جنوب السودان.. بين طموح رجلين
|
حرب الأسطورة والسياسة والقبيلة.. «تهدد الدولة الوليدة» |
بقلم : أحمد يونس
......................
في عام 2009، وقبيل انفصال دولة جنوب السودان، دار حوار بين ثلاثة صحافيين سودانيين (بينهم مراسل «الشرق الأوسط»)، ونائب رئيس جنوب السودان المعزول رياك مشار. تناول الحوار، الذي جرى في مكتبه بجوبا، الأوضاع في جنوب السودان، مثل الاستفتاء، والانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، والوحدة والانفصال.
وحين بلغ الحوار احتمال ترشيح النائب الأول للرئيس السوداني وقتها سلفا كير ميارديت، لمنافسة الرئيس عمر البشير لرئاسة الدولة السودانية، طلب مشار من الصحافيين إيقاف مسجلات الصوت، وقال «أوف ريكورد»: «كيف نرشح للرئاسة من فشل أن يكون نائبا أول؟». وأضاف بعربية مكسرة يطلق عليها «عربي جوبا»: «زول دا غلبوا شغل بتاعو هناك في خرطوم، قاعد هنا يعمل شنو؟!». وبالفعل كان سلفا كير، رغم وظيفته الرفيعة في القصر الرئاسي في الخرطوم، يكثر من البقاء في جوبا، ربما لإحساسه بأن وظيفته في الخرطوم مجرد ديكور. وربما وجوده الدائم في جوبا هو لمراقبة خصمه التقليدي ونائبه مشار، الذي اشتهر بالدهاء والمكر السياسي.
ليس مشار وحده هو من كان «يبيت النية» لغريمه، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2010، سخر الرئيس سلفا كير في حوار صحافي أجري معه، من سعي مشار ليكون رئيسا، بقوله إن سوء تصرفه وسعيه لإصدار قرارات انفرادية، جعل «الناس يعتقدون أنه حكومة داخل حكومة»، فضلا عن تلميحه بأن هناك «جهة ما» تسعى لـ«اغتياله» والجلوس في كرسيه، وفي تلميح بليغ أضاف كير في الحوار «هذا الكرسي ما بيشيل نفرين»، أي كرسي الرئاسة لا يحتمل شخصين.
وقبلها، وعلى لسان أحد مستشاري الرئيس كير، نمسك عن ذكر اسمه، فإن الأوضاع كادت تتفجر في كواليس المؤتمر الثاني للحركة الشعبية (الحاكم) الذي انعقد في جوبا عام 2008، وخلاله عزم الرئيس كير على الإطاحة بنائبه مشار ومجموعة من قادة الحركة الشعبية. وكادت الحرب تشتعل وقتها، لولا تدخل عقلاء في اللحظة الأخيرة لإقناع الرئيس بترك الأوضاع كما هي. وقال المستشار الرئاسي وبشهادة صحافيين «كان البعض يهتف في القاعة مرددا إيقا.. إيقا (أي القيادي جيمس واني إيقا، ليكون بديلا لمشار نائب للرئيس)، في الوقت الذي كان فيه جند القائد فاولينو ماتيب وقوات موالية لمشار قد وُضعوا على أهبة الاستعداد، لاجتياح المدينة، وربما قاعة المؤتمر نفسها، إذا جرت الإطاحة بمشار.
* أسطورة نقوندينق
* لا ينحصر الصراع بين الرجلين في عالم الحقيقة وحده، فالأسطورة أيضا تلعب دورها فيه. تقول إحدي أساطير قبيلة «النوير» إن «نقوندينق» (معبود) تنبأ بأن يحكم الجنوب رجل «أفلج» الأسنان، وغير «مشلخ» (علامات توضع على الوجه تشير إلى قبيلة حاملها)، يأتي بعد حرب طويلة، وهي صفات تنطبق على رياك مشار، وتعتقد بعض قبائل جنوب السودان في هذه الأسطورة، وهو أمر له تأثيره على كلا الرجلين، فالأسطورة تثير توتر سلفا كير، ويستخدمها مشار في تحقيق طموحاته السياسية، لدرجة أنه حرص على استرداد «عصا رمح نقوندينق» من بريطانيا بعد الاستيلاء عليها خلال فترة الاستعمار، وجرت إعادتها له عام 2009 بطائرة خاصة، وأقيمت لها طقوس «إشعال النيران». وهكذا لعب «الطوطم» دوره السياسي، ليثير حفيظة الكثيرين، وبينهم الرئيس سلفا كير، لأنه أعطى مصدر قوة «روحيا وقبليا» لمشار بما يجعله مصدر تهديد مستمر لسلطته.
ويضاف إلى الأسطورة الاختلاف الكبير بين الرجلين، فمشار أستاذ جامعي وإداري من طراز رفيع، ظل يدير دولاب الدولة منذ توقيع اتفاقية السلام، فضلا عن عمله رئيسا لمجلس تنسيق الولايات الجنوبية، على عكس الرئيس سلفا كير الذي كان جنديا في استخبارات الجيش السوداني، ومقاتلا شرسا أثناء الحرب الأهلية، مما أهله للترقي لرتبة «قائد» في الجيش الشعبي لتحرير السودان، وجاءت به التوازنات «القبلية» إلى المنصب الأول في الحزب والدولة، بعد رحيل زعيم الحركة الشعبية جون قرنق في حادث الطائرة عام 2005 بعد قليل من توقيع اتفاقية السلام التي أنهت أطول حرب أهلية في أفريقيا. كان مشار كثيرا ما ينتقد أداء رئيسه مع خاصته، وأحيانا أخرى في العلن، ويرد الرئيس بكيد مضاد، لكن توازن القوى «القبلي» في الجنوب أبقى الرجلين المتشاكسين معا.
* حرب القبائل الثورية
* كلا الرجلين يستند إلى «قوة إثنية» مؤثرة وكبيرة في الجيش الشعبي - جيش جنوب السودان - فمشار ينتمي لقبيلة «النوير» التي تعد ثانية قبائل جنوب السودان من حيث عدد السكان، وهي من القبائل المحاربة شديدة المراس، فيما ينتمي الرئيس سلفا كير لقبيلة «الدينكا» وهي كبرى قبائل جنوب السودان بل القبائل الأفريقية من حيث عدد السكان، ولعبت دورا كبيرا في الحرب الأهلية في السودان.
وتاريخيا، هناك تنافس محتدم بين القبيلتين اللتين تنتميان لمجموعة القبائل النيلية «الدينكا، النوير، الشلك»، وهو ما أدى لانشقاق رياك مشار عن الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1991، ليؤسس مع منشقين عن قيادة د.جون قرنق - من الدينكا - «مجموعة الناصر»، ثم «الحركة الموحدة» و«حركة استقلال جنوب السودان» عام 1995.
وخاض مشار حربا شرسة ضد الجيش الشعبي، يتردد أن الخسائر التي تسببت فيها تضاهي ما خسرته حركة التمرد الجنوبي في حربها مع الجيش السوداني، وهو ما جعل الدكتور جون قرنق يقول عنه «إن التاريخ سيظل يذكر رياك مشار بالشخص الذي طعن الحركة في ظهرها حينما كنّا على وشك الانتصار». ثم تفاوض مع حكومة السودان، ووقع ما عرف بـ«اتفاقية الخرطوم للسلام» عام 1997، ومعه أربعة فصائل جنوبية عرفت بـ«مجموعة الناصر»، وأنشئ وفقا للاتفاقية مجلس تنسيق الولايات الجنوبية وعين مشار رئيسا له.
لكن الرجل مدمن التمرد على الخرطوم عاد لحضن الحركة الشعبية مرة أخرى عام 2001، بعد أن اتهم الخرطوم بشن هجمات على قواته، ورفض إنفاذها لبنود الاتفاقية. ويظن على نطاق واسع أن الثقل المقاتل لـ«النوير» كان وراء قبول جون قرنق بعودة مشار لحركته مرة أخرى، وإعادته لموقعه في قيادة الحركة، في الوقت الذي ترك فيه وضع حليف مشار في «اتفاقية الخرطوم» الدكتور لام أكول (وزير الخارجية السوداني السابق) المنتمي لقبيلة «الشلك» النيلية، معلقا داخل الحركة الشعبية حتى رحيله، وهو الأمر الذي «عير» به سلفا كير غريمه مشار بعد نشوب الأحداث في جنوب السودان.
