ثالوث الفقر والتلوث والقرصنة يخنق صيادي مصر
...............................................................
بقلم : هند سليم
.................
|
معاناة الصيادين فى مصر |
بينما أثار خبر عودة الصيادين المختطفين بالصومال فرحة مدينة السويس المصرية، وارتاحت قلوب العديد من الأسر التي عانت على مر شهور من الترقب والخوف على مصير عوائلها المختطفين، حرك هذا الخبر لدي الرغبة في الكشف عن طبيعة عمل هؤلاء الصيادين والمخاطر والمشكلات التي تواجههم.
وفوجئت بأن جميع الصيادين الذين التقيت بهم بمحافظة السويس الواقعة شرق القاهرة تعرضوا للقرصنة أو الاعتقال في إحدى دول الجوار، بل إن بعضهم تعرض للاعتقال أكثر من مرة.
عادل الفقي مساعد رئيس مركب، تمثل قصته تجسيدا حيا لهذه المعاناة، فقد استمر لفترة رهن الاعتقال بدولة مجاورة وكانت النتيجة إصابته بعجز نسبته50 %.
ويسترجع الفقي قصة هذا الاعتقال، حيث أوقفته شرطة دولة إريتريا من المياه الدولية مع 20 بحارا آخرين، واقتادوهم إلى جزيرة منعزلة لمدة يوم واحد، ثم نقلوهم إلى الميناء الدولي، ومنه إلى صحراء لم يروا فيها إلا العساكر والذئاب والثعابين، وكان هذا هو السجن الخاص بهم. ويستطرد قائلا: كان علينا أن نجمع الحطب في هذا السجن، ولا نحصل إلا على وجبة واحدة من العدس الجاف يوميا، لدرجة أننا كنا نسقط من
شدة الإعياء، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد منعونا حتى من أداء الصلاة، واعتدوا علينا بالضرب لدرجة أن الشرطي الإريتري كان يدوس على رقابنا بقدمه!!
ورغم محاولات البعض الهرب -كما يؤكد الفقي- فإن بعد المنطقة التي كانوا فيها وانعزالها، أحبط عملية الهروب، والنتيجة تعرض البحارة لمزيد من الضرب والتعذيب والإهانات، وتدخل السفير المصري في إريتريا للإفراج عنهم بعد قضاء 13 شهرا، تدهورت خلالها حالتهم الصحية.
الأجر حسب الظروف
جانب آخر من المعاناة تلخصه عبارة "الصيادون مش لاقيين ياكلوا ولو دخلت بيوتنا هاتعرفي إحنا عايشين إزاي"، التي كثيرا ما استمعت إليها عندما التقيت بالبحارة بالسويس التي تضم أحد أكبر مواني الصيد في مصر.
يقول محمد غريب -رئيس مركب- توقفت عن العمل نظرا لضعف العائد حيث تتكلف الرحلة حوالي "130 ألف دولار تقريبا" (الدولار =5.30 جنيهات مصرية)، نظرا لارتفاع أسعار الثلج والغاز والحصول على تراخيص، بينما أسعار السمك لازالت كما هي، فإذا غطت الرحلة تكاليفها يقسم الدخل بين صاحب المركب والبحارة، وإن لم تحقق العائد فلا شيء يلزم صاحب المركب بدفع رواتب الصيادين!!
ويؤكد أن الصياد غير مؤمن عليه، فقد أصبت في ذراعي قبل عدة سنوات وتحملت تكاليف علاجي الذي اشتمل على تركيب 7 مسامير، فلا يوجد مستشفى لعلاج الصيادين، والتأمين الوحيد الذي يحصل عليه الصياد بعد بلوغه الـ60 عاما يبلغ 71 جنيها شهريا "12 دولارا تقريبا"!!
ويقول ممدوح الأصبحي رئيس مركب إننا نقضي عشرات الأيام لا نرى فيها سوى البحر والسماء، والسفينة معرضة للتوقف في أي لحظة، وفي هذه الحالة نلقي بالخطاف من ظهر السفينة فإذا شبك في الأرض تزيد احتمالات النجاة وإن لم يحدث ينطق البحارة الشهادتين لعلمهم أن الأمواج ستعصف بالسفينة وقد ينتهي الأمر بالغرق.
الهروب إلى اليونان
في ظل هذه المشاكل اتجه الكثير من الصيادين إلى الخارج خاصة اليونان، فالقانون اليوناني يلزم صاحب المركب بالالتزام بحقوق الصياد بعكس الحال في الواقع المصري، وذلك رغم مهارة الصياد المصري وقدرته على العمل في ظل أسوأ الظروف وأقل الإمكانات.وعادة ما يلجأ الصياد المصري للسفر لعلاج أزمة ما مثل تزويج أحد الأبناء.. هكذا برر أحمد علي رئيس مركب سفر العديد من الصيادين.
ويضيف قائلا: رغم وجود عقد بين صاحب المركب والصياد، فإن صاحب العمل اليوناني قد يرحل الصياد في أي وقت، ويتطلب تجهيز أوراق السفر 10 آلاف جنيه، والوسيط يحصل على 5 آلاف جنيه، وأحيانا يسقط بعض الصيادين فريسة لنصب الوسطاء إذ يحصلون منهم على الأموال، ولا يحققون لهم وعودهم بالسفر.
التلوث الضلع الثالث
التلوث هو الضلع الثالث بعد القرصنة والفقر في المثلث الخانق حول الصيادين المصريين، ويرى محمد محمود رئيس مركب أن ممارسة المهنة في مصر أمر بالغ الصعوبة، فمثلا بحيرة المنزلة التي كانت مساحتها 750كيلومترا أصبحت الآن 120 كيلومترا بسبب تجفيفها وسيطرة الكبار عليها، كما تعاني البحيرة من التلوث بسبب مياه الصرف الصحي، مما أدى إلى إصابة الصيادين بأمراض مثل السرطان والكبد، كما أن السمك أصبح ملوثا.
ويوضح د.عثمان عبد الفتاح الريس أستاذ الكيمياء البحرية في كلية العلوم جامعة الإسكندرية أن بحيرة المنزلة ملوثة بالبلهارسيا.
والتلوث أثر بشدة على الإنتاج السمكي، فمثلا بحيرة المريوطية التي كانت تنتج 14 ألف طن من الأسماك سنويا أصبحت تنتج حاليا 4 آلاف طن، وقد يكون التلوث ناتجا عن الصرف الصناعي "مخلفات المصانع" كما هو الحال في خليج أبوقير بالإسكندرية الذي أصبح خاليا من الأسماك، أو صرف صحي يحتوي على المواد العضوية التي تستخدم الأكسجين، وبالتالي لا تجد الأسماك أكسجين لتتنفسه، وعادة ما ننصح الناس بألا يتناولوا من الأسماك التي تعيش في المياه الملوثة سوى لحومها؛ نظرا لتركز السموم في الخياشيم والرأس والكبد، وتتميز هذه الأسماك بأنها رقيقة مقارنة بالأسماك الأخرى.
ويضيف أن إحدى المشاكل تسببها ناقلات البترول التي تملأ خزاناتها بمياه البحر بعد إفراغ حمولتها وعادة ما تحتوي هذه المياه على كائنات بحرية، وعندما تفرغ الناقلة حمولتها من المياه تحدث مشكلتان: الأولى هي أن المياه تكون مختلطة بالزيوت، الثانية أن بعض الكائنات البحرية عندما تنتقل من بيئتها الأصلية إلى مكان آخر كأن تنتقل من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وتتغذى على نوعية طعام مختلف تتحول إلى أسماك سامة، وعلاج هذه المشكلة يتطلب نقل السمكة في حوض آخر وإطعامها الطعام المناسب قبل فترة من صيدها.
المهنة متوارثة
ورغم أن مهنة الصيد تحت هذه الظروف وبعائدها الضئيل، تحقق المثل الشعبي المصري "مش جايبة همها" فإن البعض اختارها ليعمل بها.
ويقول ممدوح الأصبحي: لقد ورثت هذه المهنة أبا عن جد ومعظم العاملين فيها ورثوها عن آبائهم، وبدأت العمل بها عندما كان عمري 12 عاما، ثم أصبحت بحارا ثم مساعد رئيس مركب ثم رئيس مركب عندما كان عمري 35 عاما.
ويعتمد التدرج في هذه المهنة -كما يؤكد الأصبحي- على ذكاء البحار وقدرته على التعلم، فالمتدرب يمكنه أن يصبح بحارا خلال سنة إن كان لديه قدر كاف من الذكاء، وعادة ما يضم المركب 20 صيادا، ويعتمد ذلك على حجم المركب الذي يتكون من 3 طوابق؛ الأول: يضم الثلوج الذي توضع فيها الأسماك، والثاني: يضم غرف البحارة والمطبخ والحمام، والثالث: به القيادة وأجهزة الكمبيوتر والرادار والقمر الصناعي وجهاز كشف الأعماق والبوصلة.
وتعمل كل مجموعة من الصيادين على مدى 4 ساعات ثم يجرى استبدالهم ببحارة آخرين، والعمل يكون من خلال فرش الشبكة في عمق البحر وتتولى كنس جميع الكائنات البحرية الموجودة، ويتميز رئيس المركب بأن لديه خبرة أكثر، فهو يستطيع أن يحدد أماكن الأسماك والشعاب المرجانية التي تضر بالسفينة وقد تؤدي إلى غرقها في حالة الاصطدام بها.
06/11/2014