حزن سيناء المقيم
...............................................................
بقلم فهمي هويدي
......................
|
سيناء |
أما من نهاية لمسلسل القمع والترويع الذى يتعرض له أبناء سيناء؟ هذا السؤال يلح علىّ كلما وقعت على شىء من صفحات سجل الحزن المقيم فى سيناء، الذى عمق من مشاعر التوتر والرغبة فى الثأر بين القبائل من ناحية وأجهزة الأمن والشرطة من ناحية أخرى.
أحدث صفحة فى ذلك السجل تصدرها بيان موقع باسم «أبناء القبائل»، موجه إلى الرئيس حسنى مبارك، أعرب فيه الذين أصدروه أن يصل صوتهم إلى مسامع الرئاسة، بعدما بدا أن أبواب الأمل سدت أمامهم وأن أذان بقية المسئولين انصرفت عنهم وامتنعت عن استقبال نداءاتهم.
فى البيان مطالب عدة، فى مقدمتها أمران هما: إطلاق سراح أكثر من ألف معتقل من أبناء القبائل محتجزين منذ أكثر من سنتين لدى أجهزة الأمن، ووضع سيناء على خريطة التنمية، بما ينتشلها من التخلف المخيم عليها، ويطوى صفحة الإهمال الذى تعانى منه منذ عدة عقود.
ومن الواضح من استعراض بقية المطالب التفصيلية الواردة فى البيان أن موقعيه يختزنون أحزانا كثيرة، وأن ثمة تراكما فى تلك المشاعر المحبوسة تجلى هذه المرة فى قائمة المطالبات المكتوبة، لكنه قد يعبر عن نفسه بوسائل أخرى يظل التمرد والتصادم من خياراتها.
لا يشك أحد فى مشروعية المطلبين الرئيسيين اللذين أشرت إليهما. ذلك أن اعتقال ألف شخص لأجل غير معلوم حدث جلل فى المجتمع القبلى بوجه أخص، لأن كل فرد وراءه قبيلة تستنفر لأجله، وقد قيل لى من المتابعين لملف معتقلى سيناء أن جميعهم تم احتجازهم بمقتضى قانون الطوارئ.
بعضهم اعتقل لأسباب جنائية (تهريب مثلا) والبعض الآخر تم اعتقالهم للاشتباه فيهم بعد حدوث بعض التفجيرات فى المنتجعات السياحية، والفئة الثالثة من الناشطين السياسيين الذين تضيق بهم الأجهزة الأمنية ذرعا، وتستسهل احتجازهم فى السجون للخلاص من «صداعهم»، كما حدث مع الناشط مسعد أبوفجر، الذى لم يعرف أحد فى سيناء لماذا هو معتقل منذ قرابة عشرين شهرا، وما هى تهمته بالضبط؟.
إن الأجهزة الأمنية المصرية تلجأ بعد كل حادث يقع إلى أسلوب «التمشيط»، الذى بمقتضاه يتم إلقاء القبض على أكبر عدد من المشتبه فيهم والمشكوك فى أمرهم، وهؤلاء قد يصل عددهم إلى المئات وربما الآلاف، حسب الحالة، وبعد أن يصبحوا فى قبضة الأجهزة تتم التحريات ويحدث الفرز لمحاولة العثور على المتهمين من بينهم، بعد استخدام الأساليب المعروفة فى الاستنطاق. وهؤلاء عادة لا يزيد عددهم على عشرة أو عشرين شخصا.
فى حين أن الدول التى تحترم حقوق البشر وكراماتهم تجرى التحريات أولا ثم تلقى القبض على من تتوافر ضده أدلة كافية لاتهامه، حتى إن الشرطة فى انجلترا لم تلق القبض إلا على ثمانية أشخاص فقط فى حادث التفجيرات التى هزت لندن عام 2005، فقتلت 50 شخصا وأصابت 700.
أما قضية إهمال تنمية سيناء وترك أهلها فريسة للفقر والبطالة، فهى مما لا ينبغى الاستهانة به، لأن هذه هى البيئة التى فرخت التطرف والإرهاب فى الصعيد. وهى ذاتها المشكلة التى فجرت تمرد الحوثيين فى شمال اليمن. وقد اعتبر بعض الباحثين أن ذلك الإهمال من قبيل ما سموه «تطرف التنمية»، الذى يهدى قطاعات من المجتمع إلى التجمعات الإرهابية حيث تجد لديهم رصيدا كافيا للتمرد والنقمة والقطيعة مع السلطة والمجتمع.
أضيف من جانبى مسألة أخرى جوهرية لا تمس سيناء وحدها، وإنما تحولت إلى إحدى مشكلات المجتمع المصرى المستعصية، التى لا يوجد لها حل فى الأجل القريب، أعنى بذلك التعامل مع المشكلات الاجتماعية بعقلية أمنية، وهو ما سميته من قبل إدارة المجتمع بعقلية المطرقة، التى لا تعرف التفاهم أو السياسة ولا تخاطب الآخرين إلا بلغة الهراوة أو المطرقة.
وهو ذات النهج الذى لا يؤمن بالتنمية أو المشاركة أو محاولة كسب القبائل واحترام خصوصيتها، وإنما يعتبر أن القمع هو الحل. ولا يحتاج المرء إلى عراف أو قارئ كف لكى يخلص إلى أنه طالما ظل القمع هو الحل، فإن المجتمع لن يعرف الاستقرار، قبليا كان أم حضريا، وهو درس قديم ظل المستبدون محصنين ضد تعلمه، بالرغم من أن أغلبهم دفعوا ثمنا باهظا جراء ذلك.
06/11/2014