الأكواخ".. حصن فقراء سيناء من برد الشتاء
...............................................................
بقلم محمد أبو عيطة
.....................
| |
بناء الكوخ يستغرق نحو أسبوع | |
سيناء - لم يمنعها تقوس ظهرها الذي عكس تقدمها الكبير في العمر من جد السعي لإنهاء بناء كوخها البدائي القائم على أربعة أعمدة قوية من الشجر.. ومضت تنقل حزم الحطب الأخضر لتكسو بها هذا الكوخ ليكتمل بناؤه قبل حلول فصل الشتاء.
هذا الكوخ اختارت "أم سليمان" مكانه على سهل منبسط بين تلين من الرمال، مؤكدة أنها فضلت هذا الموقع لكونه مصدا طبيعيا لرياح الشتاء العاتية بمنطقة سكانية بعيدة عن العمران بصحراء سيناء.
أم سليمان ليست الوحيدة التي تقوم ببناء هذه الأكواخ أو ما يطلق عليها البدو باللهجة المحلية "الكمر"، التي يقتصر وجودها فقط في فصل الشتاء؛ فمع بداية دخول هذا الفصل البارد تشرع سائر النسوة في ديار بادية سيناء في بنائها أملا في صد البرد القارس، والاحتماء من الأمطار الغزيرة، بحسب ما قالت السيدة العجوز.
وتعد هذه الأكواخ "منازل الشتاء" بالنسبة لطبقة البدو الفقيرة بسيناء ممن عجزت الإدارات الحكومية على توفير مساكن أسمنتية مناسبة لهم في القرى النائية، كما عجزت جيوبهم عن الوفاء بتكاليف تشييد جدران منازل أسمنتية؛ لذلك كانت الأكواخ مأواهم إلى أن يتغير الحال.
هذا المشروع ليس بالهين؛ حيث إن العديد من النساء، كما تقول سليمة محمود (بدوية من سيناء)، يشرعن في بناء هذه الأكواخ مع مطلع فصل الخريف من كل عام، ويستغرق بناؤها من 3 إلى 10 أيام، فبعد أن يقوم الرجال بتقطيع الحطب وأغصان الأشجار تقوم السيدات بمهمة بناء 3 أكواخ (أحدها للسكن، وآخر للدواب، وثالث لاستقبال الضيوف) في الشتاء.
ويتم بناء الكوخ على مساحة تتراوح بين 4 - 8 أمتار، ويتكون من أربعة قوائم رئيسية وأفقية من أعمدة خشبية قوية، وتتصل المسافات الفارغة فيما بينها بأعمدة أصغر يتم تغطيتها بطبقة من النايلون لمنع تسرب البرد والمطر منها، ثم تكسى بأهداب من الحطب الأخضر وأغصان الأشجار أو جريد النخل، وتترك فتحة عبارة عن باب للدخول من أحد جوانبه.
للأغنياء أيضا
وتقول عائشة علي، وهي بدوية تقطن بمنطقة جنوب مدينة رفح: "الأكواخ هي منازل الفقراء الذين لا يكلفهم بناؤها سوى قليل من الحطب وأغصان الشجر القوية، إلا أن الأغنياء أيضا لا يستغنون عنها".
وتوضح ذلك بقولها: "يقوم الأغنياء ببناء هذه الأكواخ داخل أسوار المنازل الأسمنتية؛ حيث يمكن للأسرة الالتفاف داخلها حول موقد النار (الكانون) في فصل الشتاء لتشتعل ألسنة اللهب، وتكسر حدة البرد القارس؛ وهو ما لا يمكن القيام به بداخل الغرف الأسمنتية".
ولا يختلف شكل الكوخ بالنسبة للفقراء عنه بالنسبة للأغنياء؛ حيث يسود التراث البدوي فتكاد تشترك قبائل البدو في جميع أرجاء شبه جزيرة سيناء في نفس التصميم.
وتنتشر بشكل كبير "العشش" (بيوت الفقراء في الصيف) والأكواخ الصغيرة في أرجاء سيناء خاصة مع استقرار الغالبية العظمى من قبائل البدو واتجاههم للزراعة وهجر حياة الترحال، فمنهم من استطاع بناء البيوت الأسمنتية الكبيرة و"الفلل" وهم قلائل، ومنهم من اضطر لبناء الأكواخ.
ويقول سامي أبو عودة، وهو من شباب منطقة الجورة بسيناء : "هذه المنازل ليست أمرا محببا للشباب لاتخاذها مسكنا، ولكن الفقراء وهم الغالبية بالكاد يحصلون على قوت يومهم وبالتالي لا يمكنهم بناء بيوت أسمنتية، فتكون العشش هي بيوتهم في ظل عجز حكومي عن توفير إسكان مناسب لهذه الطبقات".
أزمة إسكان
أزمة الإسكان التي يعيشها مجتمع البادية في سيناء، أرجعها عيسى الخرافين عضو مجلس الشعب المصري (الغرفة الأولى من البرلمان) بمنطقة شمال ووسط سيناء إلى عدم وجود آلية مناسبة لتوفير منازل لاستقرار البدو تتناسب مع عاداتهم وتقاليدهم وظروفهم المعيشية التي هي تختلف شكلا وموضوعا عن أهل المدن، وحتى إن وجدت في بعض الأوقات والأماكن فهي محدودة لا تحل مشكلة عامة قائمة بالفعل".
وأشار إلى تجربة ناجحة تمت في أعقاب تحرير سيناء عام 1982 عندما شرعت الحكومة في بناء منازل أطلق عليها "إسكان بدوي" وهي عبارة عن وحدات سكنية بأسعار رمزية لاقت قبولا، وحلت كثيرا من الأزمة، إلا أن المشروع توقف بعد 10 سنوات من العمل فيه وأصبح بعدها القادر على بناء المنازل هم فقط من يسكنون بيوت الأسمنت.
هذا الأمر دفع الشباب غير القادرين -بحسب الخرافين- إلى الهجرة إلى المدن بحثا عن شقق سكنية بإيجارات شهرية لا يتوفر مثلها في مناطق البادية بالقرى والتجمعات السكنية النائية.
توطين البدو
وكانت قيادات من مجتمع البادية بسيناء قد طالبت الحكومة المصرية بتوفير مساكن مناسبة في كل قرية للعمل على توطين البدو واستقرارهم من ناحية، ومن ناحية أخرى لتكوين مجتمعات سكنية تسد تلك المساحات الشاسعة بسيناء التي "تتطلع لها إسرائيل".
وأشار نايف سلامة، نائب رئيس جمعية البادية للثقافة والتراث السيناوي، إلى خطورة إبقاء القرى في سيناء خالية من العمران الذي لا يقوم به إلا القادرون من أهلها عليه، وإلى ضرورة توجه جميع أجهزة الدولة إلى مكافأة القاطنين بها والمستقرين من أهلها بمنحهم منازل مناسبة لاستقرارهم بأسعار تتناسب وظروفهم المعيشية.
وقال: "تعمير تلك القرى هو تأمين مستقبلي، وتحقيق لإستراتيجيات سبق أن تم الإعلان عنها لتوطين ملايين المصريين بصحراء سيناء لسد فراغ العمران والبشر بها، وبناء قرى دفاعية حصينة من بيوت الأسمنت، وليس ترك هذه المهمة للفقراء لبناء هذه التحصينات من أغصان الأشجار التي لا تتجاوز مهمتها التصدي لبرد الشتاء وأمطاره".
وتؤكد الحكومة من جانبها أنها بصدد تنفيذ خطط لمزيد من المشروعات السكنية للبدو في سيناء، وأن المسألة لا تعدو كونها مجرد وقت، خاصة أنه يوجد بالفعل مشروعات حالية، وإن كان عددها قليلا في الوقت الحالي.
06/11/2014