غزة.. أرض البرتقال بلا برتقال!
...............................................................
| |
تم اقتلاع ما يقارب مليون شجرة برتقال مثمرة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة | |
بقلم : علا عطا الله
.......................
غزة - وهـي تٌـقدم لـزوجها طبق الفـواكه بعـد طـعام الغداء اندهش أبو خـالد لمرأى ثمار البرتقال الكبيـرة، وقبـل أن يتكون على شفتيه السؤال ابتسمت زوجته وبادرته بالقول: "البـركة في الأنفـاق يا زوجي العزيز...".
أبو خـالد الذي كان فـرحا بثمارٍ يعشـقها وتزداد لذتها في هذه الأيام لم يمنع نفسـه من الشعور بالمرارة وهـو يُشاهد فخـر مدينته (الحمضيات) وما كانت تعتز بإنتاجه وتصديره للخارج وقد حمل اسم "مستـورد عن طريق الأنفـاق".
ومـؤخرا وللمرة الأولى في تاريخـها كانت غـزة على مـوعد مع استقبال ثمار البرتقال وسائر الحمضيات (الليمون, الماندلينا, والجريب فروت) قادمة من الأنفاق وليس كما في كل عام من شجـرها المثمر الكثيف.
ولن تتباهى غـزة هذا العام بدرة اقتصادها ورمز شهـرتها فحرب إسرائيل الشرسة قبل عامٍ على القطاع كانت كفيلة بتحويل أخضر الشجر إلى أسـودٍ حالك وإشباع التربة بغازات سـامة حارقة ستمنعها من التنفس لسنواتٍ طوال.
فقد شنت إسرائيل في أواخر نهاية ديسمبر 2008 وأوائل يناير 2009 حربا شرسة على قطاع غزة خلفت نحو 1400 شهيد وأكثر من 5400 جريح، فضلا عن الدمار الواسع الذي لحق بالقطاع لاستخدام إسرائيل مختلف أنواع الأسلحة المحرمة دوليا ضد القطاع.
"ميد إن أنفاق"
وهي تُمسـك بيدها برتقالة كبيرة قالت "لينا" (18 عاما) لشقيقتها الصغرى: "عندما تسألك المعلمة بم تشتهر غـزة إياكِ أن تقولي بالحمضيات فنحن لم نعـد نصدرها أو حتى ننتجها.. ها هي تأتينا كما كل الأشياء الأخرى عن طريق الأنفاق!!".
يحمـل لـوالدته العجوز البرتقال وهو يُهلل سـرورا فهذه الثمار لن تحتاج إلى أسنانٍ قـوية غيـر أن حسام لم يكن يدري أن ما حملته أنامله أحزن أمه كثيرا؛ فالحاجة الستينية بدأت تعدد مناقب برتقال غـزة وشجـره اليافعة بدموع الحرقة والألـم.
وما إن سأل الشاب رامي أحـد بائعي الفواكـه عن برتقالٍ جيـد حتى باغته بصوتٍ ضاحك: "كـل ما في أسواق غزة (ميـد إن Made in أنفاق.." ويُطلق بائعو القطاع على الحمضيات الواردة عن طريق الأنفاق الكثير من النكات فهذه برتقالة نفقية وتلك ليمونة فولاذية، في إشارة لاختراقهـا الجدار الفولاذي والذي تقيمه مصر تحت الأرض على طول حدودها مع غـزة.
"للأسف..!"
ويـرفض الحـاج أبو نائل الامتثال لقرار أولاده بتذوق البرتقال وأقرانه من حمضيات ويُصر على التأكيد: "إن كان من أرضنا فسآكل أما غير ذلك فـلا".
وإن كانت الأنفاق قد شكلت متنفسا لغـزة المحاصرة منذ أربعة أعوام وزودتها بالكثيـر من الاحتياجات فإن سكان مدينة الحمضيات يقفون عاجزين عن تصديق حكاية الاستيراد.
وتنحدر من عيون المزارع خليل دموعا حارة وهـو ينظر إلى أرضه الواسعة وقد تحولت أشجارها إلى كتلة من السواد, ويقول بصوتٍ حزين: "كنت في كل عام أحصد ثمار البرتقال والليمون... ومن هذا الخير الوفير أقدم لعائلتي وجيراني ولكن للأسف ها أنا أنظر بحسرة إلى حمضيات الأنفاق".
ووصلت كمية الحمضيات التي ينتجها قطاع غزة في الوقت الحالي إلى نحو 15 ألف طن فقط، معظمها من الأنواع الرديئة، من أصل 250 ألفا كانت تصدر في الماضي.
"هلا به"
وبـالرغم من شعـورهم بالحزن على برتقال مدينتهم وليمونها فإن بعض السكان وجد في القادم عبر الحدود الأرضية سـلوى بل مبعثا للتباهي فأم عمرو أكدت لجاراتها بصوت منشرح أن بيتها صار أشبه بمحل للفـواكه الجميلة.
وفيما كانت تهم بالتقاط حبات البرتقال من أمام البائع قالت "أم أنس" بنبرات السعـادة : "إنه مفيد للأطفـال... كنت أسال زوجي عن الحمضيات فقال لي إن غزة هذا العام ستفتقر إليـها بسبب تجريف الاحتلال للأراضي الزراعية وعندما سمعت من أقاربي امتلاء غزة بالحمضيات القادمة عن طريق الأنفاق سارعنا لشرائها".
ويقـول أحـد بائعي الفواكه إن تجريف أشجار الحمضيات بالكامل ونقص الإنتاج بل ندرته دفع التجار إلى جلب البرتقال وسائر الحمضيات عبر الأنفاق.
وبحسب تقارير إحصائية لوزارة الزراعة في حكومة غزة؛ فإن المساحات المجرفة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير زادت على 20 ألف دونم (1 دونم=1000 متر مربع) وتم اقتلاع ما يقارب مليون شجرة مثمرة، شكلت أشجار الحمضيات غالبيتها، وقالت الوزارة إن خسائر القطاع الزراعي بلغت نحو 170 مليون دولارا.