مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

شَغْلة أبوك .. لا يِغْلبوك

شَغْلة أبوك .. لا يِغْلبوك

محمد أحمد بابا - السعودية

قال لي أبي : فيما يُحكى من الحكايات أنّ شابّاً دأَبَ على سؤال أمّه عن مهنة أبيه الذي توفّي قبل أن يراه،وكانت الأمّ دوماً تُجيبُه بأنّها لا تعرف ماذا كان يعمل أبوه،ومع استمرار السؤال نفسه والإجابة نفسها استقرّ في ذهن الشاب بعد أن أعيتْه الحيلة بأنّ في الأمر سرّ.

هذا الشاب جرّبَ كثيراً من المهن والأعمال ولم يفلح في أيٍّ منها ليعودَ في كلّ مساءٍ للمنزل متذمّراً من حظّه العاثر مردّداً ذات السؤال على أمّه أملاً في أن يجدَ طريقاً ليعملَ مثلما كلن يعملَ أبوه، لكنّ جواب الأمّ كان سدّاً منيعاً دون هذه المحاولة المتبقّية له في عالم الأشغال والأعمال.

في صباح يومٍ من الأيام واتَتْ الفِكرة الذهبية عقلَ هذا الشاب ليستحثَّ أمّه على إفشاء السرّ الذي أرّقه فوقَ أرقه من انسداد أبواب الرّزق في وجهه، قال الشاب لأمّه وهو يخرج من المنزل أودّ أن يكونَ غداؤنا اليوم “رز وعدَس” فما كان من والدته إلا أن هيأتْ ما طلبه ابنها الوحيد منها انتظاراً لقدومه ظهراً .

وعلى مائدة الغداء وقد وُضَع “المعدوس” في إناء يليق بكرامته وقدْره عندَ أهل الحجاز وبُخار النّضج يفوح من ذلك الطّعام الفاخر، فجأة أخذَ الولد بيدِ أمّه ملتقطاً لها بسرعة مطبقاً عليها وأغرقَها بالكامل في الطّبخة التي ما زالت تلفظُ أنفاس الغلَيان،وقالَ لأمّه وهي تصيحُ من الألم لن أُخرجَ يدَك حتى تُخبريني ماذا كانَ أبي يعمل؟ فأجابتْه بسرعة فائقة “كان حرامي الله يلعنك ويلعن أبوك.”

تفتّحَتْ أسارير الشاب واستسمحَ من أمّه وأسرع يحثُّ الخُطا ليبدأ في مهنة أبيه التي لا يصلُحُ لها سوى الليلُ والمساء غطاء وأصبح “حرامي ابن حرامي” وبرَعَ في السرقة وابتسَمِتْ له الدّنيا بأسنان أكلِ أموال الناس بالباطل متخذاً من والده مثالاً.

وبذلك ورغم هذا النوع من “العقوق” والصفة السيئة التي هي “السرقة” مضى من أمثال الناس قديماً "شغلة أبوك .. لا يغلبوك" اعتماداً على أن الناس تورّث لأولادها تعليماً وطبيعةً في نوعيّة المهن وسبُل الاكتساب من خلال ما كانت تعمله، وكمّ من رجلٍ استمرّ في مهنة والده ونجحَ أيّما نجاح.

ولعلّ الدولة العثمانية عندما كانت قابضة على بقعة كبيرة من العالم العربي والإسلامي عوّدَت أهل هذه المناطق ومنها الحجاز على تسمية كثيرٍ من العائلات بأسماء مهنٍ كانوا يمتهنونها لإذكاء روح الانتماء للعمل الشريف ولو عن طريق إحياء حبّ تقليد الأبناء للآباء وحبّ إصباغ الطابع الشخصي من الآباء على أبنائهم.

فاعلم يا بُني : أنّ التوجيه الصحيح نحوَ اختيار المهنة والعمل لا يكونُ ابتداءً إلا من دافع شخصي تواكبه مهارات وقدرات فكلٌّ مُيسّرٌ لِما خُلِقَ له،والناس أجناس وأنواع يختلف بعضُها عن بعض،ولكنّ الآباء بمقدورهم أن يجعلوا من حبّ محاكاة أبنائهم لهم طريقاً سهلاً نحوَ الإبداع في مجالٍ معيّن إكمالاً للمسيرة وبناءً على ما تمّ توفيره من جهد ومعلومات سابقة،واعلم بأنّ ما من شيءٍ في الدنيا إلا وفيه ملجأ أخير إن ضاعتْ الجهود واستنفذت الحلول،فأضعف الإيمان " شغلة أبوك .. لا يغلبوك".
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية