مسلسل الهاربين بأموال الشعب المصري
...............................................................
|
لو علم الشعب المصري حقيقة ما حدث ويحدث لأمواله ومقدراته لأصاب الناس شيء من الهذيان أو الجنون |
بقلم : أحمد منصور
......................
مثل كثير من الأمور التى ليس لها تفسير واضح في مصر ، بدأ مسلسل عودة الهاربين بأموال الشعب المصري التى اقترضوها دون ضمانات من البنوك يعود للأضواء مرة أخرى من خلال الحوارات التليفزيونية والصحفية التى قامت بعض وسائل الأعلام المصرية من تليفزيون وصحف بإجرائها .
الحوارات أخذت أشكالا عديدة لكنها فى مجملها أظهرت هؤلاء الذين وصفتهم نفس وسائل الأعلام هذه من قبل باللصوص الهاربين بأموال الشعب ، أظهرتهم علي أنهم إما أبطال أو ضحايا ، كثير من هؤلاء كشفوا بعض الفضائح عن قصص هروبهم وكيف هربوا تحت سمع الدولة وبصرها إما بجوازات سفر مزورة أو عبر البحر من خلال اليخوت التى يملكونها .. وإما عن طريق أصدقاء لهم سهلوا لهم كافة الأجراءات رغم قرارات منعهم من السفر حتى أجلسوهم علي مقاعدهم فى الطائرات المتجهة بهم إلي أوروبا وتحديدا إلي الدول التى لا يوجد بينها وبين مصر اتفاقات لتسليم المجرمين وعلي رأسها بريطانيا ، حيث الملجأ الرئيسي لكثير منهم.
ما توقفت عنده وأنا أتابع هذه القصص الهوليودية هو ما جاء بخصوص بعض المسئولين فى الحكومة لاسيما من الوزراء حول دورهم في ممارسة الضغوط علي البنوك لمنح هؤلاء الأموال دون غطاء ، أو الضغط علي البنوك لعدم تسوية مديونية بعضهم أو أشكال أخري من أشكال التلاعب التى كانت ولا زالت قائمة بشكل أو بآخر بشكل يضر بمصالح مصر وشعبها.
وقد قرأت ردا في عدد 5 سبتمبر من صحيفة الأهرام لرئيس الوزراء المصري الأسبق الدكتور عاطف عبيد والرئيس الحالي للمصرف العربي الدولي حول اتهامات له جاءت علي لسان أحد رجال الأعمال الهاربين من مصر وهو عمرو النشرتي المقيم فى لندن في حوار أجراه الأهرام معه في عدد السبت 22 أغسطس ، وهذا هو محور موضوعي بغض النظر عما قاله الدكتور عبيد أو ما سوف يقوله غيره .
فما يحدث الآن هو عملية تسوية لحسابات يمكن لرائحتها أن تزكم الأنوف بل تدمر حاسة الشم لدي المصريين ، لو تم الكشف عن تفاصيل وحقيقة ما حدث فيها لأنها سوف تطال كثيرا من الرؤوس التى كانت ولازالت لها نفوذها وتأثيرها فى القرار المصري ، فالملف المالي للسنوات الثلاثين الماضية هو من أعقد الملفات في المنظومة السياسية المصرية وقد عبر لي أحد العارفين ببواطن الأمور فى مصر عن الحجم المرعب للتلاعبات المالية التى وقعت فى تلك الفترة بقوله " إن حجم الفساد المالي الذي مورس فى مصر خلال العقود الثلاثة الماضية أكبر من أن يتصوره عقل أو يدركه منطق ولو علم الشعب المصري حقيقة ما حدث ويحدث لأمواله ومقدراته لأصاب الناس شيء من الهذيان أو الجنون " .
فقلت له : وما تنشره الصحف المستقلة حول هذه الأمور ؟ قال : لايساوي شيئا من حجم الحقيقة ؟ فالحقيقة أكبر من تتصور " ثم تركني كي أتصور ما أشاء .
وأذكر أني قبل خمس سنوات التقيت مع أحد المسئولين العاملين فى البنوك وسألته عما كان يدور من أحاديث فى ذلك الوقت عن دور لكبار المسئولين فى الدولة في عمليات تسهيل القروض بالمليارات إلي رجال الأعمال سواء الذين هربوا بما يقرب من 300 مليار جنيه (حوالى 60 مليار دولار أمريكى ) تضاعفت قيمتها علي مر السنين ، أو ممن هم مدينين بمئات المليارات الأخري ويقومون يوما بعد يوم بعمل تسويات أو ترتيبات أو إعفاءات من هنا وهناك ، فقال لي : " أنا أخشي وكثير من زملائي أن نكون ضحية لكل هذا فى النهاية وأن يكون مصيرنا السجن ، فنحن إن رفضنا تنفيذ الأوامر دخلنا السجن ، وإن نفذناها فإن مصيرنا سيكون وقت الحساب السجن أيضا "
استرجعت هذه الروايات وأنا أتابع تلك الحلقة الجديدة من مسلسل عودة رجال الأعمال الهاربين بالمليارات وكل منهم يقول إنه سدد المليارات التى عليه بل كل منهم يروي بحرية كاملة ولوسائل إعلام رسمية مصرية ، كيف هرب من مصر علي يخته أو علي طائرة خاصة أو من مطار القاهرة بجواز مزور أو بنفس جوازه مع تسهيلات كاملة فى السفر رغم أسمائهم المدرجة علي قوائم الممنوعين بل إن الأهرام نشر فى عدد 5 سبتمبر أن تعليمات صدرت من النائب العام المصري بتسهيل عودة الهاربين دون القبض عليهم فى المطارات .
الزميل أحمد النجار رئيس تحرير التقرير الأقتصادي الأستراتيجي الذي تصدره مؤسسة الأهرام أصدر كتابا هاما حول 25 عاما من التراجع الأقتصادي الذي حدث فى عهد الرئيس مبارك استند فيه إلي التقارير الرسمية فقط دون الخوض فى المعلومات غير الرسمية .
ولأن الشعب المصري لا يقرأ فإن ما نشر في هذا الكتاب كفيل بأن يكشف عن حقائق مرعبة تشير إلي أن ما خفي كان أعظم ، وأن مقدرات هذا الشعب ومقدرات مصر يعبث بها بشكل مريع ، وأن هذا الفصل الذي نشاهده جميعا فى مسلسل عودة الهاربين ليس سوي صفقة من بين مئات الصفقات التى دمرت اقتصاد مصر ، وثروتها وقوت شعبها وأن كل الذين ساهموا فى هذه الجريمة كوفئوا بمناصب رفيعة تدر عليهم الملايين كل شهر وحماية كاملة من النظام .
وجعلت علاقة التزاوج بين الثروة والسلطة علاقة ليست مشبوهة فحسب وإنما مليئة بالألغاز والعبث بمصر وأهلها هذا العبث الذي لا ندري هل ستكشف تفاصيله يوما ما كما يكشف رجال الأعمال الهاربين فصولا مخزية عن قصص هروبهم وتهريبهم للمليارات خارج مصر برعاية كاملة من حلفائهم وأصدقائهم المتنفذين؟
أم أن هذا النظام سوف يستمر من خلال التوريث إلي أجل غير معلوم لتدفن كثير من الحقائق وتستمر الحماية للصوص الذين ينهبون خيرات الشعب ومقدرات مصر؟
غير أن ثقتنا فى أبناء مصر الشرفاء الذين يعرفون هذه الحقائق ليكشفوا عنها يوما ما ومن ثم أن يمنحوا هذا الشعب حقه ليس فى استرجاع ما نهب فحسب وإنما حقه فى المعرفة ، معرفة ما تم نهبه وسلبه من قوته وخيرات بلاده ، أما الحساب فيبدوا مع اليأس القائم أنه سيكون يوم الحساب .