ثورة 25 يناير .. ثورة المصريين.. أرزاق للمستضعفين
|
رزق الغلابة |
بقلم عبد الرحمن فتحي
.............................
"قد تجد في الميدان ما قد تتكلف العناء في البحث عنه خارجه" بشكل تلقائي صدر هذا التعليق من أحد الموجودين بميدان التحرير منطلق الثورة ومقرها الدائم في قلب القاهرة، وبجولة سريعة في جنبات الميدان وبين الحاضرين تدرك ملامسة هذا التعليق للواقع بشكل كبير وعكسه للحالة التي استقر عليها الميدان في أيام الثورة الأخيرة.
وجبات الكشري والشاي والعصائر والمياه الغازية كذلك المكسرات والتسالي أقراص السكر والمعجنات والأطعمة الخفيفة وعربة البطاطا والفشار وشراب حمص الشام بالإضافة إلى الأعلام والقبعات والكوفيات فضلا عن الجوارب ودخان السجائر.. كلها وغيرها سلع حرص أصحابها على استثمار تجمع قلما تشهده البلاد ليدر عليهم دخلا غير عادي في موسم استثنائي شكل مصلحة لهؤلاء.
ليتها لا تنتهي!
في هذه الحالة لن تستغرب تعليق أحدهم المصحوب بابتسامة ساخرة "ياريت الثورة تطول شوية" فهو كبائع متجول محترف، أو بسيط حرص على استثمار المشهد للكسب ومحاولة سد الحاجة لن يجد أفضل من ذلك التجمع اليومي للآلاف الذي تحول إلى ما يشبه مكانا للترويح والتنزه، فالكثيرون الآن قد اصطحبوا عائلاتهم وأطفالهم للحضور والمشاركة.
محمد بائع الشاي في إحدى الزوايا والذي يوجد مثله في الميدان من بائعي الشاي مالا يقل عن 10 آخرين لا يفتر أبدا من الحركة وبذل الجهد في خدمة زبائنه ويعاونه في ذلك أخوه الأصغر، وبنبرة يغلفها الامتنان للثورة يقول: "الحمد لله .. ده فضل من ربنا وأول خير جاي على قفا الظلمة" ورغم تحفظه ومحاولته الهروب من الحديث عن نشاطه التجاري في الميدان إلا انه أكد أن ما يدره من دخل في أحد أيام الثورة يساوي أضعاف أضعاف ما قد يدره في مكانه الأساسي على كورنيش النيل.
أما حسونة بائع الأعلام الوطنية والقبعات والميداليات التي تحمل علم مصر فقال بحماسة: "الثورة مش أقل من مباراة بين مصر والجزائر" معبرا بذلك عن كثافة الإقبال على سلعه، وتأتي صورة الميدان لتأكد كلام حسونة حيث تسيطر عليه الألوان الحمراء والبيضاء والسوداء.
سوق عائلية
وقرب تمثال عمر مكرم لابد أن يشدك مشهد تلك العائلة التي حضر جميع أفرادها وتوزعوا على أماكن متقاربة ليبيعوا سلعا مختلفه مكونين سوقا صغيرة يمكنك فيها احتساء الشاي وشراء الطعام والبسكويت وغيرها.
أما عربات البطاطا والفشار وشراب حمص الشام فلا يكاد ينقطع عنها الطلب، وقد تجد عند بعضها طوابير قصيرة حتى يأخذ كل من المشترين دوره، وربما توقف أحد البائعين ليجري مكالمة يستحث فيها من يتحدث معه على سرعة جلب المزيد من البضائع.. فما لديه قد أوشك على الانتهاء رغم أن النهار لم يودع الميدان بعد.
ولم يمنع وجود أهل الخير ممن عملوا على توفير بعض تلك السلع بالمجان كالأغذية البسيطة من الأجبان والمعلبات وكذلك الأشربة من ماء وعصائر رواج سلع البائعين المتجولين فكثرة العدد جعلت لكل نصيبه من المرتادين، وحذر البعض وقلقه مما يتم توزيعه وكذلك ترفع البعض دفعهم لإيثار الشراء على الأخذ بالمجان، كذلك وجود سلع مختلفة لم تشهدها ساحة الميدان على سبيل التوزيع.
الثوار راضون
المتظاهرون أبدوا رضاهم واستشعارهم بالراحة بعد توفر تلك السلع عبر البائعين المتجولين في الأيام الأخيرة، لما كانوا يواجهونه من صعوبات في جلب حاجاتهم الضرورية من طعام وشراب في أيامهم الأولى في الميدان، ويقول أنس: "كان القلق يسيطر علينا حين محاولة الخروج من الميدان لجلب الطعام أو الماء، فبعض زملائنا خرج ولم يعد لمنعه من الرجوع أو حتى حجزه من البلطجية في الخارج" ويضيف محمود سببا آخر وهو إغلاق معظم المحال التجارية أبوابها بسبب الأحداث الأخيرة خوفا عليها من اتخريب، كذلك وجود ساعات حظر التجول التي أصابت شوارع القاهرة بالشلل ليلا.
أما أميرة فقد عبرت عن شكرها وامتنانها لهؤلاء البائعين، فرغم ما تشكل لهم الثورة من فائدة وفرصة إلا أنها ترى جراءتهم على الحضور ببضائعهم رغم بعض أحداث العنف التي حدثت للمعتصمين مشاركة منهم في الثورة وإن لم يقصدوا ذلك بشكل مباشر.
أسعار السلع تفاوتت باختلافها، فبعضها حافظ على سعره المعروف كما الحال بالنسبة للمكسرات والتسالي وبعضها زادت أسعاره كعلب السجائر والمياه الغازية على اعتبار أن هذا الموسم استثنائي، فبرزت الأسعار السياحية،، إلا ان المشرفين على الميدان رفضوا ذلك وطلبوا من المعتصمين ألا يشتروا سلعا بأكثر من أسعارها المعروفة، ومن يحاول البيع بأسعار عالية يخرجونه من الميدان مع الاعتذار له.
هذه الأجواء في الأيام الأخيرة شكلت صورة كرنفالية في ميدان التحرير جعلت المراقب يشعر وكأنه في منتزه سياحي أقبلت عليه العائلات لقضاء وقت ممتع يغني عن ضياع إجازة نصف العام التي شغلت الأحداث الأخيرة الكثير من أهل مصر عن الاستمتاع بها استثمارها.