التصحر والثعابين يزحفان على بلاد الرافدين
...............................................................
|
صيّاد عراقي في أحد الأنهر المهددة بالأندثار في البصرة |
بقلم : محمد حامد
...................
بعدما أمد نهرا دجلة والفرات العراق منذ آلاف السنين بالحياة فنسبت إليهما حاملة أسم "بلاد الرافدين"، بات انحسارهما اليوم يهدد البلد العربي المحتل بالتحول إلى "جزء من صحراء البادية الغربية القاحلة" خلال أقل من 35 عاما.. وبعد أن كانت مياههما العذبة تنساب في الحقول الممتدة على ضفافهما؛ فتزدهر حياة البشر والثمر والحيوان.. راحت الثعابين والهوام تعيث فسادا، مروعة كل حي بجوار النهرين اللذين قامت على ضفافهما حضارات عريقة.
صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية رصدت ما آلت إليه الحياة على ضفاف دجلة والفرات، وتحولها من مناطق خصبة ترعى فيها الماشية، ويعيش الناس حياة هانئة هادئة، إلى حياة قاحلة شديدة الحرارة، وتعرضهم لهجوم مستمر من هوام وحشرات قاتلة؛ بسبب تراجع منسوب مياه دجلة والفرات منذ عام 2000 بصورة كبيرة.
وأنعكس أنحسار مياه دجلة والفرات على الحياة البرية؛ حيث أنطلقت الثعابين والديدان تهاجم الناس والماشية جنوبي العراق؛ لأختلال توازن عاداتهم الطبيعية؛ مما أدى لمقتل ستة أشخاص وأصابة عشرات أخرين نتيجة لدغ تلك الهوام السامة، بحسب مصادر طبية عراقية.
ونقلت الصحيفة البريطانية في عددها الأثنين 15-6-2009 عن الدكتور جابر مصطفى، مدير إداري بأحد مستشفيات جنوبي العراق، قوله: "الناس لا ينامون من شدة الخوف، والبعض ترك بيته فرارا بحياته.. تلك الثعابين ليست جديدة علينا، بل نعرفها جيدا من قبل، لكنها لم تكن بهذا الكم، ولم تهاجم بهذه الصورة.. الناس والماشية والأغنام صارت أهدافا لتلك الثعابين".
وأكد أن هناك "حالات عديدة دخلت إلى مستشفاه ولم يتمكن الأطباء من إنقاذها ففارقوا الحياة نتيجة لسم تلك الثعابين".
وقام سكان إحدى المناطق بعمل دوريات حراسة على مدار اليوم، يجوبون خلالها شوارع المنطقة ذهابا وإيابا؛ لمنع وصول الثعابين إلى بيوتهم وماشيتهم.
وسام الأسعدي -أحد المواطنين المشاركين في دوريات الحراسة- قال: "لقد دُهشنا في الأيام الماضية بسبب عدد الثعابين والديدان التي خرجت من مخابئها نتيجة لحالة الجفاف، وشدة الحرارة التي تسبب فيها انحسار مياه دجلة والفرات.. الطرق تسير فيها ثعابين، والبيوت تجد داخلها ثعابين، والمزارعون يبحثون عن مبيدات، لكن دون جدوى".
سياسة تركيا
وحول أسباب تراجع مياه النهرين قالت "ذا إندبندنت" مستندة إلى تقارير دولية إن السبب هو: "تراجع نسبة الإمداد القادم للنهرين من تركيا؛ حيث إن النهرين يمران على تركيا وسوريا قبل أن يصلا للعراق، في حين أن تركيا تقيم العديد من السدود للاحتفاظ بأكبر مخزون لديها من المياه للزراعة والرعي".
وتوقعت "منظمة المياه الأوروبية" في تقرير لها صدر مطلع الشهر الجاري جفاف نهر دجلة بالكامل بحلول 2040، مستندة في ذلك إلى ما يفقده النهر سنويا بما يعادل 33 مليار متر مكعب من مياهه؛ نتيجة "للسياسة المائية الحالية التي تتبعها تركيا".
وحذرت المنظمة من أنه في حال عدم تمكن العراق من عقد اتفاقيات دولية تضمن حصصه المائية بشكل كامل فإنه مُقبل على ما يعرف بـ"كارثة حقيقية ستلحق بملايين الدونمات الزراعية في البلاد، وهو ما يعني تحول العراق لجزء من صحراء البادية الغربية خلال مدة لن تتجاوز 35 عاما"، خاصة بعد حصول كل من تركيا وسوريا على حصصهم، إضافة إلى السدود التي تنشئها تركيا بين الحين والآخر.
ومنذ عام 2000 فقط تراجع مستوى تدفق المياه إلى العراق من 950 مترا مكعبا في الثانية إلى 230 مترا مكعبا في الثانية في عام 2009، الأمر الذي أثر على مخزون العراق المائي؛ حيث تراجعت النسبة من 40 مليار متر مكعب إلى 11 مليارا فقط في خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ولفتت الصحيفة إلى أن العراق ناشدت تركيا أكثر من مرة فتح عدد من قنوات التصريف في سدودها للحفاظ على نسبة المياه المتدفقة للعراق؛ حيث صرح وزير الموارد المائية العراقية عبد اللطيف رشيد بأن "العراق يحتاج إلى 500 متر مكعب من المياه في الثانية من تركيا، أو ضعف النسبة التي نحصل عليها".
وأردف: "لقد وعدونا بـ 130 مترا مكعبا إضافيا، لكن ذلك لم يحدث إلا ليومين، ونحن نحتاج ذلك لأشهر.. وزارتي تفعل كل ما في طاقتها، لكن للأسف القرار المعنيّ بذلك الأمر يأتي من خارج بلادنا"، في إشارة لسوريا وتركيا .
كما صرح مسئول بوزارة الزراعة بأن هناك آلاف الدونمات من المناطق الزراعية في العراق قد أصبحت قاحلة بسبب الجفاف وقلة نسبة المياه.
وأقدم المزارعون في مدينة النجف، المعتمدون في الزراعة على نهر الفرات، على ترك أراضيهم خالية دون زراعة من باب الضغط على الحكومة لاتخاذ موقف مع الدول المشتركة في نفس النهر للحصول على الحصص المناسبة للعراق.
وصرح أحد المزارعين: "نحن نشتري الحبوب ونرجئ دفع ثمنها حتى الحصاد، بهذه الصورة صرنا لا نحصد ولا نجني وتجار الحبوب لا يراعون ذلك، فمن أين سندفع ما علينا؟!"، مشيرا إلى المحصول حتى لو وصل لمرحلة الحصاد بالكاد فيكون قد تأثر؛ لأنه لم يأخذ المياه الكافية والرعاية المناسبة.
من جانبهم، وجه بعض الخبراء نصائحهم للحكومة العراقية، والتي من بينها "الاتفاق مع تركيا على حصة مياه ثابتة وترشيد استخدام المياه؛ لإعادة الأمور إلى سابق عهدها".