* لعنة التاريخ
* خرج التنافس والصراع على الزعامة بين الرجلين للعلن عقب إعلان مشار رغبته في الترشح لرئاسة الحركة الشعبية ولرئاسة الدولة في الانتخابات المزمع إجراؤها عام 2015. ونقلت تقارير صحافية أن سلفا طلب من مشار التراجع عن الترشح ضده، فرفض الأخير بالقول «لن أتنازل ليومين من أجلك ناهيك عن دورة أخرى من عدة سنوات»، مما أدى لاستقطاب حاد في الجيش الشعبي والحركة الشعبية، وخرج ما كان مكتوما بين الرجلين للعلن.
وفي أبريل (نيسان) الماضي أصدر الرئيس سلفا مرسوما رئاسيا سحب بموجبه الصلاحيات التنفيذية الممنوحة لنائب الرئيس من دون أن يجرده من منصبه، ولم يعلق مشار وقتها على القرار وظل يداوم في مكتبه ويمارس عمله بشكل عادي.
* الضربة القاصمة
* وفي خطوة غير متوقعة أقال رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت في يوليو (تموز) الماضي نائبه رياك مشار وأعضاء حكومته من دون أن يشير لأسباب الإقالة. كما أحال الأمين العام للحركة الشعبية «باقان أموم» للتحقيق. وكان الرئيس سلفا قد أحال في وقت سابق وزير المالية كوستا مانيبي، ووزير مجلس الوزراء دينق ألور، للتحقيق بتهم فساد، وفي خطوة لاحقة أصدر قرارا حل بموجبه أجهزة وهياكل الحركة الشعبية، تحت الزعم أنها فقدت شرعيتها بسبب عدم عقد المؤتمر العام.
وانتقد مشار تلك القرارات، وعدها انتهاكا لدستور الحزب، وقال «ليس من حق الرئيس حل هياكل الحزب بسبب التأخير في عقد المؤتمر القومي»، واتهمه بأنه تجاهل المؤسسية واستند إلى مشورة ثلاثة من مساعديه، وهم نائبه الجديد جيمس واني إيقا، والنائب الثاني دانيال أويت أكوت، ووزير الدفاع كول مانيانغ. وأضاف «كان بالأحرى أن يقيل سلفا كير نفسه كونه جزءًا من نظام الحزب القديم، وأن هذه الهياكل هي التي نصبته رئيسا وفي حال حلها فإن القرار يشمله تلقائيا». وأوضح أن تلك القرارات قد تدفع أغلبية أعضاء الحزب لاتخاذ قرارات تقوض قرارات الرئيس، ووصف ما قام به بأنه محاولة لخلق انقسامات في الحزب، باستخدام رأي الأقلية.
* أولها كلام
* عندما بلغت الأمور هذه الذروة، قال مشار في حوار مع «بي بي سي» إن رئيس الجنوب لم يعد قادرا على إدارة شؤون البلاد، وتفشى الفساد واتسعت رقعة القتال القبلي. وفي منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بلغ التوتر بين الفرقاء في الحركة الشعبية ذروته خلال اجتماع مجلس التحرير، إذ قابل سلفا كير رفاقه السابقين ببرود، رفض مصافحة كل من رياك مشار، وريبيكا زوجة زعيم الحركة الراحل جون قرنق، والأمين العام باقان أموم.
وحسب صحف محلية سودانية فإن سلفا كير انتقد مشار وباقان بعنف لافت، مما أدى لانسحاب 126 عضوا بمجلس التحرير البالغ عددهم 161، احتجاجا على خطاب سلفا كير الذي هاجم فيه بقسوة القادة في مجلس التحرير «مشار، وباقان، ودينق ألور، ونيال دينق»، ثم انسحب 14 من أعضاء المكتب السياسي للحركة البالغ عددهم 19 من الاجتماع.
وبعدها تبادل باقان أموم وسلفا كير الاتهامات، فوصف الأول الثاني بـ«الديكتاتور الذي ضل الطريق عن رؤية الحركة وخرق الدستور»، ورد الثاني بوصفه بـ«المخالف للتنظيم، وأن لجنة المحاسبة أوصت بفصله من جميع مناصب الحزب والدولة». ثم شن سلفا كير هجوما على نائبه السابق مشار وقال «إنه يعد نفسه شخصا تاريخيا بالحركة، ولا يوجد تاريخي أو غير تاريخي»، ورد مشار الصاع صاعين متهما سلفا كير بخرق الدستور، مهددا بأن مجموعته ستقود عملا لتصحيح مسار الحركة وإصلاحها. وقال «سنقوم بتصحيح أخطاء سلفا كير ومسار الحركة»، واتهمه بأنه فقد الرؤية وبدأ يتخبط في اتخاذ القرارات التي «تأتيه من الخرطوم».
* الانقلاب
* عشية اجتماع مجلس التحرير، حدثت اشتباكات بين قوات «تايغر»، أو قوات الحرس الجمهوري، بين مجموعة محسوبة على الرئيس سلفا كير، وأخرى موالية لمشار، وقتل جراء تبادل إطلاق النار المئات، فسارع الرئيس سلفا كير ميارديت إلى الإعلان عن «محاولة انقلابية» بقيادة مشار ومجموعته، وأصدر أوامره بإلقاء القبض على 11 من قادة الحركة الشعبية، بينهم باقان أموم، ودينق ألور، فيما تحفظ على أرملة جون قرنق في منزلها، لكن مشار استطاع الخروج من جوبا، وذهب إلى قريته في «أدوك»، ثم التحق بجنوده في «بانتيو»، حسب تصريحات وزير الخارجية برنابا بنيامين.
ونفى مشار ومجموعته تدبيرهم للانقلاب، وعدوا ما حدث مجرد اشتباكات داخل الحرس الجمهوري نتجت عن الاستفزاز المقصود، وأن سلفا كير يقف وراءها مستهدفا تصفية خصومه السياسيين، فيما اعتبرت ريبيكا قرنق الأمر انشقاقا في الجيش الشعبي.
* اتساع رقعة الحرب
* ثم تواصلت الاشتباكات في جوبا، والتي بدأت تأخذ شكل الحرب القبلية، بين «النوير» الموالين لرياك مشار، و«الدينكا» الموالين للرئيس سلفا كير، وأزهقت أرواح أكثر من 500 بين مدني وعسكري، وأصيب أكثر من 800، ولجأ الآلاف إلى معسكرات الأمم المتحدة في جوبا هربا من القتال، ثم انتقلت الأحداث إلى ولاية الوحدة النفطية وسقطت حاضرتها «بانتيو» على يد الجنرال المنشق «بيتر قديت» الموالي لرياك مشار، وسيطرت في وقت لاحق على كامل الولاية، فيما سقطت ولاية جونقلي في يد مقاتلين موالين لمشار، وبذلك فإن قوات نائب الرئيس السابق تسيطر تقريبا على غالب المناطق النفطية.
* بين السياسة والقبيلة
* على الرغم من رفض الأطراف كافة لوصف الصراع في جنوب السودان بأنه صراع قبلي بين الدينكا والنوير، فإن واقع الحال يقول إن ثقل القوات المتقاتلة مكون من أفراد القبيلتين، فضلا عن تقارير تحدثت عن عمليات تصفية عرقية، في المناطق التي يسيطر عليها المنشقون. وتحاول الأطراف إبقاء الصراع في حدوده السياسية، لكن حال استمراره فإن جنوب السودان مهدد بالانزلاق نحو حرب أهلية شاملة لا تبقي ولا تذر. فعلى الرغم من أن سلفا كير، بقراراته الأخيرة، قد مهد الأرض لنشوء «حلف قبلي» ضده، لكون غرمائه من قبائل متعددة، بينهم شلك ونوير، و5 من المعتقلين من قبيلته الدينكا، إضافة للثقل الرمزي الذي تمثله ريبيكا أرملة قرنق في نظر قبيلته الدينكا، فإن هذا الحلف مهدد بالتفكك، خاصة أن الحرب على المستوى الشعبي قد تأخذ طابع الصراع القبلي، وأنها بلغت حد استخدام العصي والأسلحة التقليدية «الحراب» بين أفراد القبيلتين.
* صراع الأجندات الدولية
* فور نشوب الحرب، سارعت دولة أوغندا إلى إرسال قوات خاصة إلى جوبا، تحت الزعم أنها تريد إجلاء الرعايا الأوغنديين، لكن تصريحات الموالين لمشار والجيش الأوغندي نفسه، تقول إنها جاءت بطلب من الرئيس سلفا كير لاستخدامها ضد خصومه. وتردد على نطاق واسع أن تلك القوات قصفت معسكرات تابعة لبيتر قديت في بور، في الوقت الذي نفت فيه جوبا تلك التقارير، وقالت إن القصف نفذته طائرات مقاتلة مملوكة لجنوب السودان، حسبما أفاد سفير جوبا في الخرطوم.
وفي الوقت ذاته، أعلنت الولايات المتحدة عن إرسال 45 من مشاة البحرية لإجلاء الرعايا الأميركان، لكن إحدى طائرات المجموعة أصيبت في إطلاق نار اتهم به الموالون لمشار، وأدى لإصابة أربعة جنود أميركان، فيما تستعد حاليا لإرسال قوة قوامها 150 جنديا للتوجه إلى جوبا، لإكمال مهمة الإجلاء وحراسة المصالح الأميركية. وحذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من استمرار القتال، وهدد بالتدخل العسكري إذا تم الاستيلاء على السلطة في جنوب السودان بالقوة، وهو ما عده مراقبون مساندة لمعسكر الرئيس سلفا كير ميارديت.
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن جرائم حرب وأعمالا ضد الإنسانية مورست، وإن قوات بعثة المنظمة في جنوب السودان «يونميس3»: «ستستخدم التفويض الممنوح لها لحماية المدنيين». ولم تفوت دولة كينيا المجاورة والمنافسة لأوغندا المناسبة، فأدخلت بعض قواتها في جنوب السودان تحت الذريعة ذاتها، ليتحول الجنوب إلى ثكنة للجنود الأجانب، أما السودان فقد اتهمه موالون لمشار بأنه حشد جيوشه قرب الحدود لحماية إنتاج النفط وسريانه، لكن حكومتي جوبا والخرطوم تنفيان ذلك.
* العالم على الخط
* أرسلت منظمة «إيقاد» الأفريقية التي ترعى اتفاق السلام وزراء خارجية دولها لجوبا، والتقى الوزراء سلفا كير فأبدى موافقته على التفاوض من دون شروط، لكن رياك مشار اشترط للتفاوض إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من مجموعته، وإجراء الحوار في دولة إثيوبيا. لكن وزير الخارجية السوداني علي كرتي، وهو أحد وزراء الإيقاد الذين شاركوا في التفاوض، بدا متشائما، وهو يحدث الصحافيين عن ضعف احتمالات التوصل لاتفاق تفاوضي قريبا، على الرغم من تصريح حكومته أكثر من مرة بأنها مع حل الأزمة عبر التفاوض، ودعوتها للجنوبيين المتقاتلين للاتعاظ بتجربة حربهم مع السودان. فيما أرسلت الولايات المتحدة مبعوثها إلى دولتي السودان دونالد بوث، الذي اجتمع بسلفا كير مطولا، وقال إنه بحث معه الحلول الأميركية التي تقوم على العمل مع جميع الأطراف لإعادة الأوضاع لطبيعتها.
* يد الخرطوم الخفية
* وتحرص الخرطوم التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على العائد من عمليات تصدير النفط عبر أراضيها ومنشآتها، على استمرار تدفق النفط وعدم توقفه، وتردد المجموعات الموالية لمشار أن لها «يدا في الأحداث»، وأنها تمالئ الرئيس سلفا كير منطلقة من أن مجموعته أقرب إليها من المجموعة الأخرى التي تتكون من «غرماء سياسيين» لها، بينهم باقان أموم، ودينق ألور، تتهمهم بالوقوف وراء توتر العلاقات بين البلدين، وبالتالي فإن من مصلحتها أن تسيطر المجموعة الموالية للرئيس سلفا كير على السلطة. ولم تخف الخرطوم موقفها، إذ إنها الوحيدة بين دول العام التي سمت ما حدث في جوبا بـ«الانقلاب»، استنادا إلى الشرعية الانتخابية لحكم الرئيس سلفا كير، ومواثيق الاتحاد الأفريقي التي ترفض الانقلابات العسكرية «الجديدة». كما أنها بدت «مرتاحة» لقرارات الرئيس سلفا كير بإقالة حكومته، وتجميد الأمين العام باقان أموم، وإحالة دينق ألور للتحقيق.
وفي ما يشبه الشماتة، فإن صحيفة «الصحافة» الموالية للحكومة سخرت من الحال الذي وصل إليه الأمين العام للحركة الشعبية «باقان أموم» المعتقل، بما يشبه التشفي، باعتباره كان من مثيري القلق لحكومة الخرطوم، أثناء ترؤسه لوفد التفاوض الجنوبي.
* حسابات الحقل
* تقول حسابات الحقل إن ما قام به الرئيس سلفا كير قفزة كبيرة في الظلام، وإنه صنع «حلفا من القبائل ضده»، وآخر بين قيادات الحركة الشعبية والجيش الشعبي، وإن انشقاقا كبيرا في صفوف الجيش قد يهدد سلطته كثيرا، وإن قوات مشار المكونة أساسا من مقاتلي «النوير» الأشداء يمكن أن تخوض معارك طويلة ضد حكمه وحدها، ناهيك عن الإسناد الذي تجده من غرماء سلفا كير من القبائل الأخرى، بمن فيهم بعض أبناء قبيلته «الدينكا» أنفسهم، لا سيما بين دينكا بور وأبيي. كما أن قبائل الاستوائية المعروفة بعدائها التقليدي للقبائل النيلية منذ اتفاقية أديس أبابا 1973، لا يتوقع أن تساند الرئيس سلفا كير، وفي أفضل الأحوال ستقف تلك القبائل على الحياد، أما قبيلة «الشلك» النيلية فمنقسمة بين باقان أموم ولام أكول المقرب من سلفا كير، لكن حسابات البيدر تضع في ذهنها «التهديد الأميركي» بالتدخل حال استخدام القوة للاستيلاء على السلطة.
* القبيلة في السياسة
* بدأ سياسيون جنوبيون، وبينهم قيادات في الحركة الشعبية، ينظرون للصراع من زاوية مختلفة، لذلك رفعوا أصواتهم مطالبين بتنحي كلا الرجلين، وتكوين حكومة قومية. ووصفت مصادر لـ«الشرق الأوسط» قادة المجموعتين المتصارعتين، بأنهم رجال حرب عصابات وميليشيات، وغير صالحين لحكم الجنوب، وأنهم يسوقونه باتجاه المحرقة، وتضييع الاستقلال الذي نالته الدولة في أقل من عامين، في سبيل طموحاتهما الزعامية. بل ورفع مشار نفسه سقف مطالبه، إلى تكوين حكومة قومية في تصريحات له، على الرغم من استجابته للضغوط اللاحقة وقبوله بالتفاوض المشروط بإطلاق سراح المعتقلين. ويعد الخبراء التفاوض الخيار الأمثل المتاح أمام جنوب السودان، وإلا فستكون الحرب الطويلة، والتدخل الدولي، الذي قد يبلغ حد وضع الدولة الوليدة تحت الوصاية الدولية.
06/11/2014