مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 أنفاق غزة.. من الاستيراد إلى التصدير

على الرغم من تراجع وتيرة التهريب من مصر إلى قطاع غزة بشكل كبير، فإن هناك بعض المواد الأساسية ما زالت الأنفاق تعمل على تهريبها إلى غزة (رويترز)

غزة: صالح النعامي رفح (مصر): يسري محمد

انحرفت الشاحنة المتجهة شمالا.. التي كانت ضمن مجموعة أخرى من الشاحنات، بشكل مفاجئ إلى يمين الطريق وتوقفت بالقرب من أحد الحقول الزراعية، حيث كان في انتظارها شاحنة صغيرة وجرار صغير مزود برافعة، وسرعان ما قام الجرار بواسطة الرافعة بنقل نحو نصف البضائع التي كانت مكدسة في الشاحنة الكبيرة للشاحنة الصغيرة التي اتجهت جنوبا، في حين واصلت الشاحنة الكبيرة طريقها في اتجاه الشمال.

هذا المشهد يتكرر كثيرا هذا الأيام، فالشاحنة الكبيرة واحدة من عشرات تنقل البضائع التي يستوردها قطاع غزة بواسطة إسرائيل عبر معبر كرم أبو سالم، بعد تخفيف الحصار إسرائيل. وقد تم تفريغ نصف حمولة تلك الشاحنة التي كانت متجهة إلى شمال القطاع في الشاحنة الصغيرة التي اتجهت إلى منطقة الأنفاق في الجنوب، لكي يتم نقل حمولتها من الصابون ومستحضرات التجميل للجانب المصري.

وفي اتجاه عكسي لوظيفة الأنفاق الحدودية بين قطاع غزة والأراضي المصرية، بدأت البضائع القادمة من القطاع تنعش أسواق رفح والعريش بسيناء حيث بدأ تجار مصريون يعقدون صفقات بالملايين لشراء بضائع غزة منها الأبقار التي تقل أسعارها ألفي جنيه عن السوق المصرية، في حين سجل الخروف من نوع «مارينو» أعلى سعر.

واستغل تجار الأنفاق الوضع الجديد، وقاموا بتهريب المنتجات الإسرائيلية والفلسطينية من القطاع إلى الأسواق المصرية، التي أصبحت تباع علنا في أسواق مدن سيناء الشمالية القريبة من خط الحدود مع غزة.

وساهم انخفاض سعرها عن مثيلاتها الموجودة بمصر في سرعة ترويجها خاصة منتجات الأغطية والجلود والعجول والملابس والمنظفات الصناعية والشامبوهات.

وعلى الرغم من الحملات التموينية التي شنتها أجهزة الأمن المصرية خلال الفترة الماضية وضبط كميات من البضائع القادمة من القطاع مجهولة المصدر، فإن البضائع ما زالت تروج، وإن كان ذلك يجري سرا من داخل منازل السكان المحليين. فالثقة التي تتمتع بها المنتجات القادمة من غزة والتي كانت تروج بشكل رسمي وطبيعي قبل غلق معبر رفح الحدودي هي أيضا من المقومات التي جعلت الإقبال عاليا على شراء هذه المنتجات.

الحاجة «عيشة» افترشت بضاعتها من الصابون والمنظفات الصناعية لعرضها على المترددين على سوق مدينة رفح المصرية راغبة في تحقيق مكسب يمكنها من تحقيق عدة جنيهات تمكنها من العيش وصغارها. تقول عيشة إنها لا تدري من أين تأتي هذه البضائع لكن تجار الجملة الذين تبتاع منهم بضاعتها يروجونها بأسعار أقل من المنتجات المصرية الأخرى، لذا، فهي تحرص على شرائها حتى يمكنها تحقيق مكاسب أعلى خاصة أن المشترين يقبلون على شراء مثل هذه المنتجات.

ويقول عادل محمود، موظف من سكان رفح، إن البضائع القادمة من غزة يعرفها جميع السكان المحليين هنا لأنها كانت تملأ الأسواق قبل إغلاق المعبر بعد سيطرة حركة حماس عليه، حيث اعتاد الجميع على شرائها لسنوات طويلة بعدما كانت تصل إليهم عبر «تجار الشنطة» الذين كانوا يترددون بشكل يومي على معبر رفح، أما الآن فتأتي عن طريق الأنفاق.

مسؤولون مصريون يؤكدون أن حملات تموينية مكثفة تمكنت خلال الفترة الماضية من ضبط كميات من البضائع القادمة من قطاع غزة مجهولة المصدر، إلا أن عددا كبيرا من سكان مدينة رفح ما زالوا يقبلون على شراء البضائع القادمة من غزة سواء التي تباع سرا أو التي تباع علنا.

وتنتشر البضائع الفلسطينية بشكل ملحوظ في أسواق السبت والأربعاء برفح المصرية وسوق الثلاثاء بالشيخ زويد وسوق الاثنين بقرية الجورة، كما توجد بضائع أخرى في بعض الأسواق العشوائية التي انتشرت بمدينة رفح والشيخ زويد والعريش، بالإضافة إلى وجود بعض البدويات أمام معبر رفح لبيع هذه المنتجات.

ويقول أحد التجار المصريين المقربين من مهربي الأنفاق إن أهم ما يتم تهريبه في الفترة الحالية من غزة إلى مصر هو الأبقار التي تتميز برخص سعرها ويقل بنحو ألفي جنيه مصري عن الأسعار الموجودة بمصر، وأيضا يتم تهريب أنواع من الماعز والخراف خاصة نوع «مارينو» حيث يتراوح سعرها بين 3 آلاف و5 آلاف جنيه للخروف الواحد. ويضيف أن تجارة الجلود القادمة من قطاع غزة شهدت أيضا انتعاشا خلال الفترة الماضية. ويتم أيضا تهريب البطاطين خاصة نوع «ماجك» التي يتراوح سعرها بين 330 و650 جنيها مصريا. كما تنتشر أيضا بأسواق رفح المفارش الفلسطينية ويباع المفرش بسعر 20 جنيها كما يتم تهريب الشامبو وصابون «هاواي» ويتبادله مواطنو رفح والعريش كنوع من الهدايا.

لكن سليمان البعيرة، رئيس المجلس المحلى لمركز رفح، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن حجم البضائع التي يتم تهريبها من غزة إلى مصر عبر الأنفاق قليل جدا ولا يمكن أن يؤثر على السوق المصرية، فأغلب هذه البضائع بضائع إسرائيلية ليست ذات جودة عالية وتتسم بارتفاع ثمنها. وقال محمد حسين مدير التموين بمحافظة شمال سيناء إن هناك عدة حملات واسعة النطاق قد تمت لضبط السلع والبضائع مجهولة المصدر داخل أسواق رفح وشمال سيناء. وأضاف أنه قد تم تحرير 22 مخالفة خاصة بضبط عدة سلع إسرائيلية وسلع أخرى مجهولة المصدر يرجح أن تكون قادمة من غزة وذلك بمدينتي العريش وبئر العبد.

ومن أهم البضائع التي يتم تهريبها إلى مصر عبر الأنفاق أيضا أنواع كثيرة من الحمضيات مثل «الكلميتا» المهجنة ومنتجات الألبان، خاصة زبادي «الشيمينت» وتوجد في أسواق «الماسورة» برفح، وكانت الواحدة تباع بسعر 3 جنيهات، إضافة للملابس النسائية وملابس الأطفال والكاكاو المعبأ وهو نوعان؛ «مر وحلو»، ويقبل المصريون على المر أكثر لقلة نسبة السكر فيه، وكذا أكياس المناديل الورقية التي تباع بالكيلو ويصل سعر الكيلو إلى 10 جنيهات وكذا تباع المكسرات مثل البندق وغيره، أما الشوكولاته السائلة فتأتى بالطلب وتباع في محلات بالعريش.

ويرى التجار المصريون الذين عملوا في تجارة الأنفاق السرية خلال السنوات الماضية أن السلع المصرية المهربة إلى قطاع غزة لن تستطيع المنافسة داخل هذه السوق نتيجة ارتفاع أسعارها. ويتوقع التجار المصريون أن تشهد الفترة المقبلة ازديادا ملحوظا في حجم التجارة العكسية بين مصر وقطاع غزة لوجود سوق رائجة للبضائع القادمة من غزة وبعضها مصنع في إسرائيل والبعض الآخر مستورد من دول أخرى خاصة تركيا. وتغري البضائع القادمة من غزة ذات الماركات العالمية المشترين من التجار. وقد بدأ عدد من التجار المصريين من خارج سيناء في عقد صفقات مع المهربين لتزويدهم بالبضائع القادمة من غزة، وبدأوا في ضخ ملايين الجنيهات للحصول على البضائع القادمة من القطاع.

وحققت تجارة الأنفاق النشطة الثراء لعدد من سكان مدينة رفح المصرية الذين يعملون في مجال التهريب وأدت إلى ارتفاع أسعار الأراضي الواقعة على الحدود بين مصر وغزة التي تستخدم كمخازن للسلع التي يتم تهريبها.

عشرات العائلات داخل مدينة رفح التي لا يتجاوز عدد سكانها 40 ألف نسمة تعمل في خدمات متصلة بتجارة الأنفاق مثل تغليف البضائع في الأكياس البلاستيكية ونقلها في الشاحنات الصغيرة إلى مناطق الأنفاق ومراقبة المدقات والطرقات إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المنازل التي حولت حجرة أو حجرتين بداخلها إلى مخازن للبضائع المهربة. ولا تتوافر بمدينة رفح المصرية فرص عمل كثيرة، حيث لا يوجد بالمدينة أي مشروعات صناعية ولا يحصل سكانها إلا على عدد محدود من الوظائف الحكومية، في حين تتوافر فرص قليلة في المجال الزراعي وقيادة سيارات نقل الركاب. وقال علاء الكاشف، وهو محام من سيناء ورئيس اللجنة الشعبية لحقوق المواطن، إن هناك نحو 427 حكما قضائيا قد صدر ضد مواطنين في رفح المصرية وحدها في قضايا الشروع في حفر أنفاق وتهريب بضائع عبر الحدود، وإن بعض هذه الأحكام يبدأ من 3 أعوام وحتى 15 عاما. وقال الكاشف إن هذه الأحكام غيابية وإن من تم القبض عليهم لا تزيد نسبتهم عن واحد في المائة فقط.

وعلى الجانب الفلسطيني، تحولت «النغمة» إلى «نعمة».. فهناك طلب مصري شديد على المعادن وتحديدا الحديد والنحاس، فالفلسطينيون يقومون بتخليص قضبان الحديد من ركام المنازل والمؤسسات التي دمرت خلال الحرب، ويتم تهريبها عبر الأنفاق لمصر، حيث تقوم مصانع الصلب المصرية بصهرها وإعادة تصنيعها من جديد. بعض الفلسطينيين يعملون في مجال تخليص قضبان الحديد، حيث يقوم تجار بشراء هذه القضبان ونقلها عبر الأنفاق. كما يبدي التجار المصريون اهتماما بالحصول على النحاس المستعمل، حيث إنه ما زال هناك الكثير من هذا المعدن في ركام المستوطنات التي دمرها الاحتلال أثناء تنفيذ خطة «فك الارتباط» في قطاع غزة، وهذا بدوره أوجد عملا لكثيرين في قطاع غزة.

ينطلق سعيد برير، 26 عاما، مع انبلاج الفجر متجها على دراجته النارية ذات العجلات الثلاث (التوك توك) مسرعا صوب ما تبقى من ركام المستوطنات في التجميع الاستيطاني «غوش قطيف» الذي كان قائما في قطاع غزة قبل تنفيذ خطة فك الارتباط، حيث يبحث بشكل خاص عن نحاس خردة بين الأنقاض ووسط الركام. لا يكتفي سعيد بفحص الركام، بل يتجه إلى فحص أكوام التراب المحيطة بالركام، ولا يعود إلى منزله الواقع في المناطق الريفية شرق مدينة دير البلح إلا في نهاية اليوم. هناك سبب وجيه يدعو سعيد لبذل كل هذه الجهود وقضاء كل هذا الوقت في البحث عن النحاس المستخدم، حيث زاد الطلب على هذا المعدن الذي بات لأول مرة يتم تصديره عبر الأنفاق إلى مصر، وبات يدر أرباحا كبيرة على تجار الخردة، وأحدهم سليم الذي يعمل معه سعيد برير.

بعض أصحاب الأنفاق مثل جمال وعيسى اللذين يديران ثلاثة أنفاق في الجزء الأوسط من الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة كانا أول من تأقلما على الواقع الجديد، فقررا مواصلة العمل بتغيير اتجاه حركة التهريب لتصبح من قطاع غزة في اتجاه مصر. فبعد التواصل مع التجار الذين يتعاملان معهم في الجانب المصري تبين لهما أن هناك طلبا كبيرا في مصر على بعض السلع الموجودة في قطاع غزة، ومن بينها النحاس.

خالد، 31 عاما، الذي يعمل في أحد أنفاق التصدير قال لـ«الشرق الأوسط» إن على رأس قائمة المواد التي يتم تصديرها مجددا إلى مصر من قطاع غزة مستحضرات التجميل، والصابون. وحسب خالد، فإنه على الرغم من ارتفاع أسعار هذه المستحضرات، فإنها تلقى إقبالا في مصر بسبب جودتها مقارنة بما يتم عرضه في مصر.

من المفارقات أن بعض الأنفاق تخصصت في تهريب المانجو الإسرائيلي الذي يصل إلى قطاع غزة، مع العلم بأنه من المعروف أن بعض المناطق في مصر تختص بزراعة المانجو. لكن سعر كيلو المانجو في مصر بات حاليا يتراوح بين عشرة إلى عشرين جنيها، في حين أن متوسط سعر كيلو المانجو الإسرائيلي الذي يصل إلى قطاع غزة هو خمسة شواقل (ستة جنيهات).

وعلى الرغم من تراجع وتيرة التهريب من مصر إلى قطاع غزة بشكل كبير، فإن هناك بعض المواد الأساسية ما زالت الأنفاق تعمل على تهريبها إلى غزة، لا سيما الوقود ومواد البناء، التي زادت وتيرة عمل الأنفاق المتخصصة في تهريبها.

وحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن حجم البضائع التي تسمح إسرائيل بدخولها أسبوعيا للقطاع تبلغ حمولة 1006 شاحنات في المتوسط كل أسبوع بزيادة بنسبة 80 في المائة عن ما كانت عليه في يونيو (حزيران). وقد أدت عملية إعادة تصدير بعض المنتجات التي تستورد إلى إسرائيل وتتجه للقطاع من إسرائيل إلى ارتفاع أسعارها. فالمصريون معنيون بالحصول على أواني الطهي الكهربائية التي يتم استيرادها عبر إسرائيل لقطاع غزة، وقد أدى هذا إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، فقد قفز سعر الواحدة من 70 شيقل إلى 100 شيقل، وهناك توقعات على نطاق واسع بأن تؤدي هذه الظاهرة إلى ارتفاع أسعار البضائع في القطاع بشكل واضح. وهناك أصناف أخرى يتم تصديرها لمصر مثل بعض الدواجن، وتحديدا البط الحبش وبيض الدجاج، وقد طرأ انخفاض واضح على أسعار بيض الدجاج الذي تنتجه مزارع تربية الدجاج في القطاع.

ولكن من الواضح أن هناك حدودا لما يمكن أن تسهم به الأنفاق في تصدير بعض السلع، حيث إن عملية التصدير تعتمد على تصدير الفائض من حاجة القطاع لبعض المواد.

من ناحيته، يتوقع الخبير الاقتصادي عمر شعبان، رئيس مركز «بال ثينك» للدراسات الاستراتيجية أن لا تتواصل هذه الظاهرة بسبب انخفاض القوة الشرائية في السوق المصرية من جهة، بالإضافة إلى انفتاح الأسواق المصرية أمام جميع أسواق العالم، علاوة على أن البنية الاقتصادية والصناعية في مصر تعوض السوق المصرية عن كثير من البضائع والسلع المفقودة أو ذات السعر المرتفع. ونوه شعبان بأن تواصل هذه الظاهرة مرتبط فقط بالبضائع التي تصل للقطاع عبر إسرائيل، مما يعني أن طاقة التصدير لسوق قطاع غزة محدودة للغاية بخلاف السوق المصرية. وأوضح أن «البضائع التي تصدر من غزة إلى مصر ستظل محدودة ولن تكون بحجم وكم ونوع وقيمة البضائع المصرية التي كانت وما زالت تدخل عبر الأنفاق». وتوقع شعبان أن تقوم الحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية بتشديد الرقابة على الأنفاق لمنع تواصل تدفق البضائع صوب مصر عبرها على اعتبار أن الحكومة المصرية لا تفرض ضرائب على هذه البضائع، وبالتالي فإن تواصل تدفقها يمس بالاقتصاد المصري.


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية