ذو شجون
...............................................................
كتبها مريم التايدي
.................
إن الحديث عن الطفولة في وطني ، حديث ذو شجون .
هكذا اعتاد المحللون أن يكتبون،
لكن لماذا لا نسأل المجربون ؟
أليسوا أكثر معرفة من الأطباء والمشرحون
بعيدا عن المنظرون في محافل ملئ البطون
في غرفة صغيرة تملأها الرطوبة ، عاشت مرايا مع أبيها وأمها ، الغرفة تحتوي على فراش "نموسية" من الحديد بشبكة تسمح للصغيرة بالقفز عاليا عندما تسنح لها فرصة اللعب ، مغطاة بملاية بيضاء متهرئة وأمام السرير "بنجة" (فراش إسفنجي) موضوعة على الأرض و قطعة حصير صغير ، في الجزء السفلي من الغرفة ، قنينة غاز صغيرة وطنجرة ومقلاة
براد شاي و مقراج يدفئ حتى ماء الاستحمام ، يلحق بالغرفة مرحاض صغير جدا "تحت الدر وج" فيه صنبور ماء .
يعمل الوالد في عمل لا إسم له ، متعدد الاختصاصات " الموقف" ليعود مساء رث الملابس ، مكفهر الملامح ، منهك القوى ..
الأم "الصبورة الطيبة" بحثت لابنتها عن مكان يأويها ، تتعلم فيه صنعة للزمن" إلا ما أغنت تستر" ، ذهبت عند "اخناتة" إحدى المعلمات المعروفة في الدرب .
لالا اخناتة امرأة توحي بالقسوة ، جافة الملامح ، طويلة القامة ، اختلطت صورتها بصورة الأشباح التي كانت تراها مرايا في المنام فلم تعد تتذكرها جيدا ،
أجلسوا الصغيرة على حجرة بها نتوئات " حجرة مقتطعة من الشاطئ الصخري ، وراء خيوط بيضاء متوازية ..رائحة الصوف ..ألوان ورسومات ، ابتسمت بدءا عند رؤية الألوان …قبل أن ينهرها صوت جاف "..هنا المستقبل ..هنا ستتعلمين صنعة تنفعك في أيامك المقبلة..هيا خذي الصوف هكذا ..اعقدي عقدة بين خيطي السدى ..
أعيدي، أعقدي جيدا.. "
توالت الأيام …"أحسنت خذي الآن هذه الآلة الحديدية دقي بها جيدا".
حملت الصغيرة "الخباطة" (وهي آلة حديدية تدق بها العقد كي تستوي وتعطي خطا أفقيا ) بين يديها الصغيرتين ، إنها ثقيلة وباردة برودة المكان و برودة أناسه ..صاحت في وجهها "هيا بسرعة".
ومن وراء الخيوط المتوازية العمودية ، أحست بضربة اهتز لها فؤادها الصغير ، ضربة بسكين حادة فوق أناملها الصغيرة التي تتعلم بها إتقان "العقدة" سالت دماءها قبل أن تسيل دموعها ، ضممت الجرح بالخيط الصوفي ولم تتمكن من تجفيف دموعها ، لأنها بصدد عقد الخيوط بيدين مرتجفتين ، لم تستطع بعد لف الخيط حتى تلقت ضربة أخرى ..تبولت على إثرها في ملابسها، صاحت المعلمة في وجهها ناهرة ، وشتمتها بشتى الشتائم ، منعت من الحراك" تماك تبقي جالسة فيهم" بقيت في مكانها مبللة ، ونتوءات الصخرة تؤلمها ، الجوع يمزق أمعاءها ..ثم في المساء ستحرم الصغيرة من أجرها اليومي" درهمان" كانت تشتري بهما الأم الحليب أو الخبز ، وأحيانا كانت تقول للصغيرة سأجمعها لك لتشتري بها "البندو" لكي يجمع شتات شعرك.
قضت الصغيرة مدة طويلة وراء الخيوط ، لم تدخل يوما للداخل لأنه مكان المعلمات اللواتي يتقن الزواقة الرباطية ، أما مرايا ومثيلاتها فيعملن في الأحمر / لون خبرن معناه منذ صغرهن ، امتزج في الغالب بدماء أصابعهن النازفة .
ترقت مرايا وأصبحت تعمل في جانب الزربية تعمل على تلوين الفلفلة (وهي رسم يتلوى ويتكرر بنفس الطريقة يوجد غالبا في جوانب الزربية الرباطية) ، فرحت بحالها فقد أصبحت تحمل الألوان وابتعدت عن حمرة دمرت طفولتها …
نعم إنهم محقون
أليس هذا حديث ذو شجون..
http://maraya10.maktoobblog.com
taidi@menara.ma
06/11/2014