيق الشهيد "مصطفى الصاوي" كان جريحا في المستشفى نفسه في استقبال الطوارئ مصابا في ذراعه دون أن يعرف أن جثمان شقيقه يدخل في اللحظة نفسها إلى ثلاجة المستشفى.
أما ما جعل مشاعري تزداد تأثرا بقصة الشهيد مصطفى الصاوي فهو الفيديو الذي يتناقله الكثيرون عبر شبكة الإنترنت لجثمانه قبل الدفن حيث أصبعه يشير بعلامة النطق بالشهادتين ، وحيث جفنيه في حالة ابتسام وسلام كأنه يرى مقعده في الجنة بإذن الله.
فوجدت نفسي أريد ان أذهب لزيارة والدته كي أعزيها وفي الوقت ذاته أهنئها بابنها الذي نحسبه شهيدا عند الله بفضله تعالى.
إتصلت بالحاجة ياسمين الحصري كي أحصل منها على تليفون أو عنوان أسرته، وسبحان الله، إذا بالحاجة ياسمين الحصري تخبرني أنها في الطريق الآن إلى حفل لتأبين الشهيد مصطفى الصاوي أمام مسجد الحصري بالعجوزة حيث يقيم الشهيد بالقرب منه في "الحتية"، وأنني بالطبع سأجد أمه هناك. سبحان الله ما الذي جعلني أتصل بالسيدة الفاضلة ياسمين الحصري تحديدا في هذا الموعد، إذن لي نصيب أن أنعم بصحبة سيرة الشهيد على الطبيعة وليس فقط عبر المنشور عنه على شبكة الإنترنت.
دموع وزغاريد
بوصولي قرب مسجد الحصري بالعجوزة، إذا بي أجد منصة في الهواء الطلق تضم عددا كبيرا من الشخصيات العامة الذين جاءوا من أجل الشهيد، أما الجمهور المشارك فبالآلاف يملأون الشارع الطويل. بعضهم يجلس على صفوف من الكراسي التي تم وضعها لهذا الغرض، والبعض الآخر واقفين ، بينما الشرفات على الجانبين ممتلئة بالسكان الذين يستطيعون رؤية الاحتفال من زاوية أفضل.
بمودة أفسحت إحدى الصغيرات لي مكانا في أحد الصفوف. بمجرد أن جلست وسط الجموع شعرت بمذاق الثورة مخلوطا بنكهة العهد على الوفاء للمبادئ التي ضحى من أجلها الشهداء وأسرهم. من مظاهر هذا الوفاء ما عرفته حول الروح الجميلة بين أبناء الحي خلال التجهيز للاحتفال، حيث بمجرد أن تم استئذان السكان بأن يقوموا بركن سياراتهم خارج الشارع كي يتم إفساح الطريق للكراسي التي تم إحضارها للمحتفلين، في الحال وافق الجميع. أما المحلات والورش على جانبي الشارع فبادروا بإغلاقها لتهيئة المكان للاحتفال ، الشباب قاموا بتنظيف الشارع، والمكان تم تجهيزه بسواعد أهل الحي، الكهربائي يتبرع بتعليق الأنوار، و"أيد على أيد" لتركيب المنصة، وترتيب الفراشة، وتعليق اللافتات التي تحمل صورة الشهيد مصطفى الصاوي شهيد الحرية وصديق القرآن.
خلال الإحتفال كانت هناك حالة من الروحانية تسري في أرجاء المكان، مما جعلني وسط أهل "العجوزة" و"الحتية" جيران الشهيد أثناء جلوسي بينهم أشعربأنني أتنفس بارتياح، أن الهواء اكثر نقاء، والروح أكثر صفاء، هذا ما شعرت به أثناء جلوسي في حضرة الاحتفال بتأبين الشهيد ، حيث اختلطت بين الناس دموع فيض الوجد بالزغاريد، خاصة عند التعقيب على الهتافات التي يطلقها الشباب خلال الفاصل بين كلمات الشخصيات المشاركين على المنصة.
فعادة عقب الهتاف كانت الزغرودة تندلع من أحد الشرفات فترد عليها زغرودة طويلة من الصفوف، ثم تتبعها زغاريد جماعية من عدد من النساء الواقفات على جانب الطريق. بينما تنساب الدموع من عيون أصحاب الحناجر نفسها التي تطلق الزغاريد، إنه الفرح بزفاف الشهيد إلى الجنة في صحبة غصة الفراق.
أليس هذا المكان نفسه هو الأرض التي طالما شهدت حركة الشهيد مصطفى الصاوي منتقلا من بيته في الشارع الجانبي بالحتية في العجوزة، إلى مسجد الحصري الشهير على بعد خطوات من البيت.
أليس هذا الدرب نفسه هو الطريق الذي اعتاد الجيران والأصدقاء على أن يسمعوا من مصطفى فيه تحية السلام أثناء مروره، فيردون عليه التحية. لقد أحبه الأطفال الصغار الذين كان يقوم بتحفيظهم القرآن الكريم في المسجد والاطمئنان على أحوالهم الأسرية وتشجيعهم على المذاكرة، كما أحبه الكبار الذين أقسم أحدهم أمامي عبر الدموع بأن أجمل الأوقات في الصلاة كان يقضيها حين كان يصلي خلف الشهيد مصطفى الصاوي خاصة خلال صلاة التراويح.
تعليم الأخلاق الكريمة
أما السيدة التي كانت تجلس إلى جواري فقد أخذت تحكي لي كيف أن ابنها قد أحب الذهاب إلى المسجد من أجل أن يستمتع بحفظ القرآن الكريم على يد الشهيد مصطفى الصاوي، كما أخذت تروي لي كيف أنه لم يكن يكتفِ بتحفيظهم القرآن الكريم، إنما كان يحرص في الوقت ذاته على تعليمهم مبادئ الأخلاق الكريمة.
كانت السيدة تتحدث معي بينما كانت الكلمات تتوالى على المنصة فالمهندس ممدوح حمزة أكد على تقديم بلاغ للنائب العام بالقتل العمد للشهيد مصطفى الصاوي وزملائه الشهداء، والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل إمتد حديثه من شهداء ثورة مصر إلى شهداء ثورة ليبيا حيث طلب من الحاضرين أن يختتموا ليلتهم بالدعاء لنصرة أخوتنا الليبيين، والحاجة ياسمين الحصري بثت بطلعتها البهية وعباءتها البيضاء الفضفاضة حالة من النورانية والعاطفية والتمجيد لقيمة الإستشهاد في سبيل الحق، أما الثائر المناضل "محمد عبد القدوس" مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحفيين فقد عبّر عن أن ثورة 25 يناير قد جاءت تتويجا لكفاح طويل من أجل الحرية التي تحققت بدماء الشهداء.