مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الحمالون الصغار" بالمغرب

عمالة الأطفال

بقلم مريم التيجي
.....................

"أريد أن أحصل على المال الكافي لأذهب يوم الأحد إلى شاطئ البحر".. بهذا الجواب المقتضب رد أحد الأطفال الذين يسرحون في سوق الخضر في الحي الشعبي الكبير في الرباط قبل أن يختفي في الزحام بعد أن رمقت عيناه الصغيرتان سيدة تحمل كيسا كبيرا مملوءا بما اشترته من خضروات من السوق.

ومثل هذا الطفل عشرات غيره ممن يتسابقون لحمل ما ثقل حمله على مرتادي هذه السوق، إلى بيوتهم، ولمسافات بعيدة في بعض الأحيان مقابل درهم واحد أو درهمين.

اللافت أن حركة الأطفال الطلاب في سوق الخضر بدأت قبل أن تغلق المدارس أبوابها، فما إن تبدأ البوادر الأولى لحلول عطلة الصيف حتى يكثر هؤلاء الحمالون الصغار لدرجة أنهم في بعض الأحيان يجعلون حركتك وسط السوق شبه مستحيلة، خاصة عندما تقع مشاجرة بينهم حول من له الأسبقية في حمل متاعك إذا كان يبدو عليك أثر الكرم، أو سبقت لبعضهم معك تجربة مربحة.
وإذا نجوت من هؤلاء الحمالين، فإنك لن تنجو بسهولة من بائعي الأكياس البلاستيكية، الذين يملئون السوق بأصواتهم الصغيرة، وهم يصرخون "ميكا بأربعة، ميكا بعشرة" لإعلان أثمان أكياسهم البلاستيكية.

العطلة ليست للجميع


هؤلاء الصغار الذين لم يستجيبوا لنداء وزارة الشبيبة والرياضة المغربية التي جعلت عنوان هذا الصيف "العطلة للجميع"، وخفضت أثمان المخيمات الصيفية لتكون في متناول كل الأطفال، لديهم أسبابهم التي دفعتهم لاختيار العمل في السوق بدل الذهاب إلى شاطئ البحر أو سفح الجبل.
"عبد العليم" طفل في العاشرة من عمره يعمل في حمل الأكياس، وما إن يرى زبونا محتملا حتى يبادر إليه ليحمل عنه ثقله، دون أن ينتظر موافقته، وإذا قال له الزبون بأنه لا يزال صغيرا، ولن يستطيع القيام بهذه المهمة يتشبث بالحمل أكثر، وهو يقول: "جربني، ولن تندم".

ولجعل عبد العليم يتكلم عن تجربته في سوق الخضر كنت أحتاج إلى أن أعطيه ثمن الحمولة التي قد أضيعها عليه.. يتفحص القطع النقدية وينطلق لسانه قائلا: "أحتاج لشراء ملابس البحر، ولأخرج كل أسبوع إلى الشاطئ، وأشتري كل ما أحتاج إليه.. والدي يرفض أن يعطيني مالا لأجل ذلك، وأنا لا أريد أن أسرق أو أتسول مثل أطفال آخرين؛ لذا أعمل حمالا طيلة الأسبوع، ويوم الأحد أقضيه على الشاطئ".
وعن أرباحه ومعاناته اليومية مع مهنته الصيفية، يقول عبد العليم: "أحيانا أجني خمسة دراهم (نصف دولار) في اليوم، وأحيانا أكثر، وفي أحسن الأيام أربح عشرين درهما (دولارين)، ومشكلتي مع بعض الزبائن الذين يرفضون أن يدفعوا لي فقط لأني صغير السن مع أني أحمل لهم أكياسهم الثقيلة لمسافات طويلة".

بيع الأكياس أفضل

"حسن" البالغ من العمر خمس عشرة سنة له تجربة مختلفة، حيث إنه يعمل حمالا في الأسابيع الأولى فقط من العطلة الصيفية إلى أن يجمع رأس المال الكافي ليبدأ تجارته، فهو يفضل أن يبيع الأكياس البلاستيكية السوداء بدل حمل الأثقال في قيظ الصيف.
وبفضل هذه المهنة استطاع حسن أن يوفر مبلغا مهما كل يوم، وما يجمعه يعطيه لأمه لكي تحفظه له، وعندما يشعر أنه جمع ما يمكنه من شراء حذاء رياضي من النوع الغالي الثمن سيطلب من أمه أن تخرج ما ادخره ليتمكن من الدخول إلى المدرسة بحذاء لا يحلم زملاؤه بارتداء مثله.

رحلة "كريم"

وبعيدا عن صخب السوق الشعبية، يركب "كريم" ذو الأربعة عشر ربيعا الحافلة المتوجهة إلى تخوم العاصمة الرباط، ليذهب إلى سوق يرتاده ميسورو الحال في المنطقة.
ولا يتردد كريم في الحديث عن رحلته اليومية، ويقول: " أبحث عن بعض الزبائن الميسورين لأحمل متاعهم، وأساعدهم في وضع مشترياتهم في السيارات مقابل ما يجودون به عليّ، والعمل هناك -رغم مضايقة رجال الأمن الذين يطردونني باستمرار- أفضل؛ لأنه يدر عليّ دخلا مهما أكثر مما كنت سأجنيه من السوق الشعبية ".
ويضيف كريم: " أعمل لأشتري الكتب المدرسية لي ولإخوتي؛ لأن أمي لا تستطيع أن توفر لنا ما يكفي من عملها في البيوت، وأبي توفي منذ زمن بعيد"

أعمال أخرى

إضافة إلى عمل طلاب المدارس في الأسواق، فإنهم يعملون أيضا في مهن أخرى كالصناعات التقليدية داخل أسوار المدن العتيقة والورش الصغيرة، غير أن الزراعة تمثل القطاع الأهم الذي يقبل عليه أبناء المدارس خاصة في الريف المغربي.

وفي بداية عام 2004 ، نشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) دراسة لها أشارت فيها إلى أن 51% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة في الجنوب المغربي يعملون في الزراعة، كما أنهم يعملون ما بين 4 و8 ساعات يوميا.
وليست بدعة العمل في الصيف من أجل شراء الكتب المدرسية في بداية الموسم الدراسي جديدة، أو مرتبطة بالأطفال الذين لا يجدون معيلا، بل هي عادة قديمة، إلا أن طقوسها تغيرت.

وفي هذا الصدد يحكي أستاذ اللغة الفرنسية "العفير محمد" قائلا: إنه كان في الستينيات من القرن الماضي برفقة مجموعة من أصدقائه يسافرون إلى أوربا في الصيف، حيث لم تكن التأشيرة مطلوبة لاجتياز الحدود، كان يكفي توفير ثمن الرحلة، لتتكفل السفن بنقلهم إلى القارة الأوربية، وكانوا يقضون الصيف في العمل في الحقول، وبعضهم ممن كانت له خبرة أكثر، كان يعمل في المطاعم والمقاهي، ليعودوا قبل انطلاق الموسم الدراسي بأيام، ويبدءوا استعدادات العام الجديد، بشراء كل المستلزمات وتوفير ما تبقى من أجل المصاريف اليومية.

السبب الظروف الصعبة

وتعلق "بشرى المفلح" -وهي باحثة مغربية- على ظاهرة عمل أبناء المدارس في الصيف بأنها عادة بدأت تتحول إلى اضطرار سنة بعد أخرى في أوساط بعض التلاميذ الذين يعيشون ظروفا صعبة لا سيما أن نسبة الفقر في المغرب تصل إلى 19% من إجمالي السكان الذين يتجاوزون الثلاثين مليون نسمة وفقا لتقارير رسمية.
وتضيف بشرى المفلح "أنه حينما يحرم طفل أو مراهق من الاستمتاع بالعطلة، سواء مع أقرانه أو مع عائلته، ليقضي أيام العطلة في العمل، مهما كان دافعه لذلك، فهذا أمر يسيء إلى صحته النفسية، ويحرمه من أحد حقوقه، وقد يؤثر على مردوده في الدراسة؛ لأن العطلة هي موسم الراحة والسفر والاستمتاع بالوقت قبل استئناف دورة جديدة من دورات الدراسة".
لكن عندما لا يأخذ الطفل حصته من الراحة ويتوجه بدل ذلك للعمل، فلن يكون الموسم الدراسي الجديد دورة جديدة بل قد يتحول إلى فرصة للراحة من العمل الشاق، وفقا للباحثة المغربية.
وتؤكد "بشرى المفلح" أن عمل الأطفال طيلة السنة بدأ يتحول إلى قضية في المغرب لما يطرحه من انعكاسات سلبية على النمو السليم للطفل، ولكن لا بد من القيام بدراسات على العمل الموسمي خاصة بالنسبة لأطفال المدارس؛ لأنه إذا تجاوز حدودا معينة يصبح له ضرر بالغ على مستقبل الأطفال.

عمل مفيد بشروط

وفي المقابل هناك من يرى أن العمل الموسمي له فائدة بالنسبة للتلاميذ، حيث إنه يساعدهم على الاندماج في الحياة، وعلى القدرة على اكتساب مهارات جديدة إضافة إلى المهارات التي قد يكتسبونها في المدارس؛ وهو ما سيؤهلهم للنجاح أكثر في المستقبل.
كما أنه رغم أن المغرب وقع على اتفاقيات دولية تمنع تشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، فإن الحديث عن عمل طلاب المدارس أثناء الدراسة، أو في فترات العطلة الصيفية مباشرة له وضعية خاصة.

فالقوانين الدولية لا تضع عمل الأطفال في خانة واحدة، حيث يمكن وضع عمل طلاب المدارس أثناء العطلة السنوية في خانة المسموح به، حيث إن التقرير الصادر عن مؤتمر العمل الدولي المنعقد سنة 2002 يعتبر أن عمل الأطفال لا يشمل كل العمل الذي يؤديه الأطفال تحت سن 18، حيث إن هناك عددا من الأطفال تحت هذه السن يؤدون أعمالا مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة الأجر، دون أن تكون غير مشروعة؛ لأنها تتناسب مع سنهم ومستوى نضجهم.
ويعتبر التقرير الدولي أن العمل غير المشروع الذي تجب محاربته هو العمل الذي يعرِّض سلامة الطفل البدنية أو العقلية أو الأخلاقية للخطر إما بسبب طبيعته أو بسبب الظروف التي يتم فيها.

ومن هنا فقد يكون عمل الأطفال لمساعدة الأب في عمله مثلا بالزراعة أو أي حرفة أخرى أمرا مطلوبا، حيث إن ذلك قد يقلل التكاليف، ويحسِّن مستوى الأسرة، كما يساعد الطفل على تحمل المسئولية، إلا أن ذلك إذا تم لا بد أن يكون بشروط منها: عدم خروج الطفل من التعليم، وألا تمثل هذه المهنة خطرا على بدن الطفل أو عقله وأخلاقه إضافة إلى وجود مساحة من الترفيه في العطلة بجوار العمل بما لا يجعل الطالب مرهقا عند عودته للدورة المدرسية مرة أخرى.


صحفية مغربية
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية