مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 أسرة "عبد الرحيم"..فقر وصبر وعطش!
...............................................................

 

أن العطش في مصر مثله مثل الحرمان من الطعام والعلاج والسكن

 

بقلم منى سليم‏
...................

تحت وطأة حرارة الصيف ووسط لسعات الذباب والبعوض.. ينتظرون.. لعله يحن هذا الصنبور الذي تأتيه المياه يوما واحدا في الأسبوع، ويطفئ ظمأ هذه الأسرة التي تعيش على نفس الأمل الذي تعيش به أكثر من 3156 أسرة أخرى بالقرى المصرية، التي تفتقر لكثير من خدمات شبكات المياه والصرف الصحي.

وفق تقديرات الجهاز المركزي للمحاسبات فإن 70% من شبكات المياه في مصر متهالكة، وبها شقوق تؤدي إلى اختلاط مياهها بمياه الصرف. وفي ضاحية الحوامدية على أطراف محافظة الجيزة، تحصل كل أسرة على حظها من مشكلات المياه.. فإما أنها لا تصل إليها نتيجة عطب مزمن في الشبكة الرئيسية، أو لعدم الانتهاء من إنجاز الشبكة الفرعية التي أقرها المجلس المحلي منذ سبع سنوات، أو تصل ولكن تفوح منها رائحة الصرف الصحي مما يستحيل معه استخدامها إلا لسقي أواني الزرع.

فرحة ما تمت

ونعود لأسرة عبد الرحيم، التي كان لها حظ وافر من هذه المشكلات بنوعيها، فهي من ناحية لا تصل لها المياه رغم مرور الشبكة الفرعية أمام بيتها مباشرة، لأنها تجاور المدرسة الإعدادية والمجلس المحلي، فيتم تحويل المياه المتاحة إلى هذا الجانب ويحرم منها جانب عبد الرحيم، حتى فكر الابن الأكبر وهو متزوج ولديه أربعة أولاد في دق "طرمبة" حصل عليها بالتقسيط من جمعية الزراعة بمساعدة واحد من الجيران يعمل بالمجلس المحلي، وهي خدمة يتباهى بها بالطبع أمام زملائه من عمال التراحيل ممن يتراصون كل صباح في أحد الميادين الشهيرة بالعاصمة حتى يأتيهم أفندي ويحملهم إلى بيته لإنجاز بعض المهام، ولكن المهم هنا أن العملية قد تمت بنجاح وتم دق الطرمبة وسط الحوش الأمامي للمنزل، ويومها انطلق الصغار في فرح يمرحون احتفاء بتدفق المياه داخل بيتهم لأول مرة، ولكن الفرحة لم تدم كثيرا فقد فاحت في الهواء وفي النفوس رائحة الصرف الكريهة.

والأمر بالطبع لا يقتصر على قص جناح الفرحة، لكنه ينتقل غالبا لفتح ساحات أوسع للحزن، فكما يقول رئيس وحدة الغسيل الكلوي بالمستشفى العام بالضاحية، فإن حالات الإصابة بالأمراض الناتجة عن تلوث المياه زادت خلال العام الماضي بمعدل 96 حالة، وهو معدل فوق المتوسط.

ومن بين هذه الحالات تعرفنا على "نعيمة" الفتاة الصغرى بأسرة عبد الرحيم، تسربت من التعليم بعد الصف الرابع الابتدائي، لأن أباها وجد أن ما يصرفه من جنيهات على الكراسات والأدوات المدرسية لا يأتي بهمه، وقد ولتها أمها مهمة تربية البط والأوز، وبشرتها أنها ستجمع فلوس بيع البيض جنيها على جنيه، وتشترى جهاز العرس من الآن.

أحلام عادية

ولكن هل يأتي هذا اليوم المنتظر؟ أم أن مرض نعيمة قد يمنعها من تحقيق هذا الحلم البسيط؟ هذا ما كان يشغل بال الأب وهو أمام باب وحدة الغسيل يسند طفلته بعد أن أخبره الطبيب أنها على قائمة الانتظار، وقد يمر أسبوع ثان دون أن يجد لها سريرا، حينها عاودته نفسه تلومه: كان من الأفضل أن يتركها بالمدرسة لا لأنه أيقن فجأة أن العلم نور، ولكن لأنها كان من الممكن أن تحصل على سرير بمستشفيات التأمين الصحي الخاص بالطلبة، هكذا عاد إلى بيته يجر ابنته ومعها يجر أذيال الندم وكله أمل أن يصادف أحدا يخفف عنه ويحمل له البشرى بأن الدولة تتخذ خطواتها لخصخصة التأمين الصحي ليقنع نفسه أن ابنته لم تخسر شيئا عندما منعها من الدراسة.

وعلى العكس من الأب الغارق في أحزانه وهمومه كانت الأم متفائلة على الدوام.. لا يعرف التشاؤم طريقا لها، فهي تثق في رقة قلب طبيب الوحدة وأنه حتما سيوفر لابنتها مكانا عن قريب، كما أن الصغار في رأيها اعتادوا رائحة الصرف الصحي في الزراعة والاستحمام ولم تعد هناك مشكلة بالنسبة لهم، أما ابنها الأصغر فإن حصوله على عمل كمخبر في قسم الشرطة سيوفر لهم بعض الجنيهات الزائدة التي ستساعدهم على شراء 4 جراكن مياه يوميا بـ4 جنيهات، لتكفي بالكاد احتياجات الأسرة البالغ عددها 12 فردا.

ورغم أن الحلول لمشاكلها التي قد يراها البعض مستعصية لا تعدمها الأم وإن لم تتحقق يوما على أرض الواقع، فإن هذا لا يتعارض مع واقعة لا تنسى، لم تستطع فيها منع نفسها من اللطم، حين علمت أن أولادها الذكور الثلاثة (الذي يعمل بالشرطة، والذي يعمل بالتراحيل وثالثهما الذي يأتون به من أقسام الشرطة كل أسبوع) اشتركوا في شجار واسع بالأسلحة البيضاء نشب بين أهالي قريتهم (عرب شهلوب) من ناحية، وبين قرية (أم خنين) في سلسلة تنازعهم على استخدام حنفية المياه العمومية.

بطعم المجاري!

زوجة الابن الأصغر -المسئولة عن قضاء وشراء الاحتياجات من خارج المنزل- تحكي يومياتهم مع المياه قائلة: هناك رجل من منطقتنا يستقبل صاحب عربة المياه، ويقوم بإفراغ فنطاس المياه الذي يحمله يوميا في خزان آخر على مدخل القرية، ونذهب إليه في ساعات مبكرة للحصول على حاجتنا، وبالطبع انتقال المياه من وسيط إلى وسيط يزيد من ثمن "الجركن"، والأهم أننا لا نعرف مصدر هذه المياه والتي غالبا ما تكون رائحتها هي الأخرى مختلطة إلى حد ما بالصرف الصحي.

أما زوجة الابن الأكبر المسئولة الأولى عن إدارة المنزل بعد تقدم حماتها في السن، فتعلن حزنها على مصير أولادها وتقول: صعب جدا أن تلزم أولادك في الصيف بعدد مرات معينة للاستحمام، وبكمية قليلة من المياه لا يخرجون عنها وكأننا نعيش في قلب الصحراء.
وتضيف: "إحنا في البلد دي محرومين من حقوق كثيرة، لكن وصلت كمان للميه اللي ربنا بعتها لنا في النيل تبقى لناس آه ولناس لأ؟!".

مجتمع الـ10 %

وبالنظر لتصريحات المسئولين نجد أنهم يبشرون بنهاية هذه المأساة بعد عامين، وبحسب ما جاء على لسان رئيس الوزراء أحمد نظيف في يناير 2009، فإن 92% من شبكات مياه الشرب والصرف الصحي في مصر سيتم الانتهاء من تجديدها في 2011 مع انتهاء الفترة الزمنية لتطبيق البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك، أما أحمد المغربي وزير الإسكان والتعمير فقال بدوره إن حجم الاستثمارات في مرافق المياه والصرف الصحي بلغت 200 مليار جنيه خلال خمس سنوات.

وكما يقول النائب البرلماني محمد عبد العليم داود فإن هذه الأرقام تزيد حيرة هؤلاء المحرومين وتجعلهم يتساءلون: هل المشكلة هي أزمة توزيع لهذه الاستثمارات أم أن حجم المشكلة يفوق الحلول الواقعية التي يتم تطبيقها؟

يعلق النائب الذي شهدت محافظته خروج الأهالي في مظاهرات العطشى العام الماضي قائلا: المشكلة التي دفعت الناس للخروج للشارع وقطع الطريق إلى العاصمة ليس فقط بسبب الحاجة للمياه وهو حق مشروع، ولكن أيضا لما يعانونه من تمييز في جميع أشكال حياتهم، فهم لا يسمعون عن انقطاع المياه في الأحياء الراقية، وهو ما جعل شعورا يترسخ لدى أغلبهم أن العطش في مصر مثله مثل الحرمان من الطعام والعلاج والسكن من نصيب الطبقات الفقيرة والمتواضعة فقط، والتي تزداد شريحتها يوما بعد يوم في حين تستمر هذه الحكومة في تطبيق برنامجها الذي وصفه تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بأنه سياسات من أجل مجتمع الـ10%، والتي تجعل الأغنياء أكثر غنى والفقراء يزدادون فقرا.

تجاوزات العطشى

وبشكل عام فإن أسرة عبد الرحيم كغيرها تزداد فقرا وتزداد صبرا أيضا، وتجد في هذه الحال ابتلاء ونعيما مؤجلا، أما الابن الأصغر فهو مقتنع تماما أنه الأكثر ذكاء ولكن لا يحالفه الحظ، فيفكر جديا في جمع 500 جنيه من الأسر المقيمة في البر الشرقي من القرية لمد خط مياه فرعي يتم سرقته من الشبكة الرئيسية دون الرجوع للجهات المختصة، وفي رأيه أن الأمر كله حلال، فهو حقهم الذي حرمتهم منه الحكومة المتكاسلة من وجهة نظره، كما أنه بدوره لا يجد غضاضة في سحب بعض الأموال المجمعة ليشتري بها خط تليفون يمكن من خلاله الاتصال ببعض النواب ورؤساء الأحياء للحصول على واسطة تمكنه من الشرب.. ومن السفر.

 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية