صيد البحر بغزة.. غذاء ومقاومة !!
...............................................................
بقلم شيماء مصطفى
......................
| |
صياد ورامى الشبك م الفجر فى الميه | |
يلج في البحر مئات الأمتار وبيده شبكته، وبحذر شديد يرميها لتغوص في مياه استمدت زرقتها من لون السماء.. يقف صامتا لا يتحرك شاخصا بصره نحو الأمواج منتظرا أفواج السمك.. وفجأة يجذب الشبكة بذراعيه السمراوين ليلتقط ما علق بها من أسماك، وعلى بعد عشرات الأمتار يقف مجموعة من الشبان بانتظار أرزاقهم.
على امتداد الشريط الساحلي لقطاع غزة المطل على البحر الأبيض المتوسط، يمكنك أن ترى هذا المشهد الذي يلعب بطولته شبان فلسطينيون يبحثون عن لقمة العيش التي افتقدوها في البر، فلجئوا إلى البحر يلفون على أذرعهم شبكات طرح بسيطة الصنع ليصارعوا أمواج البحر ليلتقطوا رزقهم.
وانتعشت مهنة صيد الأسماك بشباك "الطرح" على شواطئ قطاع غزة بعد توقف الآلاف من العمال عن العمل، ومنع الاحتلال للصيادين من الولوج في البحر لمسافات تكفي للصيد، وهي لا تحتاج لرأس مال كبير؛ فالشبكة الواحدة يصل ثمنها ل 200 شيكل (الدولار= 3.5 شيكلات).
محمد شملخ (20 عاما) الذي يقطن حي الشيخ عجلين الساحلي يبدأ رحلته البحرية في صيد السمك بشباك الطرح مع تباشير الصباح الأولى، فيتوغل في البحر لعدة أمتار ويرمي شبكته بانتظار أسماك البوري.
شملخ تحدث ل"إسلام أون لاين.نت" عن رحلته اليومية لشاطئ البحر: "في الصيف الماضي قررت أنا وأصدقائي شراء شبكة طرح وخوض تجربة صيد الأسماك كمصدر دخل لنا".
صمت وحذر:
وبثقة كبيرة أضاف محمد: "عند بزوغ أول خيوط الفجر نتوجه إلى البحر ونرمي شباكنا وننتظر مرور أفواج أسماك البوري.. وبأفضل الحالات نصطاد من ثلاثة إلى أربعة سمكات مع كل فوج".
ويلتقط طرف الحديث صديقه أمجد قائلا: "أسماك البوري من أصعب الأسماك اصطيادا؛ لما تتصف به من الذكاء والحذر الشديدين، بالإضافة إلى أنه يشعر بحركة الأفراد ويسمع الأصوات لذلك نلتزم الصمت التام خلال عملية الصيد.. وتنشط حركة الأسماك عندما يكون الجو لطيفا والبحر قليل ارتفاع الموج".
ويصطاد محمد ورفاقه يوميا ما بين كيلو إلى ستة كيلوجرامات، وأحيانا تتضاعف الكمية، ولا يجدون أي صعوبة في تسويق وبيع الأسماك بسبب قلة كمياتها المعروضة في السوق، والإقبال الشديد من المواطنين على هذا النوع من الأسماك.
ويتراوح وزن السمكة الواحدة من البوري ما بين 150 و250 جراما، ويبلغ سعر الكيلوجرام الواحد من "30- 50 شيكلا".
أشكال متنوعة:
| |
وأصبر على رزقى وأعد الموج فى الميه | |
ويتمكن الصيادون الهواة من اصطياد أنواع أخرى من السمك بطرق أخرى عن طريق رمي الشباك التي تختلف في نوعها عن شباك الطرح داخل البحر بمئات الأمتار معتمدين على مراكب صغيرة تعرف في غزة باسم "الحسكات"، ويصطادون أنواعا مختلفة من الأسماك مثل "السروس والدنيس" التي يبلغ سعر الكيلو الواحد منها نحو 13 دولارا، ومن حالفه الحظ يتمكن من صيد سمك (اللوكس)، والذي يعتبر من أغلى أصناف السمك؛ حيث يبلغ سعر الكيلو الواحد نحو 20 دولارا.
ويؤكد الشاب أحمد أبو شوقة (30 عاما) أنه منذ سنوات طويلة وهو يصطاد الأسماك بشبكة الطرح في أوقات الفراغ وللمتعة فقط، ولكن منذ عام أصبح يزاول الصيد كمهنة؛ بسبب تعطله عن العمل، وسوء الأوضاع الاقتصادية.
وأوضح بعد أن رمى سنارته في البحر: "أبيع جزءا مما أصطاده من السمك، وأطعم بجزء منه أبنائي وأسرتي، فأوضاعنا صعبة".
ويضيف وآثار الإرهاق ظاهرة عليه: "كنت أعمل نجارا قبل مزاولتي لمهنة الصيد، إلا أنني أجبرت على إغلاق ورشتي بعد نفاد الخشب وقطع الغيار من السوق بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ عامين".
ويردف قائلا: "صيد السمك حظوظ؛ فيمكن أن يأتي عليه أيام لا يصطاد فيها أي سمكة، وأحيانا أخرى يصطاد كمية كبيرة من الأسماك تعوض الأيام التي لم يتم الاصطياد فيها".
موسم السرطانات:
وبينما هم أحمد بإدخال شبكته إلى البحر فاجأنا رياض خليل -في العقد الرابع من عمره- بالخروج "بحسكته" -قارب صغير يكفي لشخصين- إلى الشاطئ وبيده كميات كبيرة من السرطانات "أحد أنواع الأسماك" التي تتراقص في شبكته، وبعد أن بادلنا بابتسامة رضا، قال لـ"إسلام أون لاين.نت": "البحر بالنسبة لي المتنفس الوحيد في قطاعنا المحاصر.. وعملي ورزقي ومصدر دخلي الذي أطعم منه أولادي وأسرتي".
ويضيف: اشتريت تلك الحسكة بالاشتراك مع مجموعة من أصدقائي بـ"600 دولار" وشبكة أخرى كلفتنا ما يقارب "500 دولار" والأرزاق على الله".
ويشير إلى أن شهر سبتمبر هو موسم السرطانات التي تتوافد لشواطئ غزة، وتباع بالصندوق؛ حيث يبلغ سعر الصندوق الواحد "50 شيكلا" أي ما يعادل "20 دولارا".
وأشار رياض إلى أن موسم السردين هو الأفضل على الإطلاق؛ فالصيادون ينتظرونه بفارغ الصبر، ويبدأ من شهر أبريل ويستمر لأربعة شهور يصطادون السردين بكميات كبيرة، ويبلغ سعر الكيلو الواحد 30 شيكلا، أي ما يعادل 20 دولارا.
بعض من كل:
"شباك الطرح" و"الحسكات"، هي في الواقع محاولة للاستفادة من مصدر هام للدخل بالقطاع وهو الصيد البحري.. هكذا أكد محمد الأغا وزير الزراعة في حكومة إسماعيل هنية، وقال إن الاستفادة القصوى من هذا المصدر تحتاج إلى إمكانيات غير متوفرة بالقطاع، فوفقا لتقديراته فإن 70% من قوارب العاملين بمهنة صيد الأسماك تعمل بالسولار والبنزين، وتحتاج يوميا لـ20.000 لتر سولار و6000 لتر بنزين.
ولكن تبقى هذه المحاولات رمزا للمقاومة، فهؤلاء الشبان الفلسطينيون المحلقون كالنوارس على امتداد الساحل.. يحاولون عبر شباكهم و"حسكاتهم" انتزاع رمق الوجود من بين الأمواج المتلاطمة.
صحفية بمكتب الجيل بفلسطين
06/11/2014