مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

مع صاحبة الوجوه الرصاصية

هي تقطن في العاصمة (الجزائر العاصمة )..شارع حسيبة بن بوعلي ..على درج بناية ..هناك الكل يعرفها

بقلم : أمينة محمد - الجزائر‏
......................

أصادفها منذ أعوام ، ذاهبة للمشفى أو عائدة منه أجدها دوماً رفقة أوراق متجددة. ضيق الوقت لا يمنحني سوى أقل من دقيقة أمر بها بين رسوماتها ...أثارت فضولي يوما فاتصلت بالأخ يوسف...ولحسن حظي أنه يعرفها مسبقا فلم أضطر للتحدث عنها كثيرا ..خطرت لنا فكرة اجراء حوار معها.

بيتها الشارع ، جدارنه أوراقها .. ورصيف النسيان عنوانها ....قلم وأوراق موهبة والقليل من الإبداع هو كل ما يتطلبه الأمر منها لتجعل لصورتك الأصلية نسخة منها ..بقلم رصاص. حاولنا التقرب منها ..وبعد العديد من المحاولات وافقت أخيرا أن نكون استثناءً وقررت أن تتحدث لأول مرة عن نفسها.

- بداية شكراً جزيلاً على وقتك الثمين الذي منحته للجزيرة توك، عرفينا عن نفسك أكثر ..من هي ليندة ؟

تبسمت وقالت : "فتاة ترفض الرضوخ لليأس رغم أن كل محيطها يدعوها لذلك...جذوري من مدينة تقرت لكني عشت حياتي كلها في العاصمة".

- ماذا عن عائلتك ؟ هل لاحظوا تنامي هذه الموهبة لديك؟

"في الحقيقة ..قد نشأت في ظل عائلة مشتتة، تخلت عني والدتي لزوجين من فرنسا .. رعاني الأب البديل بحنان كبير رغم بعده عن الإسلام .. وبعد أن تخلصت مني زوجته أرسلني القاضي إلى مركز رعاية الأيتام واللقطاء كنت لا أزال طفلة وقتها".

- كيف كانت حياتك هناك ..هل منحوك مساحةً للإبداع ؟

"أذكر اني حين كنت أصاب بالحزن والإحباط كان أحد الطيبين من المشرفين على المركز يصحبني الى غرفة يمنحني أقلاماً ويطلب مني أن أختار حائطاً أرسم عليه بحرية. حين بلغت 19 من عمري طلبوا مني مغادرة المركز لأن القانون لا يسمح بأن يظل من هم فوق 18... منحوني وغيري ثلاثة خيارات إما أن نتزوج بأحد المعاقين أو شيخ على حافة الموت .. أو نعمل كخادمات في البيوت .. وإلا فسيكون مصيرنا الشارع دون مأوى .. واختيار البقاء غير مطروح ".

- ماذا فعلت بعدها ؟ أين اتجهت ؟

"أنا هنا منذ 10سنوات ..أسكن الشارع .. أنام على درج البناية أفترش صناديق ورقية و لا أملك بطانية تقيني البرد في الشتاء ... لدي طفل وهو السبب في فكرة الرسم على الطرقات".

- كيف ذلك ؟

"حين بلغ السبعة أشهر من عمره كنت أتأمله يوما وفجأة وجدتني أرسم .. انتبهت الى صورة أم كلثوم داخل دفتري ولم أجد نفسي إلا وقد رسمت وجهها .. بعد قليل أصبحت أفعل الشيء ذاته مع صور مختلفة .. لاحظت توقف المارة وتأملهم لما أفعله .. فراودتني الفكرة والحمدلله نجحت".

- ألم تفكري في التخلي عن ابنك يوما ؟

"أبداً ... أرعاه وحدي والحمدلله لازال هناك أناس طيبون يساعدونني أحيانا ...أحاول أن أكون الأم التي يفتخر بها أمنحه كل ماحرمت منه .. هو اليوم ابن ست سنوات يذهب للمدرسة كل يوم ، مهنتي شريفة لا أحرجه بها وكل ذلك يسعدني".

- لنعد للرسم قليلا ...هل ترسمين إلا الوجوه ولما الوجه بالذات ؟

"لا بالعكس رسمي متنوع .. أستطيع والحمدلله رسم كل ما أريد ..قد يكون تفضيلي للوجه هو أني أعتبر أن ملامح الوجه هي أهم مافي الإنسان .. معبرة جدا ً".

