ثلاثون يوما بالحجاب.. مغامرة صحفية أمريكية
| |
هرنجتون | |
بقلم : أمل خير
......................
هل يمكن لقطعة من القماش أن تقلب وجهات نظر الأفراد رأسا على عقب؟هل شخصية المرأة وأفكارها يمكن أن تختلف حين تضع على رأسها قطعة القماش هذه؟ هل الذين يخافون من الحجاب والإسلام يهابون الرمز فقط أم ما يحمله الرمز؟
كل هذه الأسئلة حاولت الصحفية الأمريكية كاسيدي هرنجتون الإجابة عليها حين قررت أن تخوض تجربة فريدة؛ لكي تتعرف أكثر على المجتمعات المسلمة، فأخذت قرارها بارتداء الحجاب لمدة شهر كامل، بداية من شهر أكتوبر 2010 وحتى نهايته..
في البداية كانت تعتقد أن تغيير مظهرها الخارجي سيسمح لها بالتعرف أكثر على المجتمع المسلم وطبيعته، لكنها بعد خوض التجربة اكتشفت أيضا مكانها وموقعها في هذا العالم.
تعمل كاسيدي محررة في صحيفة كنتاكي كرنل، وفي الوقت نفسه تدرس الصحافة والسياسة الدولية بجامعة كنتاكي، وحين فكرت في القيام بهذه المغامرة لم يكن الحجاب بالنسبة لها إلا رمزا مقدسا، صحيح أنه مثير للجدل، ويساء فهمه لحد كبير، إلا أنه مع ذلك يظل رمزا للدين الذي يبلغ عدد أتباعه أكثر من مليار نسمة في العالم، الدين الذي يساء فهمه كذلك ويثار الجدل حوله، ومن هنا أدركت كاسيدي أن أفضل طريقة للتعرف على المسلمين هي معايشة دينهم فقامت في مطلع شهر أكتوبر بوضع غطاء للرأس، وبدأت في ممارسة أنشطتها الطبيعية مع الأسرة، والزملاء والغرباء وهي مرتدية الحجاب.
وبعد مرور شهر كامل على ارتدائها الحجاب أحبت كاسيدي أن تشارك تجربتها مع الجميع، وإن كانت تعرف مقدما أن ذلك سيفتح عليها النار، ويثير الكثير من الجدل حولها، لكنها اعتبرت أن هذه المغامرة قد ألهمتها كلمات لا يمكن نسيانها.
بداية الفكرة
في عمودها الصحفي الأول لهذا العام الدراسي كتبت كاسيدي قائلة: "على مدار الساعة نحن نرى واجهة المنبه، لكننا لا نرى محتوياته الداخلية لنرى كيف يعمل"، وحتى ذلك الوقت لم تكن تدرك مدى حاجتها للتأكيد على جدية كلامها، فقررت أن تنفذه عمليا وتمارس التجربة كصحفية وكامرأة بل وكإنسانة.
وبعد بضعة أسابيع قرأت كاسيدي مقالا لكاتبة مسلمة تصف مشاعر الإسلاموفوبيا التي تقف وراء حملات منع إنشاء مسجد الجراوند زيرو، والذي انهالت على إثره تعليقات لاذعة للقراء، كلها تعبر عن الكراهية والحقد والخوف من الإسلام، ومعظم هذه التعليقات رادفت الإسلام بالعنف والإرهاب، وجاء أحد التعليقات قائلا "الكاتبة تريدنا أن نثق في الإسلام، ولكن في ضوء تجربتنا الجماعية، وفي ضوء تاريخ الإسلام، يحق لي أن أتساءل على أي الكواكب تعتقد الكاتبة أننا نعيش".
وتروي كاسيدي أنها رغم عدم معرفتها بكاتبي هذه التعليقات فإنها شعرت أنها تنتمي إليهم؛ لكونها غير مسلمة، لكنها قررت الانتقال للجهة الأخرى من الكوكب، واعتقدت أن ارتداءها الحجاب سيقربها من هذا المجتمع المجهول الذي تخشاه، وفي نفس الوقت سيمكنها من معايشة ملايين النساء في العالم اللاتي يرتدين الحجاب، وأخيرا سيجعل منها صوتا غربيا غير مسلم يعبر عن حقيقة الإسلام لكثير من غير المسلمين.
وقبل إقدامها على التجربة رأت كاسيدي أن تستطلع رأي بعض الفتيات المسلمات المحجبات في قرارها هذا، لقلقها من مدى انعكاس هذا القرار من فتاة غير مسلمة على المسلمات، فقامت بزيارة رابطة الطلاب المسلمين بالجامعة، وحضرت أحد اجتماعات الرابطة، وكانت وقتها في قمة العصبية والقلق، إلا أنها حين قابلت هبة سليمان رئيسة اتحاد الطلاب المسلمين، وشرحت لها خطتها، شجعتها على ذلك، وأخذت بيدها لباقي المجموعة، وأعلنت عن رغبتها هذه أمام الجميع، وفي نهاية المقابلة صافحتها الكثير من الطالبات، واقتربت منها إحدى الطالبات قائلة لها أحييك على هذا القرار الذي لم أستطع وأنا مسلمة أن أتخذه بعد.
حتى هذه اللحظة لم تكن كاسيدي تشعر بمدى خطورة هذا القرار، ولكنها في هذه اللحظة بالذات شعرت أن الأمر لا يقتصر على مجرد ارتداء هذه القطعة من القماش، بل إنها ستمثل هذا الدين وهذا المجتمع؛ لذا يجب عليها أن تتنبه جيدا لكل خطواتها وتصرفاتها أثناء ارتدائها الحجاب، حتى لا تقدم مثالا سيئا للحجاب والإسلام.
أول خطوة بالحجاب
بعد أسبوعين من لقائها بأعضاء الرابطة التقت كاسيدي هبة سليمان وصديقة أخرى فقامتا بتعليمها كيفية ارتداء الحجاب، وقدمتا لها الدعم المعنوي الكثير، ولاحظت أن ردود الفعل على حجابها شبه منعدمة باستثناء بعض النظرات، ولكنها في نهاية الشهر اعتادت على الحجاب حتى إنها كانت تسير في الجامعة وهي لا تتذكر أنها تضع غطاء على رأسها، وعلى الرغم من عدم تعليق أي من زملائها على حجابها فإنها أدركت أن كثيرا من زملائها وأساتذتها يتحاشون الكلام معها ويتجاهلونها.
وهنا شعرت أن هناك فجوة بينها وبين الجميع أخذت تتسع شيئا فشيئا؛ لمجرد تغيير مظهرها، وعندما سألت زملاءها لم هذا التجاهل، فجاءت الردود إما لأن الأمر يحمل الكثير من الحساسية للتحدث حوله، أو لعدم الاكتراث، تسببت هذه الردود في ضيق كاسيدي؛ حيث كانت تعتقد أن الحجاب ما هو إلا رمز تماما كالصليب أو النجوم في العلم الأمريكي، وأنها ما زالت كما هي كاسيدي هرنجتون، ولكن بمظهر مختلف.
الوطنية الزائفة
تجربة كاسيدي أكدت لها أن كثيرا من الأمريكيين يعانون من مرض الرهاب من الإسلام، بل ويساهمون في تأصيله بالدعابات السمجة، وهي من جانبها تعتبر ذلك نوعا من الوطنية الزائفة، فبعد ارتدائها للحجاب تلقت بريدا إلكترونيا من أحد القراء يحمل عنوان نغمتي الجديدة، وحينما قامت بتشغيل ملف الصوت المرفق سمعت صوت الأذان من الحرم المكي، ثم توقفه بعد إطلاق ثلاث رصاصات ليرتفع بعدها النشيد الوطني الأمريكي، وحينما تحدثت مع مرسل الرسالة أكد لها أنها مجرد مزحة، وهنا تكمن المشكلة من وجهة نظر كاسيدي أننا بدعوى الوطنية نطلق النكات والدعابات لتأصيل الخوف أكثر من دين لا نعرفه جيدا.
وحين توجهت كاسيدي لأحد المؤتمرات الصحفية، فوجئت أنها الوحيدة التي تم توقيفها من بين كل الصحفيين الذين حضروا المؤتمر، وطُلب منها الكشف عن هويتها، حينها تأكدت أنها أتقنت دورها جيدا بالحجاب، لكنها في الوقت نفسه عرفت حجم الخوف والتحامل على الإسلام.
وتتساءل كاسيدي عن سبب الخوف من الإسلام مع أن الغرب ليس في حالة حرب معه، بل إن كثيرا من الجنود المسلمين يخدمون في الجيش الأمريكي ويدافعون عن هذا البلد، وتدعو كاسيدي جميع الأمريكيين لأن يحذو حذوها بالاقتراب من المجتمع المسلم، ومعايشته، ليس شرطا بارتداء الحجاب، ولكن بمشاركتهم المناسبات الدينية، ومحاولة التعرف أكثر على الإسلام الحقيقي.