المغرب .. المعذبون فى الأرض
...............................................................
|
المغرب .. المعذبون فى الأرض |
مريم التايدي - كاتبة مغربية
...............................
في الطريق إلى منابع أم الربيع لا زال منظر أولئك الأطفال يطاردني .. أتذكر أنه وقتها حرمني النوم ، وكنت أظن أنني نسيت الموضوع ، لكن ما أن أطلق تجمع المدونين المغاربة حملته حول "أطفال لا يخيمون " ..حتى بدات كل مشاهد البؤس التي رأيتها ..وكل الأطفال المحرومين الذين صدفتهم في حياتي تلاحقني ، وتلح علي أن أكتبي عنا "فنحن المعذبون في الأرض.
أنه بالضبط صيف 2007 ، حين قررت أنا وأسرتي الصغيرة الأقامة خلال العطلة الصيفية بمدينة إيموزار (ايموزار، مدينة مغربية تقع على سفوح جبال الأطلس المتوسط على الطريق الوطني الرابط بين فاس و مراكش) وكل من يعرف المدينة الصغيرة والجميلة ، يعرفها أنها منتجع صيفي للتخييم بأمتياز ، ولا يمكنك التجول فيها دون أن تلتقي بأفواج الأطفال المخيمين ، من جميع الهيئات ، بلباسهم الموحد وصفوفهم المرصوصة وأناشيدهم العذبة ، أنهم يؤثثون مشهد المدينة ، شيء جميل …مفرح ..لكن لا يمكن أن تظل في المدينة الصغيرة طول الوقت ، فلا بد أن تزور الأماكن المحيطة بها ، عين فيتيل حيث الأطفال أيضا يبعثون فيك السعادة …إفران..
في أحد الايام قررنا أن نزور منابع أم الربيع وهناك ستنقلب الصورة الجميلة التي راقصت العيون وسنصادف على الطريق أطفال لا تظهر لملابسهم ألوان ولا تظهر على وجوههم ملامح أستوقف الصغير السيارة ولكم أن تتوقعوا سنه فقامته بالكاد تصل لزجاج النافذة يحمل بيده سلة صغيرة من التين لا يعرف ألا لغته المحلية ، لم أستطع التواصل معه ، لكني عرفت أنه يريد بيعنا التين تالمت من المشهد خصوصا وأن أبني الصغير الذي لا يكبره ألا بالقليل يطرح علي أسئلة محرجة ماذا يفعل الصغير ؟ لماذا هو هكذا ؟ أين أمه؟..أسئلة بريئة تتعمق عندي لتصبح ، لماذا هذه المنطقة معزولة ؟ أين المسئولين ؟ أين الدولة ؟ أين الوزارة الوصية ؟ أين البرامج الحكومية ؟
|
هؤلاء الأطفال أصدقائي لا يجدون ما يأكلون |
أطفال أخرون لا يعرفون ألا كلمة "درهم" للدلالة على أنهم يريدون المساعدة تخاف أن تصدمهم بالسيارة وهم يعترضون الطريق يشعرونك بالحنق والغضب من نفسك وأنت تمر بينهم.. طريق عشوائي ..سكن عشوائي وحرارة مفرطة ..لا خضرة في المكان وتظهر أثار منابع للمياه بترسبات بيضاء أنها جافة ، لكنها أصلا ينابع مالحة.
هؤلاء الأطفال أصدقائي لا يجدون ما يأكلون ، لا يجدون الماء الذي جعل الله منه كل شيئ حي لا يجدون ماءا للاستحمام وغسل الملابس لا يجدون ما يشربون ، حتى ينابعهم المالحة أصبحت جافة لا يستطعون لها طلبا ، منهم فتيات في عمر الزهور بريئات لا يملكن ألا أوجها مستديرة وأعينا براقة يقفن يتأملن السيارات الفارهة التي تمر من الطريق والتي لا تمر ألا قليلا ، يصرخن وكأنهن يشاهدنها لأول مرة ، وكان الحياة تطل عليهم من الغبار الذي تتركه وراءها ..
لا أدري ما أقول ..ولا أتذكر كل ما رأيت ..ما لا أستطيع أن أنساه هو أنني ذرفت دموعا غزيرة في ذلك اليوم ، وشعرت بحنق شديد فقد كنت أعتقد أنني أعرف الفقر ، عشته وعايشته ، لكن في الطريق الى منابع أم الربيع أكتشفت فقر الفقر ..أنه العوز ..أنها الفاقة ..أنه بحق مغرب عميق عميق جدا ، بألم شديد تابعنا المسير وستكون المفاجاة كبيرة عند الوصول إلى المنابع فهنا الماء عذب فرات يتدفق ..يتدفق ويحدث دويا يحدث البهجة و السرور ينبع بقوة ..يحدث المعنيين "أنا هنا" "أنا موجود" فكيف يعقل أنه على بعد يوجد أطفال يموتون من العطش و من العزلة أفهموني ..ما هذا؟
06/11/2014