سيناء .. «مطاريد الجبل»: الأمن جعلنا مجرمين
|
بعض المطاريد يتحدثون لأشرف جمال» |
تحقيق أشرف جمال
ستلتقى اليوم بمجموعة من مطاريد الجبل الهاربين من أحكام غيابية بعضها يصل للمؤبد».. كلمات رد بها دليلى وسائقى «سالم» على تحية الصباح، التى وجهتها إليه فور استقلالى سيارته، فكان وقعها كالصعق أو أشد قسوة على أطرافى، فقابلته بسيل من الأسئلة الممزوجة بلهفة من فاز بجائزة كبرى وينتظر تسلمها، حول الزمان والمكان، خاصة أننى منذ بداية معرفتى به وأنا أضغط عليه لكى ألتقى بهم، خصوصاً أنه كثيراً ما حدثنى عن الظلم والتلفيق، الذى تعرضوا له من الأمن.
أمام منزل على أطراف إحدى القرى السياحية استقبلنى رجل يرتدى اللباس البدوى، واصطحبنى و«سالم» إلى داخل البيت بعد أن مسح محيط المكان بنظرة من عينيه لأجد عدداً من الرجال ملتفين حول «براد الشاى»، سرعان ما وقفوا لاستقبالى بابتسامة هدّأت كثيراً من روعى، فجلست بجوارهم، وحاولت التعرف عليهم، لكنهم قالوا فى صوت واحد «الأسماء مش مهمة».
«ر.س.ع» شاب من البدو، الذين تحولت حياتهم إلى جحيم، بسبب تفجيرات طابا 2001، مؤكداً أنه واجه حكماً غيابياً بالحبس 15 عاماً دون أى ذنب، ومنذ ذلك الوقت وهو يعيش وغيره مطاردين ودون أى أوراق، ولا حتى بطاقة هوية أو قسيمة زواج.
هنا تدخل «سالم» قائلاً: «الشرطة كانت تجهز المحاضر ضدنا سلفاً، ولو ذهب (ر) ليطلب التحقيق معه كانوا سيسجنونه ظلماً».
«مستعدون لتدمير السياحة تماماً فى جنوب سيناء».. جملة رددها بحدة شديدة شاب آخر من الجالسين، مؤكداً أن ما يمنعهم عن ذلك هو حبهم لهذا البلد، ويقينهم بأنه سيأتى اليوم الذى يحصدون فيه من خيره.
هذا الشاب حسبما أكد لى تم القبض عليه فى رأس سدر عام 2001 بتهمة سرقة كابلات من الجيش، رغم أنه ليس من أبناء رأس سدر، وكان فى زيارة لأهل زوجته، لكنهم اقتحموا الشارع، واعتقلوا كل من كان فيه من رجال.
وقال: «حينما أنكرت بشدة هذه التهمة، وأكدت لهم بالدليل أننى لست من أبناء هذه المنطقة، وأعمل سائقاً فى طابا، لفقوا لى قضية اتجار مخدرات، وتمت كتابة المحضر دون حتى أخذ أقوالى، لكنى تمكنت من الهرب أثناء ترحيلى، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعيش فى الجبال، وأتنقل من مكان إلى آخر عبر الصحراء والمسالك غير المعروفة للحكومة، وعشت مع المهربين وتجار السلاح ومطاريد عليهم أحكام أكثر من ٧٥ سنة، معظمهم يواجهون تهماً ملفقة لمجرد أنهم بدو».
وقال رجل ثالث، يبدو أنه صاحب المنزل الذى اجتمعنا به: «بعد الثورة سيطر البدو على طابا كلها، وكانوا يحمون الطريق فى غياب الشرطة، ووقتها استطعنا أن نترك الجبل ونعود إلى قبائلنا لنحميها، بل وقفنا مع الجيش والشرطة ضد بعض عصابات شمال سيناء، التى أرادت نهب القرى السياحية، رغم أننا كنا نستطيع الانتقام من الشرطة لما فعلته معنا، لكن البدو لديهم أخلاق ويعرفون قيمة حماية الأرض».
والتقط رجل فى بداية الخمسينيات من عمره، أطراف الحديث قائلاً: «منذ فترة سمعنا أن كل الأحكام الغيابية سوف تسقط، لكن إلى الآن لم يحدث شىء من هذا القبيل، رغم أن أغلبنا هارب من أحكام منذ أكثر من سبع سنوات على خلفية أحداث الإرهاب والتفجيرات التى يتهمون فيها البدو دون أى سند أو دليل».