- حسب مالاحظناه أنت ترسمين الصورة انطلاقا من صورة للشخص .. هل تستطيعين الرسم بالوصف فقط ؟

"فعلا .. لابد من صورة ولا أعتقد أني سأفلح بدونها ..".

- ماذا إن تواجد الشخص ذاته أمامك ؟

"سيكون صعبا .. أفضل الصورة لأنها جامدة وملامحها ثابتة مما يمنحني تركيزا أكبر وهدوءا أحتاجه لأتقن عملي ".

- بكم ترسمين الصورة ؟

"تنهدت ... أتعلمين رغم أن أسعاري منخفضة جداً مقارنة بما شاهدته بعيني في أماكن مختلفة إلا أن الناس لا يكفون عن المفاصلة في السعر على حسب الصورة .. بقلم رصاص وحده ب350 دينارا ... بمزايا خاصة 400 دينار ... بأقلام ملونة ب 800 دينار".

- وهل يغطي احتياجاتك مبلغ كهذا ؟

"في الحقيقة أعاني كثيرا من هذا الأمر فأنا متواجدة في مكان الأسعار فيه غالية جدا .. وثمن الأوراق والأقلام لا يترك لي إلا القليل ، قصدت مرة احدى الجمعيات كي توفر لي أوراقا وأقلاما أحتاجها فأعطوني زيتا وسكرا وطحينا وكأني متسولة!".

- ماذا تفعلين غير الرسم ؟

"أتقن الخياطة وأرسم أشكالا مختلفة على القماش ".

- هل قدمت لك أية عروض ؟ هل قصدت معارض لتطوري من نفسك ؟

"صراحة لم أعد أثق بأي جهات ... قدمت لي عروض لكني أخاف من الإستغلال .. يلاحقون حياتي ولا يقدرون فني .. أفضل حريتي. طردت من المعارض بل لم أدعى لها أصلا فلست أهلا لها بنظرهم.

لن أذهب بعيدا هناك صالة عرض مقابلة تماما لمكاني الحالي يعرفونني جيدا يتأملون رسوماتي لكنهم أوقات العرض يتجاهلونني ولا يذكروني ".

- كيف هي حياتك على الرصيف اليوم ؟

"كانت صعبة في البداية تأقلمت معها وصرت أكثر صلابة وتحديا ..كنت أتعرض لمضايقات واهانات يومية ... لم يتقبلوا فكرة فتاة تعمل على الرصيف طول يومها وفي الليل تسكن درج البناية.

يقولون لي رسم الوجوه حرام أنت آثمة .. فهل من يحاول أن يعمل ويتفادى التسول هو مذنب ؟".

- هل لديك طموحات مستقبلية ؟

"مكاني ليس هنا. وليس مع شعب كهذا لا يقدر قيمة الفن. أفكر أن أسافر لبلد آخر حيث ينتبهون لرسوماتي أكثر ويعطونها حقها فأتطور أكثر . سنحت لي فرصة التعرف الى أجانب مروا من أمامي وأعجبوا جدا بما قمت به وعدوني بالمساعدة ولم يتعرضوا لحياتي وكل ما أهمهم هو قلمي ".


- هل تريدين اضافة أي شيء ؟

"أريد أن أقول فقط أني أتمنى حقا أن تكونوا هنا للمساعدة .. لتوصلوا صوتي لكل الشباب الذي لديه موهبة أطلب منهم أن يستغلوها جيدا ولا ييأسوا ... بصراحة كرهت الصحافة فقد شوهتني ولم تساعدني .. صورتني على أني ظاهرة غريبة في المجتمع وما أنا إلا فتاة أنعم الله عليها بموهبة أقتات منها والحمد لله ، وشكرا لموقع الجزيرة توك ".

بحسرة كبيرة وضيق كانت تجيب على أسئلتنا ... التقيناها وهي ترسم .. حدثناها والقلم في يدها لم يتوقف عن الرسم .. غادرناها وهي لا تزال تنظر إلى أوراقها وكأنه الأمل الوحيد الذي تعيش لأجله ... العجيب في الأمر أن ماراً توقف وسمع كل ما قالته، ليخبرنا في النهاية أنه كان يرسم كذلك وتوقف منذ سنوات ليأسه المبكر .. قرر اليوم بعد أن سمعها أن يرسم مجدداً بروح متجددة.

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية