أبلة فضيلة ياحلوين .. !!
...............................................................
| |
«أبلة فضيلة»: طفولتي ثمرة بداخلي.. وحتى الآن أشتري فستان العيد أشهر مقدمة برامج أطفال في مصر تعتز بخطابات الأطفال إليها وتعتبرها أجمل تكريم حصلت عليه | |
القاهرة: مي إبراهيم
لم تفرغ أبله فضيلة من حدوتتها، لا تزال أصداء صوتها الشجي العذب تتردد هنا وهناك بعبارتها الأثيرة الخالدة «حبايبى الحلوين»، التي التف حولها أجيال وأجيال من الأطفال في مصر والعالم العربي، ووقفوا مشدوهين أمام الراديو لتأخذهم إلى عالم سحري من الخيال والبراءة والنقــاء.
في خلوتها العائلية، وبعد أن أنهت مشوار رحلتها الخصبة الشائقة أمام ميكروفون الإذاعة، تفخر أبله فضيلة، رائدة، وأشهر مذيعة أطفال في مصر، برسائل الأطفال التي تأتيها كل يوم بعد أن كبروا، وتعتبرها أهم تكريم حصلت عليه، على الرغم من التكريمات الكثيرة لها.
تفتح أبله فضيلة دفتر الذكريات، تداعب الأميرة والسلطان والكتكوت الفصيح.. وغيرها من الحواديت، وكأنها مرآة، تتهجى فيها طفولتها وحلمها، على الرغم من فوات كل هذه السنين.. «كانت البداية في أسرة مصرية عادية جدا، وكانت أمي وصيفة عند السلطانة ملك، زوجة السلطان حسين، كانت أمي طيبة وحنونة جدا، لكنها كانت حازمة. وكان أبي رجلا فاضلا، غرس فينا حب العلم، وكان سبب التحاقي بكلية الحقوق، كلية الوزراء في ذلك الوقت، أصر على أن أكمل تعليمي الجامعي، مع أن التعليم الجامعي آنذاك لم يكن شائعا بالنسبة إلى البنات، فكنا 15 طالبة فقط في كلية الحقوق، ونحن أربعة أخوة؛ ثلاث بنات، وأخ واحد، وكنا نسكن في شارع رمسيس، شارع الملكة نازلي وقتها».
بعد تخرجها في كلية الحقوق، ولتفوقها في الدراسة، اختارها أستاذها حامد باشا للعمل معه، لكنها فشلت فشلا ذريعا في مهنة المحاماة، استبدلت بلغة المناورة والمداورة مبدأ السعي للصلح بين الخصوم بعيدا عن القضايا والمحاكم. فرشحها أستاذها للعمل في الإذاعة، وبالفعل توجهت إلى الإذاعة، ونجحت في الاختبارات، وعينت مذيعة هواء لفترة، وبغريزة حب البراءة اختارت مجال الأطفال، عالمها الذي تحبه وتعشقه، واختبرته منذ صغرها، بحواديت وحكايات كانت تحكيها لأطفال العمارة بعد أن يلتفوا حولها في المساء.. بعد عام من عملها في الإذاعة تم افتتاح التلفزيون، ورشحت للعمل فيه، لكنها فضلت عشق الميكروفون. بدأت مع بابا شارو؛ فقد كان الوحيد وقتها الذي يذيع على الهواء، كانت موجودة مع الأطفال في الاستوديو، ويكون هو في الاستديو الآخر، بعدها يبدأ برنامج «حديث الأطفال» وكان يذاع ثلاثة مرات أسبوعيا، أعقبه بعد ذلك برنامجها الأشهر «غنوة وحدوتة».
تتلمس أبله فضيلة حروف الحدوتة، وتقول عن اسمها: «أبله كلمة تركية، وتعنى الأخت الكبرى، وفضلت أبله فضيلة عن ماما فضيلة؛ لأن الأم هي الأم لا ينافسها أحد، ولكن ثمة متعة خاصة في أن يستمع الطفل إلى الأخت الكبرى ويقتنع بكلامها».
تؤمن أبله فضيلة بأن سر نجاح مذيع الأطفال موهبة من الله، لكنها مع ذلك تؤكد أن هناك أشخاصا يجيدون التعامل مع الأطفال، ولا بد أن يشعر الطفل بالقرب من مذيع الأطفال؛ فيشعر أن هذه المذيعة مثل أمه، وأن يكون صوتها دافئا حنونا. «هناك مذيعون أصواتهم عريضة تصلح للنشرات الإخبارية مثلا، ولكنها لا تصلح لبرامج الأطفال، كما أن صوت المذيع لا بد أن يكون مقنعا للأطفال، فمثلا أنا أقرأ الحدوتة للمرة الأولى أمام الميكروفون لأشعر بالدهشة مثل الأطفال، كما أن هناك ضرورة لأن يدرس المذيع بعض العلوم المتعلقة بالأطفال حتى يكون مؤهلا لتقديم برامج الأطفال؛ لأنها مسؤولية كبيرة وحساسة. لقد سعيت للتعلم منذ بداية مشواري، ففي إحدى المرات قابلت الدكتور عبد العزيز القوصي، وكان من أشهر المتخصصين في علم النفس، فسألته إن كان يسمعني، وعن رأيه في ردودي على الأطفال، فأخبرني أني أجبت أحد الأطفال بشكل خاطئ، وأن الصواب أن أقول كذا، فلجأت إلى الدكتورة سهير القلماوي التي نظمت لنا دورة تدريبية في وزارة الثقافة - لأنه لم يكن وقتها هناك معهد الإذاعة والتلفزيون - درسنا فيها أدب الأطفال وعلم النفس، وكل ما يتعلق بالأطفال، ودرست لمدة ستة أشهر، شعرت بعدها أنى قد أصبحت مؤهلة لتقديم برنامج أطفال».
هكذا عرفت أبله فضيلة أسرار الطفل، كما عرفت أيضا روح الحدوتة، وكيف تتماهى الحدود بين شكلها ومحتواها، ليحس الطفل بأنه أصبح جزءا حميما من دمها ولحمها. فالحدوتة - في رأيها - على اختلاف أشكالها هي لتسلية الطفل، ولكن يمكن أن نقدم من خلالها القيمة بشكل غير مباشر، لأن الطفل لا يحب توجيه النصح بشكل مباشر، وإذا تركناه يستنتج القيمة من الحدوتة بنفسه يكون تأثيرها أكبر بكثير؛ لأن الهدف من البرنامج ليس تعليميا مباشرا، وهذا يختلف عن برامج الأطفال، فيمكن أن نجعل الشكل التعليمي غير مباشر، ومتضمنا في داخل الحدوتة، مثل أن يعد بطل الحدوتة من واحد إلى خمسة، فالطفل سيستمتع بالحدوتة، وسيتعلم العد إلى خمسة في الوقت نفسه، وهكذا.
وبصوت معجون بالحنان تذكر أشهر الأطفال الذين بدأوا في برنامجها، وأصبحوا نجوما في ما بعد، منهم على سبيل المثال صفاء أبو السعود، وهاني شاكر، ومدحت صالح، وغيرهم كثيرون. أيضا تذكر من أشهر ضيوف برنامجها «حديث الأطفال» نجيب محفوظ، وعبد الحليم حافظ، وفاروق الباز، وسيد مكاوي، وغيرهم.. «فقد كنت أحرص على أن تتنوع التخصصات التي نستضيفها، لنقدم للطفل معلومات وخبرات متنوعة، وكثيرا ما كان الأطفال يبهرون الضيوف بالأسئلة التي يوجهونها لهم».
لم تسلم حواديت أبه فضيلة الشائقة من مواقف طريفة تعرضت لها، ففي إحدى المرات أثناء عملها مع بابا شارو، وكان البرنامج يذاع على الهواء نام الطفل الذي سيغني، فاستعانت بطفل آخر بدلا منه، وأوقفته أمام الميكروفون، وغنى الأغنية، ولم يشعر أحد بأي فرق.. لكنه كان موقفا صعبا؛ لأن البرنامج يذاع على الهواء.
وبخبرة السنين وروح الطفولة تعترف رائدة برامج الأطفال بأن التلفزيون سحب البساط كثيرا من الإذاعة، لكن برأيها الحدوتة بشكل عام هي الأساس؛ حيث تجذب الصغير والكبير على السواء.. وتروي أن برنامج «غنوة وحدوتة» كانت بدايته عندما كانت في لندن، واستمعت إلى برنامج يسمى «listen with mother» ففكرت أن تقدم برنامج أطفال على غراره في مصر ليستمع الطفل مع أمه، أو حتى تستمع الأم وتحكي الحدوتة للطفل. وبالفعل اقترحت الفكرة، وتمت الموافقة عليها، «واخترنا للبرنامج اسم (غنوة وحدوتة) لنقدم فيه الحدوتة، تليها غنوة مؤلفة خصيصا لتناسب أحداث الحدوتة».
|
لحظة تكريم الرئيس مبارك لها وبجواره صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق |
كرمت أبله فضيلة 52 مرة في مناسبات كثيرة بدول عربية وأوروبية. لكنها بدافع من الوفاء والحب تعترف بفضل شخصيات أثرت في مشوارها، على رأسهم والدها الذي شجعها على التعليم وغرسه القيم الدينية في داخلها، ثم زوجها الراحل إبراهيم أبو سريع ومساندته لها طيلة مشوارها، حتى في لحظات مرضه كان يصر على أن تقوم بعملها، ولا تتأخر عنه. وتخص بالفضل الكاتب نادر أبو الفتوح، وعلى حد قولها «فكتاباته حققت معي نجاحا كبيرا جدا، وهو استوعب صوتي تماما، وكان يكتب لي بصورة مناسبة لصوتي ولطبقاته، وكتاباته هي أحد أسرار نجاحي، كما أن أطفال مصر هم أصحاب فضل عليَّ، فهم من جعلني أبله فضيلة، وأفضل تكريم بالنسبة لي خطاباتهم التي يرسلونها لي بخطوطهم الصغيرة غير الواضحة، فهذا هو التكريم الحقيقي بالنسبة لي، لأنه يحمل مشاعر صادقة ونقية ويشعرني بحب الأطفال لي وهذا سر نجاحي».
وبعراقة مشوارها الرائد المتميز تتمنى أبله فضيلة لجميع أطفال الوطن العربي أن يعيشوا طفولتهم؛ لأنها أجمل مرحلة فيها الصدق والبراءة والحب الحقيقي وتؤكد «لو عاش الطفل طفولة سعيدة ستنعكس على حياته كلها، وستؤثر فيها تأثيرا إيجابيا، وأنا مازلت أحتفظ بطفولتي في داخلي، يفرحني ما يفرح الأطفال، وحتى الآن أشتري فستان العيد لأشعر بالبهجة مثلهم».