مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 طه حسين يستعيد أجواء معاركه

 

طه حسين

 

القاهرة: محمد فتحي يونس

عمر من المعارك قضاه طه حسين على الأرض، وفي ذكرى رحيله السابعة والثلاثين يتبقى من تلك المعارك آثارها وتقاليدها وخصوبتها الفكرية، فيما يظل اسم صاحبها باقيا بقاء الأدب العربي.

فما بين معارك العدالة الاجتماعية ومحاربة الاستبداد السياسي والجمود الديني وقبلها إثبات الذات وحفر الاسم في سجل المفكرين مضت أيام طه حسين، فهو صاحب معركة الشعر الجاهلي، و«المعذبون في الأرض» و«مستقبل الثقافة في مصر»، و«الفتنة الكبرى»، مضى يتكئ على قدر كبير من الشجاعة والضمير وبعض الأصوات المشجعة. ففي كتابه «شخصيات لها العجب» ينقل الكاتب صلاح عيسى رسالة كتبها المستشرق ماسينيون إلى حسين يشد على يديه ويقول فيها: «في عالم المبتزين الجبناء تتألق شجاعتك فتواسي العاجزين عن الاستشهاد من أجل العدل، لذلك أدعو الله أن يباركك لقاء الزكاة الروحية التي تؤديها للشعب الذي أنجبك».

وخلال محنة 1934 بعد فصله من عمله كعميد لكلية الآداب قال لزوجته سوزان: «إننا لا نحيا كي نكون سعداء»، وفي رسالة أخرى يوضح لها قيمة المعارك فيقول: «إنك تعرفين هذا النوع من الرضا الذي يعقب القيام بالواجب، وذلك الشعور بأن المرء على مستوى الرسالة التي كلف بها رغم المصاعب التي يواجهها».

يستحضر الكاتب حلمي النمنم، نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، مؤلف كتاب «طه حسين والصهيونية»، أجواء معارك عميد الأدب العربي فيقول: «طوال حياته خاض طه حسين ثلاثة أنواع من المعارك أولها ضد السلفية والجمود الديني، والثانية ضد الاستبداد السياسي، والنوع الثالث كان ضد الظلم الاجتماعي والقيود الحديدية بين الطبقات. واتسم أداء طه حسين في معاركه بأنواعها المختلفة بكثير من الصفات الراقية، منها أنه كان كبيرا دائما ويترفع عن الصغائر مهما بلغت درجة الخصومة أو الخلاف في الرأي، كما أنه كان يؤمن أن الكاتب كي يكون كبيرا فلا بد ألا يخشى إعلان رأيه في أي توقيت وتحت أي ظرف. فلم يكن منافقا بالمعنى السياسي كما لم ينافق المجتمع أيضا وتحدى الذوق الشعبي في ظروف ومناسبات عديدة أبرزها معاركه الأولى مع الشعر الجاهلي، كان يتخذ مواقفه بناء على ما يقتنع به ويؤمن بجدواه، لم يبحث عن معارضة للأمير من أجل إرضاء العامة. فهو لا يهمه إرضاء أحد أميرا كان أو مواطنا بسيطا. كانت تهمه الحقيقة أو ما يظنه الحقيقة». واستعرض النمنم بعضا من معارك طه حسين في محاورها الثلاثة فقال: «بدأ طه حسين معاركه الصاخبة بكتاب الشعر الجاهلي وكان يتحدى من خلاله الجمود الديني أو الفهم المغلق للدين، واستكمل هذا المحور بمؤلفات أخرى منها ما كتبه عن الفتنة الكبرى سواء بتحديده أسبابا اقتصادية لها، حين خرج العرب إلى الأمصار بعد الفتوحات وكثرت المكاسب وساد الخلاف حول عدالة توزيعها، أو ما كتبه عن علي بن أي طالب وبنيه. فمعركة طه حسين ضد الجمود الديني هدفت إلى تأسيس مدرسة تنتهج المناهج العلمية في تحليل التراث الديني كخطوة في طريق التنوير».

وفي معاركه ضد الاستبداد السياسي يؤكد النمنم أن طه حسين خاض نزالا حادا طوال تاريخه، فرفض منح عدد من الدكتوراه الفخرية للعائلة والمحسوبين على القصر الملكي، بل فصله رئيس وزراء مصر المستبد إسماعيل صدقي من عمادته لكلية الآداب نتيجة مواقفه السياسية المخالفة لتوجهات الحكومة.

أما المحور الثالث من معارك طه حسين فيقول النمنم إنه خاضها من أجل العدالة الاجتماعية، فكتب مثلا «المعذبون في الأرض» عن أحوال الفقراء في مصر، وطبع طبعته الأولى في بيروت لأن السلطات في مصر اعتبرته شيوعيا. وكان هذا الاتهام الوهمي سببا في اعتراض الملك عام 1950 على تعيينه( طه حسين) وزيرا في وزارة مصطفى النحاس لأنه شيوعي في رأيهم لكن الملك تراجع، وأثناء عمله في وزارة التعليم تبنى مبدأه الشهير وهو أن التعليم حق كالماء والهواء، ورفض بشكل قاطع كل محاولات عرقلة الصعود الاجتماعي عبر التعليم لأولاد الفلاحين واستمر جهاده من أجل مجانية التعليم حتى تحقق فعلا عام 1957 في عهد عبد الناصر. وأثناء العهد الناصري تعرض طه حسين لهجوم كاسح باعتباره محسوبا على العهد البائد كما تصور مهاجموه، لكنه صمد وقاتل حتى حقق ما كان يصبو إليه.

ملمح آخر من معارك العميد يكشف عنه الباحث عبد الرشيد صادق محمودي بقوله: «إن معارك طه حسين لم تكن بلا هدف أو لمحاربة طواحين الهواء، بل كانت لتأسيس مدارس جديدة على الفكر العربي وقتها، فمعركته مع جورجي زيدان حول تاريخ آداب اللغة العربية، كان جزء من أسبابها في رأيه ينبع من الرغبة في إثبات الذات أمام الكبار، لكن الأسباب الأهم والأبقى كانت رغبة عميد الأدب العربي في تأسيس مدرسة جديدة تتبع المناهج العلمية في التأريخ للأدب العربي ودراسته، واستمر منحاه بالحدة نفسها مع الشعراء المعاصرين والسابقين عليه مثل شوقي وحافظ إبراهيم، والكتاب المحافظين مثل مصطفى صادق الرافعي. كان طه حسين ينهال بمعاول على أسماء كبيرة بأفكاره الجديدة ومناهجه المنظمة الرصينة، يدفعه أحيانا جموح الشباب ونزقه لكن في الأغلب كان يحرك كثيرا من المياه الراكدة في الفكر العربي».


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية